دفع دبلوماسي إماراتي لانهاء الحرب في السودان من خلال الحوار
الخرطوم - دعت الإمارات طرفي الصراع في السودان إلى الحوار بما يفضي إلى وقف الحرب التي دخلت اليوم الثلاثاء عامها الثالث بعد أن خلفت عشرات الآلاف من القتلى وأدت إلى تشريد 13 مليون شخص متسببة بأكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث من دون أن تلوح لها نهاية في الأفق.
وبذلت أبوظبي منذ اندلاع الحرب في السودان جهودا حثيثة لتسوية الأزمة ووقفت على نفس المسافة الفاصلة بين طرفي الصراع، معتمدة على دبلوماسية وزانة تسعى إلى تصفير المشاكل وإحلال السلام بعيد عن المزايدات السياسية أو التدخل في شؤون الآخرين، فيما أقامت مئات الأطنان من المساعدات الإغاثية والعديد من المبادرات الإنسانية الإماراتية الدليل على حرص الدولة الخليجية على التخفيف من حدة الكارثة، رغم حملة التضليل والاتهامات التي أطلقها فريق البرهان دون أي حجج، بدعم الإمارات لقوات الدعم السريع، وهو ما فندته أبوظبي بالأدلة القاطعة.
وقالت مساعدة وزير الخارجية الإمارتي للشؤون السياسية لانا نسيبة "مع دخول الحرب المدمرة في السودان عامها الثالث، توجه الإمارات نداء عاجلا من أجل السلام في هذا البلد الشقيق، حيث تُعد هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة من أشد الأزمات وطأة وقسوة في العالم".
وأضافت "يحتاج أكثر من 30 مليون شخص إلى مساعدات إغاثية عاجلة في ظل استفحال المجاعة، والعرقلة المتعمدة لوصول المساعدات إلى مستحقيها"، داعية "القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى وقف فوري، ودائم وغير مشروط لإطلاق النار، والانضمام إلى طاولة المفاوضات بنوايا حسنة وصادقة".
وحثت المسؤولة الإماراتية على "الانتقال إلى عملية سياسية وتشكيل حكومة مستقلة بقيادة مدنية"، لافتة إلى أنه "منذ تفجر الصراع، قدمت دولة الإمارات أكثر من 600 مليون دولار من المساعدات الإنسانية للسودان والدول المجاورة، من خلال وكالات الأمم المتحدة، وذلك بشكل حيادي ودون تمييز وفقاً للاحتياجات الإنسانية".
وخلال الأسبوع الماضي وحده، قتل 400 شخص ونزح 400 ألف آخرون في هجوم شنته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم في شمال دارفور، وفق أرقام الأمم المتحدة.
واشتدت المعارك في إقليم دارفور غرب السودان بعد إعلان الجيش استعادته السيطرة على العاصمة الخرطوم.
وأعلن الجيش السوداني اليوم الثلاثاء عن تقدمه في غرب مدينة أم درمان واستعادته السيطرة على 3 مناطق ومعسكر من قوات الدعم السريع وأشار في بيان إلى أن قواته "دمرت عددا من المركبات القتالية للدعم السريع، وقتلت العشرات منهم، وتطارد البقية".
واندلع النزاع في السودان بين الحليفين السابقين، عبدالفتاح البرهان قائد الجيش السوداني ونائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي" قائد قوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023 وسرعان ما امتدت الاشتباكات التي بدأت في الخرطوم إلى معظم ولايات البلد المترامي الأطراف.
وفي غضون ساعات تحولت مدينة الخرطوم الهادئة إلى ساحة حرب تملؤها الجثث بينما لاذ مئات الآلاف بالفرار.
وخلال عامي الحرب اتُهم طرفا النزاع، الواقعان تحت العقوبات الأميركية، بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين بينها القصف العشوائي واستهداف الأحياء السكنية والبنى التحتية. وتواجه قوات الدعم السريع اتهامات بالعنف الجنسي الممنهج والإبادة الجماعية والنهب، وفق تقارير دولية.
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في بيان الثلاثاء إن السودانيين "محاصرون من كافة الجهات - حرب وانتهاكات واسعة النطاق ومهانة وجوع وغيرها من المصاعب. يواجهون حالة من اللامبالاة من العالم الخارجي الذي لم يُبدِ خلال العامين الماضيين اهتماما يُذكر بإحلال السلام في السودان أو إغاثة جيرانه".
ويقول عبدالرافع حسن (52 عاما) وهو من سكان جنوب الخرطوم "كنا نعيش في رعب من تصرفات أفراد الدعم السريع في الطرقات أو عندما يقتحمون المنازل". ويكشف حسن الذي بقي في الخرطوم لوكالة فرانس برس أنه خسر نصف وزنه خلال سنتين.
ويتابع "الآن بعد أن تحررت منطقتنا منهم نعيش في أمان لكن نعاني من نقص في خدمات المياه والكهرباء" مؤكدا أن معظم مستشفيات العاصمة لم تعد تعمل.
وفي ولاية الجزيرة بوسط السودان يؤكد محمد الأمين (63 عاما) أن مواطني مدينة ود مدني يعيشون بلا كهرباء، مضيفا "بعد تحرير المدينة حدثت بعض المعالجات للمياه لكنها توفر لحوالي 8 ساعات في اليوم".
وبعد دخول الجيش السوداني الخرطوم الكبرى، عادت زينب عبدالرحيم إلى منزلها في بَحْري لتجد أنه "نُهب بالكامل".
وتقول لوكالة فرانس برس إن المدينة محرومة من مياه الشرب والكهرباء، مشيرةً إلى صعوبة الحصول على الأدوية أو الوصول لمستشفى ما زال يعمل، متابعة "للحصول على المواد الغذائية علينا الذهاب إلى أم درمان على بعد نحو 9 كيلومترات، فسوق مدينة بحري محطم واحترق".
وبحسب الأمم المتحدة، قد يعود أكثر من 2.1 مليون نازح إلى الخرطوم في خلال الأشهر الستة المقبلة، إذا ما سمحت الأوضاع الأمنية والبنى التحتية بذلك.
وشهد إقليم دارفور أكثر المعارك حدة في الأشهر الماضية، خصوصا مع محاولة قوات الدعم السريع السيطرة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي آخر مدينة رئيسية لا تزال خارجة عن سيطرتها في الإقليم.
وأطلقت هذه القوات الأسبوع الماضي هجوما جديدا عند أطراف الفاشر التي تحاصرها، أتاح لها السيطرة على مخيم زمزم الذي يعاني المجاعة، بعد يومين من القصف المدفعي العنيف وإطلاق النار.
ونقلت الأمم المتحدة الاثنين عن "مصادر موثوقة" تأكيدها أن حصيلة هذه المعارك تجاوزت 400 قتيل، بينما فرّ نحو 400 ألف شخص من المخيم، حسبما أفادت المنظمة الدولية للهجرة.
ويرى محللون أن قوات الدعم السريع ستركز في الفترة المقبلة على تأمين المناطق الحدودية وضمان خطوط إمدادها، ما يعزز الانقسام في البلاد التي يسيطر الجيش السوداني على شمالها وشرقها بينما تسيطر الدعم السريع وحلفاؤها على الغرب ومناطق في الجنوب.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش الإثنين إن السودان "لا يزال عالقا في أزمة ذات أبعاد مذهلة يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى"، داعياً إلى "إنهاء هذا الصراع العبثي".
ودعا غوتيريش المتمتعين بأكبر قدر من النفوذ لدى الأطراف المتحاربة إلى استخدام هذا النفوذ لتحسين حياة شعب السودان بدلا من إطالة أمد هذه الكارثة.
وشدد في بيانه على أهمية "وقف الدعم الخارجي وتدفق الأسلحة" مشيراً إلى "مواصلة تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان بما يسمح باستمرار الصراع وانتشاره".
وجاء بيان غوتيريش عشية اجتماع دولي تستضيفه لندن الثلاثاء "للاتفاق على خارطة طريق لإنهاء المعاناة"، وفقاً لوزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي الذي حذر من أن استمرار العنف في السودان يدفع الآلاف إلى اللجوء إلى دول المنطقة مؤكداً أن "السودان المستقر والآمن هو حيوي لاستقرار المنطقة".
وشارك في الاجتماع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا والإمارات المتحدة وتشاد وممثلون عن الاتحاد الأوروبي بينما يغيب عنه طرفا النزاع السوداني.
وحشدت هذه القمّة أكثر من 800 مليون يورو إضافي للمساعدات الإنسانية الموجّهة للبلد الغارق في أزمة إنسانية كارثية.
وأحصت الأمم المتحدة قتل أو تشويه 2776 طفلا بين 2023 و2024 في السودان، مقابل 150 في 2022. ومن المرجح أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى.
ومن الصعب التوصل لأرقام دقيقة لضحايا حرب السودان بسبب انهيار القطاع الصحي، إلا أن المبعوث الأممي السابق إلى السودان توم بيرييلو قدر عدد القتلى بنحو 150 ألفا.
واعتبرت منظمة الأمم المتّحدة للطفولة "اليونيسف" أن "عامين من الحرب والنزوح حطّما حياة ملايين الأطفال في أنحاء السودان".