دعوات لحوار وطني تثير جدلا بين القوى السياسية في تونس
تونس - تستمر في تونس دعوات متنوعة إلى حوار وطني، حيث شهدت الساحة السياسية حالة من الحراك بعد تعالي الأصوات المطالبة بضرورة إجراء هذا الحوار لا سيما على إثر دعوة الرئيس التونسي قيس سعيد في مطلع يناير/كانون الثاني الى ما أسماه "وحدة وطنية".
وخلال جلسة عامة للبرلمان التونسي، طالب عدد من النواب التونسيين بالوحدة الوطنية مؤكدين أنها "السبيل الأنجح لمجابهة التحديات المستقبلية، بعيداً عن المقاربة الأمنية والعقوبات وخطابات العنف وإغلاق الفضاءات العامة للنقاش، وعلى رأسها الإعلام".
وقال النائب المستقل بالبرلمان ثابت العابد إن "الوحدة الوطنية أمر مطروح على أعلى مستوى هرم السلطة"، مضيفا أن الرئيس قيس سعيد تحدث مؤخرا في 3 مناسبات عنها.
وأكّد العابد أن من بين الإجراءات الضرورية لإنجاح الحوار الوطني "تفعيل الهيئات التعديلية والمنظمات، وخفض التوتر المفروض على الجمعيات، لأنه لا يمكن أن تغيب الأجسام الوسيطة كليا عن المشهد"، لافتا إلى أهمية "تشكيل المحكمة الدستورية من أجل استدامة الديمقراطية وحكم القانون، وإعادة تفعيل الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري، وتمرير مشروع قانون يدعم جودة واستقلالية وسائل الإعلام".
وشدد على ضرورة "الذهاب إلى حوار وطني عقلاني من أجل وحدة وطنية، نحن في أمس الحاجة إليها في ظل التغيرات الإقليمية والدولية"، موضحا أنه "علينا الاستعداد لهذا التوتر، ولا يمكن أن نقف تجاهه إلا في ظل وحدة وطنية ووحدة الصف الداخلي".
وعن دور الأحزاب، قال العابد "في العلوم السياسية غياب الأحزاب يطلق العنان للظواهر الفوضوية والفاشية والشعبوية"، مضيفا أن "الخطاب العنيف الذي يعتمد على تقسيم الشعب إلى أطهار وأخيار وأشرار دون معايير ودون ضوابط لا يخدم مصلحة تونس".
وأكد أن تونس "يجب أن تتجه إلى وحدة وطنية لمعالجة حقيقية للمسائل الأساسية، وهي الاشكال الاقتصادي والتنمية والتشغيل، التي لا يمكن معالجته دون معالجة المشكل السياسي".
وجدّدت أحزاب المعارضة دعواتها الى مصالحة وطنية بينها وبين الحكومة، إذ أكد أحمد نجيب الشابي رئيس جبهة الخلاص الوطني، الواجهة السياسية لحركة النهضة الإسلامية، أن "المصالحة تعكس إرادة طرفين والتقاء إرادتين، وهذا يفترض أن السلطة تعبر عن رغبتها في حلحلة وضع ما، ولكن مركز السلطة هو قيس سعيد"، موضحا أن "هذا يعبر عن انسداد الأفق السياسي في تونس، حتى أن أنصار الرئيس أصبحوا يبحثون عن حل، وبعضهم يطرح فكرة المصالحة الوطنية".
وأضاف أن سعيد "عندما يذكر المعارضة يذكرها على سبيل الشيطنة والتخوين، وآلة القمع منفلتة يوميا.. هناك محاكمات وتحقيقات وسجون".
وتتهم المعارضة سعيد باستخدام القضاء لملاحقة المعارضين له، بينما يردد الرئيس التونسي أن المنظومة القضائية مستقلة وأنه لا يتدخل في عملها.
وأشار الشابي إلى أن "خطاب الرئيس حول الوحدة الوطنية لا يعتبر أن للوسائط مثل الأحزاب والمنظمات وطنية أو نقابية، دور في الحياة العامة"، مشددا على أن "المعارضة تطالب بحوار وطني، سواء شارك فيه قيس سعيد أو لم يشارك".
وتابع أن "هذا يفترض أن الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات المدنية تلتقي في مؤتمر وطني لحوار وطني، مثلما وقع في 2013 وأخرج تونس من أزمة سياسية حادة ونالت الوساطة الرباعية بسبب ذلك الحوار جائزة نوبل للسلام".
لكن الشابي عبَّر عن أسفه من أن "المعارضة ليست في مستوى الالتقاء والارتقاء إلى هذه الحاجة الماسة".
وفي 2013 رعت 4 منظمات مجتمع مدني تونسية حوارا سياسيا بين الحكومة الانتقالية وأحزاب المعارضة، مما أدى إلى وفاق شامل بينهما.
وفازت هذه المنظمات بجائزة نوبل للسلام عام 2015 وهي الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والهيئة الوطنية للمحامين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
وردا على الدعوات إلى حوار وطني، قال الأمين العام لحزب المسار المناصر لمسار 25 يوليو/تموز بدر الدين غرسلاوي إن "الوحدة الوطنية تكون مع كل إنسان يسعى لتحقيق تونس الجديدة، أي المشروع الوطني، مشروع الاستقلال والسيادة الوطنية على المستوى السياسي والاقتصادي".
وأضاف غرسلاوي أنه "لا يمكن أن أمد يدي لإنسان ضرب البلاد، ولا أمد يدي لإنسان أو مؤسسة أو حزب سعى لتفكيك الدولة"، معتبرا أن ذلك "ليس إقصاء، بل وجهة نظر تعتبر أنه لا يمكن (إجراء) نقاش فاسد أو بناء مستقبل معه، البناء لا يكون إلا مع من يحب تونس ويحب المواطن".
وتابع أن "حزب المسار يرى أن المصالحة تتم مع كل مَن هو مؤمن بالمشروع، مع كل هيئة أو منظمة أو حزب وحتى المجتمع المدني الذي عليه المساهمة في المصالحة وتطوير النظام الرئاسي من أجل توازن أكثر بين الوظائف والرقابة"، مضيفا أن "الهيئات والأحزاب التي تؤمن بهذه الأفكار موجودة، وهناك العديد منها المؤمنة بمشروع 25 يوليو/تموز، وطالبنا الرئيس بفتح المجال أمام هذه الأحزاب لبناء هذا المشروع معه".
وتعاني تونس أزمة واستقطابا سياسيا حادا منذ أن فرض سعيد إجراءاته الاستثنائية، وتشمل حل مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات "انقلابا على دستور 2014 وترسيخا لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوى أخرى مؤيدة لسعيد "تصحيحا لمسارة ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي.