دمشق ترفض الحوار مع الأكراد 'الخونة'

قوات سوريا الديمقراطية تخوض وحيدة اشتباكات عنيفة لمنع القوات التركية من التقدم في مناطق سيطرتها في شمال شرق البلاد، غداة بدء أنقرة هجوما واسعا دفع بعشرات آلاف السكان إلى النزوح.

لم يعد للأكراد من حليف يدعمهم في مواجهة أكبر هجوم تركي
تركيا تسيطر على 7 بلدات على حدودها مع سوريا
دمشق تصف الأكراد بعملاء واشنطن
منظمات دولية تحذّر من أزمة إنسانية جديدة

تل تمر (سوريا) - هاجم فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري اليوم الخميس القوات التي يقودها الأكراد وتدعمها واشنطن قائلا إنها خانت بلادها واتهمها بتبني أجندة انفصالية منحت تركيا ذريعة لانتهاك سيادة البلاد.

وردا على سؤال عما إذا كانت دمشق ستستأنف الحوار مع القوات التي يقودها الأكراد والتي تواجه هجوما تركيا يهدف لطردها من شمال شرق سوريا، قال المقداد إن هذه المجموعات المسلحة خانت بلادها وارتكبت جرائم ضدها.

وأضاف لمجموعة من الصحفيين في مكتبه بدمشق أن بلاده لن تقبل أي حوار أو حديث معهم، مشددا على أنه لا يوجد موطئ قدم لمن وصفهم بعملاء واشنطن على الأرض السورية.

الهجوم التركي على سوريا
الهجوم التركي على سوريا

وكانت وزارة الخارجية السورية قد قالت الأربعاء في بيان نقله الإعلام الرسمي، إن دمشق "تدين بأشد العبارات التصريحات الهوجاء والنوايا العدوانية للنظام التركي والحشود العسكرية على الحدود السورية"، مؤكدة "التصميم والإرادة على التصدي للعدوان التركي بكافة الوسائل المشروعة"، منددا بـ"الأطماع التوسعية التركية في أراضي" سوريا.وتأتي تصريحات المقداد بينما تخوض قوات سوريا الديمقراطية وحيدة اشتباكات عنيفة لمنع القوات التركية من التقدم في مناطق سيطرتها في شمال شرق البلاد، غداة بدء أنقرة هجوما واسعا دفع بعشرات آلاف السكان إلى النزوح.

وأعلنت أنقرة ليل الأربعاء بدء هجومها ضد المقاتلين الأكراد في خطوة جاءت بعد ما بدا أنه أشبه بضوء أخضر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي سحب جنودا أميركيين من نقاط حدودية وواجه انتقادات من شركاء واشنطن في دحر تنظيم الدولة الإسلامية لتخليه عن الأكراد.

وحذرت منظمات إغاثة دولية من أزمة إنسانية جديدة في وقت يعقد فيه مجلس الأمن الدولي الخميس بطلب من عدة دول أوروبية اجتماعا مغلقا طارئا لبحث الهجوم التركي.

وتدور اشتباكات عنيفة الخميس على عدة محاور في شمال شرق سوريا، تتركز في منطقتي رأس العين في ريف الحسكة الشمالي وتل أبيض في ريف الرقة الشمالي، وفق ما أفادت قوات سوريا الديمقراطية والمرصد السوري لحقوق الإنسان.

العملية العسكرية التركية في سوريا
العملية العسكرية التركية في سوريا

وسيطرت القوات التركية وفصائل سورية موالية لها، بحسب المرصد، على سبع قرى حدودية معظمها قرب بلدة تل أبيض، وسط قصف مدفعي كثيف. كما شنت طائرات تركية غارات على المنطقة الممتدة بين تل أبيض ورأس العين.

والمنطقة الممتدة من تل أبيض غربا إلى رأس العين شرقا ذات غالبية عربية. وتوقّع محللون في وقت سابق أن يقتصر الهجوم التركي على هذه المنطقة في مرحلة أولى.

وعلى الطريق الدولي المؤدي إلى رأس العين شوهدت حافلات محمّلة بمقاتلين من قوات سوريا الديمقراطية في طريقها إلى جبهات القتال.

وأحصى المرصد منذ الأربعاء مقتل تسعة مدنيين و23 عنصرا من قوات سوريا الديمقراطية جراء الهجوم.

وفي الجانب التركي قتل ستة مدنيين بينهم رضيع سوري وطفلة الخميس في قذائف اتهمت السلطات مقاتلين أكراد بإطلاقها.

وتهدف أنقرة من الهجوم، الذي ندّدت به دمشق وحليفتاها طهران وموسكو، إلى إقامة منطقة آمنة بعمق ثلاثين كيلومترا تبعد عنها المقاتلين الأكراد وتعيد إليها قسما كبيرا من 3.6 ملايين سوري لجأوا إلى أراضيها.

ودعا الأكراد المتمرسون بالقتال واشنطن إلى فرض حظر جوي من شأنه أن يساعدهم في التصدي للهجوم التركي.

وهذا ثالث هجوم تشنّه تركيا مع فصائل سورية موالية لها في شمال سوريا، بعد هجوم أوّل عام 2016 سيطرت بموجبه على عدة مدن حدودية وثان عام 2018 سيطرت خلاله على منطقة عفرين الكردية.

وتُصنف أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية "منظمة إرهابية" وتعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا ضدها منذ عقود.

أكراد العراق يتظاهرون تنديدا بالعدوان التركي على نظرائهم السوريين
أكراد العراق يتظاهرون تنديدا بالعدوان التركي على نظرائهم السوريين

وبدأت العملية التركية الأربعاء بعد يومين من سحب واشنطن بين 50 ومئة جندي من نقاط حدودية بقرار من ترامب الذي تعرض لانتقادات واسعة اتهمته بالتخلّي عن المقاتلين الأكراد الذين فقدوا وفق تقديراتهم 11 ألف مقاتل في المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

وأسفر الهجوم منذ الأربعاء عن حركة نزوح واسعة وأحصى المرصد فرار أكثر من 60 ألف مدني من مناطق حدودية باتجاه مدينة الحسكة جنوبا ومحيطها.

وفي بلدة تل تمر، شوهد مدنيون من رجال ونساء وأطفال يحملون أمتعتهم من ثياب وأدوات منزلية وحتى خزانات المياه.

وقال ريزان محمد (33 عاما) أثناء فراره وعائلته من مدينة القامشلي التي يطالها القصف المدفعي "البارحة كان يوما مرعبا"، مضيفا "نتوجه إلى الريف، لم نعد نشعر بالأمان".

وحذرت 14 منظمة إنسانية وإغاثية في بيان مشترك الخميس من حدوث أزمة إنسانية جديدة في شمال شرق سوريا، حيث يعيش 1.7 مليون شخص وفق الأمم المتحدة.

وأبدت عدة دول أوروبية قلقها البالغ من تداعيات الهجوم على مواصلة المعركة ضد خلايا تنظيم الدولة الإسلامية ومن احتمال أن يُسهم في انتعاشه مجددا مع انصراف المقاتلين الأكراد إلى مواجهة تركيا. ووجهت انتقادات لاذعة لأردوغان.

ودعا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تركيا الخميس إلى "أن تنهي في أسرع وقت" عمليتها العسكرية، منبها إياها من "خطر مساعدة داعش في إعادة بناء خلافته".

الادارة الكردية تشرف على مخيمات وسجون تضم آلاف الأسرى من جهاديي وجهاديات داعش
الادارة الكردية تشرف على مخيمات وسجون تضم آلاف الأسرى من جهاديي وجهاديات داعش

لكن أردوغان خاطب الخميس منتقديه قائلا "أيها الاتحاد الأوروبي تذكر: أقولها مرة جديدة، إذا حاولتم تقديم عمليتنا على أنها اجتياح، فسنفتح الأبواب ونرسل لكم 3.6 ملايين مهاجر" سوري.

وقال "سنفعل ما هو ضروري مع المساجين من تنظيم الدولة الإسلامية. من يجب أن يبقوا في السجن سنبقيهم فيه وسنرسل الآخرين إلى بلدانهم الأصلية، إذا قبلت هذه الأخيرة".

وتظاهر الآلاف من الأكراد العراقيين الخميس منديين بأردوغان. وأقدم المتظاهرون في أربيل على إحراق العلم التركي، رافعين أعلام كردستان ووحدات حماية الشعب الكردية، وصورا لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان.

وفي مدينة السليمانية بشرق العراق، تظاهر نحو خمسة آلاف كردي عراقي هاتفين "أردوغان ديكتاتور"، منددين بالهجوم الذي اعتبروا أنه سيعزز قدرات جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية.

وفي أربيل كبرى مدن إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي، خرج إلى الشارع المئات وغالبيتهم من الأكراد السوريين اللاجئين.

وتظاهر هؤلاء بداية أمام مقر الممثلية الأممية في أربيل، قبل التوجه إلى القنصلية التركية، لكن طوقا أمنيا لقوات الأسايش (الأمن الداخلي الكردي) منعهم من الاقتراب.

وأقدم المتظاهرون في أربيل على إحراق العلم التركي، رافعين أعلام كردستان ووحدات حماية الشعب الكردية، وصورا لزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان.

وأعلنت الإدارة الكردية الخميس أن القصف التركي الأربعاء طال سجنا يقبع فيه مقاتلون أجانب من التنظيم في مدينة القامشلي، فيما ذكر المرصد أن القصف استهدف محيطه.

وتعتقل قوات سوريا الديمقراطية 12 ألف عنصر من التنظيم، وفق ما قال مسؤول هيئة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية عبدالكريم عمر وبين هؤلاء ما بين 2500 وثلاثة آلاف أجنبي من 54 دولة.

ويتوزع هؤلاء على سبعة سجون مكتظة موزعة على عدة مدن وبلدات بعضها عبارة عن أبنية غير مجهزة وتخضع لحراسة مشددة.

ورغم إصرارها على القتال، يرى محللون أن قوات سوريا الديمقراطية لن تتمكن من صد هجوم يمتد على مناطق حدودية واسعة خصوصا في ظل قصف جوي يستهدفها.

ويقول الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيراس "تركيا والفصائل السورية معها ستخرق دفاعات قوات سوريا الديمقراطية وتشكل ثغرة فيها"، لكن السؤال الأساسي بالنسبة إليه "يكمن في معرفة إلى أي مدى ستتقدم تركيا قبل أن توقفها الأطراف الدولية والإقليمية".

واعتبرت طهران أن الحل يكمن في انتشار قوات النظام في هذه المنطقة، كما دعت روسيا إلى مفاوضات بين الأكراد ودمشق، الأمر الذي رحبت به الإدارة الكردية.