دليلك الى تشكيل حكومة فاسدة

يكفي لتحقيق اعلى معدلات الفشل، اختيار فريق عمل حكومي اعتمادا على معايير هامشية ليست ذات صلة بتولي الوظائف القيادية مثل الانتماء القبلي والطائفي والعرقي، والاختيار وفق توازنات السوق والتجار.
لا بد من تغيير التقاليد الحكومية في تعيين الوزراء
تشكيل حكومة اصلاح وطني تنهض بالبلاد لا يتحقق الا بترك دليل الحكومة الفاسدة

تدير الحكومة الخطط الاقتصادية في الدولة، وتهيئ الظروف للنمو الاقتصادي، كما تعمل على ضبط السوق وتنظيم حقوق الملكية، وحماية دخل الافراد، وإنفاذ العقود، وتضع الحكومة السياسة المالية العامة الداعمة للاستقرار والنمو الاقتصادي، وبما يضمن استدامة الموارد وكفاءة استغلالها، والتكامل مع السياسات النقدية والهيكلية في إطار الخطط التنموية.
كما تعمل على إعداد مشروع الميزانية العامة للدولة وقواعد تنفيذها، وإدارة الإنفاق العام، والتطوير المستمر للنظم المالية والإشراف على تنفيذها بما يعزز من سلامة وقوة النظام المالي الحكومي والرفع من كفاءة الأداء، وتنويع الموارد بهدف ضمان اعلى معدلات الرفاهية للشعب، وتشرف الحكومة على أملاك الدولة وتعمل على حمايتها، واقتراح طرق استغلالها في حدود السياسة العامة للدولة.
هذه هي مهام الحكومة في العلوم السياسية والقانون الدستوري، فعلى سبيل المثال تورد المادة (123) من دستور دولة الكويت: (يهيمن مجلس الوزراء على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية).
وفي الوظيفة المالية تقرر المادة (٢٠) "الاقتصاد الوطني أساسه العدالة الاجتماعية، وقوامه التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص، وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين، وذلك كله في حدود القانون".
وتؤكد المادة (٢١) على أن "الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك الدولة، تقوم على حفظها وحسن استغلالها، بمراعاة مقتضيات أمن الدولة واقتصادها الوطني."
في بيان المادة سالفة الذكر اسهبت المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي بالشرح، نقتطع منه الآتي "نصت هذه المادة على أن الدولة تقوم على حفظ الثروات الطبيعية وحسن استغلالها، بمراعاة مقتضيات أمن الدولة واقتصادها الوطني، ويقصد بهذه العبارة أن تراعي الدولة في هذا الشأن عند استغلالها لأي مصدر من مصادر الثروة أو مورد من مواردها دور هذا المصدر أو المورد في الاقتصاد الوطني في مجموعه، وبذلك يدخل ضمن المخطط العام للتنمية الاقتصادية، وهو مخطط له أهميته البالغة في اقتصاد الدولة مما يقتضي أن يصدر به قانون خاص".
في الجدل حول وظائف الحكومة وصلاحياتها، يتفق أغلب الباحثين في العلوم السياسية ان السلطة التنفيذية بما تمتلكه من جهاز وظيفي ضخم وإمكانات مالية فهي الاقدر على إدارة المصالح العامة في الدولة، وبالتالي فإن مهمتها تتلخص في رسم وتنفيذ السياسة العامة للدولة في مختلف المجالات بالاستناد إلى الدستور وقوانين الدولة، كما أنها تشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية.
وفقا لما سبق فان مهام الحكومة لا تشمل التالي:
-    العبث بالمال العام وتبذير ميزانية الدولة وبعثرتها دون وجه حق.
-    التغطية على فساد "سراق المال العام" من خلال تسهيل استغلال المناصب الادارية والسياسية حتى وان كانوا من اصحاب الحظوة السياسية والاقتصادية.
-    حماية الفاسدين وايجاد ثغرات قانونية لتهربهم من يد العدالة، حتى أصبحت " شبكة الفساد" أكبر من شبكة الصرف الصحي في البلد.
-    توزيع المناصب الادارية العليا في الدولة لذوي القربى وعوائل تجارية محددة.
-    فرض المزيد من الضرائب على الشعب وارهاق كاهل المواطنين، والنظر لدخله المحدود على أنه جزء من مغانم الدولة.
-    صرف المليارات لتغيير نتائج صناديق الانتخابات وتزوير ارادة الامة، وانتهاك حق الناس في اختيار من يمثلهم.
-    تقسيم الارباح والفوائض المادية على فئات محددة، وتحميل بقية المواطنين أثقال الخسائر والازمات الاقتصادية التي تسببت بها السياسات العشوائية للحكومة. 
-    احتكار الشواطئ العامة واغلاق منافذ الترفيه والسياحة في الدولة لمصلحة ورضا وترفيه عدد محدود من العوائل الثرية وعوائلهم واطفالهم. 
-    الصرف من الميزانية العامة للدولة لدعم حسابات وهمية تنقل الاخبار الخاصة والسرية على حساب تهميش الاعلام الرسمي للدولة. 
-    تمرير صفقات مليارية لبنى تحتية واسكانية عملاقة تنتهي ببقاء ١٠٠ ألف طلب سكني قيد الانتظار، وارتفاع اسعار العقار بشكل فاحش وغير منطقي.
-    تصحر الدولة من المشاريع الترفيهية، والمدن السياحية، وفتح سوق سوداء لتأجير الشاليهات والاستراحات والمزارع والكرفانات والمخيمات.
-    تضييق وتهميش المشاريع الصناعية والإنتاجية الضخمة، واغراق السوق بالمطاعم والمقاهي حتى بلغت في العام ٢٠١٩ الى ١١١ ألف مطعم ومقهى، وبدل أن تكون الدولة منافس صناعي ومن الاقتصاديات المنافسة في المنطقة تحولت إلى "مجمع مطاعم".
الدليل التقني للفشل
النقاط السالف ذكرها وغيرها الكثير ليست من مهام الحكومة المالية والاقتصادية، والاستثمار بالفساد ليس من واجبات الحكومة، ولم ترد في الدستور ولا في مذكرته التفسيرية، ولم تتطرق لها المراجع العلمية في العلوم السياسية، فمن أين تسلل كل هذا الفساد بعدته وعتاده الى جميع مفاصل الدولة؟ وتحت اي مادة دستورية او مذكرة تفسيرية او آراء فقهية للقانون الدستوري يتم تصفير عدادات ميزانية الدولة؟  
ان تشكيل حكومة اصلاح وطني تنهض في البلاد لا يتحقق الا بترك دليل الحكومة الفاسدة التي تم سرد تجلياتها العملية في الاسطر سالفة الذكر، واتخاذ خريطة طريق للنهوض مستندة إلى أدوات عمل واضحة، ولا بد من الاعتراف أن الخلل متشعب في أسبابه، نتحدث مثلا عن طريقة تشكيل الحكومات المتعاقبة، والذي لا يزال ملتزما بتقاليد مضى عليها أكثر من نصف عقد تعكس هموما كانت تؤرق المجتمع قبل قرنين من الزمن لكنها لا تزال هي مدار تفكير الحكومات المشكلة حتى العام ٢٠٢١م.
هذه التقاليد ينبغي أن تتغير ويعاد النظر بها فمخرجاتها كلفت الميزانية العامة للدولة مئات مليارات الدولارات، وأدخلت البلاد في أزمة اقتصادية خانقة، ونقلت البلد من الحديث عن الفوائض في الميزانية إلى الحديث عن حجم العجز والتشكيك في قدرة الدولة على الاستمرار في دفع الرواتب للمواطنين، وعن الحاجة إلى فرض ضرائب على المواطنين، والاضطرار إلى وقف المشاريع التنموية الجديدة على الميزانية الحالية، والاكتفاء باستكمال المشاريع المبرمة فقط.
نتحدث أيضا عن المقاييس التي ينتهجها الرئيس عند اختيار أعضاء الحكومة، والتي تكون في الغالب موضع نقد واستياء من الجميع لكنها تنفذ دون أدنى اعتبار يذكر للرأي العام، بما يعمق من حجم الهوة بين المواطنين والحكومة، وهو أحد أوجه احتقان الشارع الذي لا يجد في المتصدرين للمشهد السياسي أهلية تعكس طموحاته وآماله، فكل الملفات التعليمية والصحية والاسكانية  والأمنية وغيرها متعثرة، ولم يأت الرجل المناسب "ضمن الفريق الحكومي" المؤهل والمتمكن من إعادة ترتيب الاوراق.
ان "تشكيل حكومة فاشلة" لا يتطلب الكثير من الخبرات السياسية والفنية، ولا يحتاج إلى الاستعانة بخبراء وافدين، وانما يكفي لتحقيق اعلى معدلات الفشل اختيار فريق عمل حكومي اعتمادا على معايير هامشية ليست ذات صلة بتولي الوظائف القيادية مثل الانتماء القبلي والطائفي والعرقي، والاختيار وفق توازنات السوق والتجار واصحاب رؤوس الاموال والمحسوبيات، واختيار شخصيات تفتقد ملاك التفكير الخلاق، كما تفتقر لمهارات الحوار والمناقشة، ويمكن أيضا ترك كل الأساليب السابقة واختيار الوزراء بالقُرعة.