
دوو شوخو: الصين معرضة بشدة للآثار السلبية لتغير المناخ
تبرز أهمية كتاب "التحول الأخضر للمدن الصينية" تحديات التغير المناخي وآليات استجابة بكين "للبروفيسور الصيني دوو شوخو من كونه يتناول بشكل مفصل التغيرات والتحولات البيئية في المدن الصينية في ظل التغير المناخي العالمي.
فمن أجل مواكبة التحديات المختلفة التي تواجه البيئة الأيكولوجية الحضرية في ظل ظروف تغير المناخ، توجب أن يكون نموذج التنمية الحضرية المستقبلي مختلفاً عن النموذج الحالي، كما أصبح التحول الأخضر للمدن بمثابة أمر حتمي، وهو التحول الذي قطعت فيه الصين شوطاً جيداً.
يرى البروفيسور دوو شوخو في كتابه الذي ترجمه محمد عبدالحميد ويمثل أحدث إصدارات سلسلة "قراءات صينية" التي تصدر عن صفصافة للنشر بإشراف د.حسانين فهمي حسين، أن "التعامل مع التحول الأخضر للمدن في ظل ظروف تغير المناخ يفرض التعامل بشكل منسق مع جوانب السكان، الموارد، البيئة، والتنمية، كما يفرض كذلك تحويل بناء المدن إلى بناء "فضاءات إنتاجية موفرة وعالية الكفاءة، فضاءات معيشية مناسبة للسكن، وفضاءات بيئية تتمتع بالمناظر الطبيعية" وتحويلها كذلك إلى منازل سعيدة بحدائق غناء تضع في الاعتبار الجانب النفسي للبشر.
وتنظر الصين إلى نموذج المدن "الموفرة للموارد، الصديقة للبيئة، والآمنة مناخيًا"، باعتبارها النموذج المستهدف للتحول الأخضر للمدن، وهو النموذج المستهدف كذلك لتعزيز بناء الحضارة الأيكولوجية.
ويؤكد أن القضايا البيئية، وأبرزها تغير المناخ من القضايا الملحة، باتت تستحوذ على الاهتمام على كافة المستويات، بداية من المنظمات الدولية والحكومات، وحتى رجل الشارع العادي، سواءً في الدول النامية أو الدول المتقدمة، وذلك بعد أن ظهرت الآثار المدمرة لها، والتي يمكن أن تطول الأحوال المعيشية والحياة اليومية للبشر، بعد أن كان ينظر إلى مناقشة تلك القضايا باعتبارها رفاهية فكرية. ويشير ما يسمى بتغير المناخ إلى التغيرات التي حدثت على مستوى العالم بداية من القرن العشرين إلى أوائل القرن الحادي والعشرين، والتي تمثل طابعها الرئيسي في ارتفاع درجة الحرارة. فقد ارتفع متوسط درجة حرارة السطح على مستوى العالم بمقدار 0.74 درجة مئوية في المائة عام المنصرمة، كما بلغ معدل زيادة درجة الحرارة على مدار الخمسين عامًا الماضية قرابة ضعفي ما كان عليه المعدل خلال المائة عام الماضية.

ويلفت دوو شوخو إلى إن المدن هي المتهم الأول في قضية تغير المناخ، فالمدن هي المستهلك الرئيس للموارد والطاقة، كما أنها المنتج الرئيس لانبعاثات الغازات الدفيئة. وتمثل انبعاثات الكربون في المناطق الحضرية ثلاثة أرباع انبعاثات الكربون العالمية.
ويوصف القرن الحادي والعشرون بأنه قرن المدنية. حيث تجاوز عدد سكان الحضر سكان الريف لأول مرة عام 2010، ليصبح معلمًا بارزًا في تاريخ التنمية البشرية. ومع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومع التوسع في التقسيم الاجتماعي للعمل، أنشأت البشرية بشكل تدريجي مدنًا وأسست أساليب إنتاجية، أنماط حياتية، وأنماط استهلاكية للمدن الحديثة سعيًا خلف حياة سعيدة.
ومع استمرار التوسع في حجم المدينة، ومع تزايد الطلب على النقل، الطاقة، البناء، والمعلومات، وغيرها من الجوانب، ظهر بشكل واضح للعيان تأثير المدن تجاه الماء والهواء، بل وتجاه التنمية المستدامة للمدينة ذاتها. وفي الوقت الذي لا تزال فيه مدن العالم مهددة بنقص الموارد والتلوث البيئي، فإن الاحتباس الحراري قد عرض مدن العالم لكوارث خطيرة تتعلق بالمناخ، وهي الكوارث الأكثر تكرارًا والأكثر حدة.
ويشير إلى إن النتيجة المباشرة لظاهرة الاحتباس الحراري تتمثل في احتمالية ارتفاع مستوى سطح البحر في العالم بمقدار 82 سم بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، وبالتالي سيتم غمر المدن الساحلية ودول ومناطق الجزر. وبه، ستشهد 136 مدينة ساحلية رئيسية حول العالم منها شانغهاي وقوانغجوو وغيرها، خسائر في الممتلكات تبلغ قيمتها 2821 تريليون دولار أميركي.
وفي عام 2011 تعرضت مدينة طوكيو اليابانية لكارثة معقدة شملت زلزالًا، ارتفاع في موجات البحر (تسونامي)، بالإضافة إلى أزمة نووية، وفي عام 2012 ضربت العاصفة ساندي مدن الساحل الشرقي الأميركي. وقد كانت هذه الحوادث وغيرها بمثابة ناقوس الخطر في وجه البشرية بسبب الاحتباس الحراري.
وينبه دوو شوخو إلى إن التمدن ليس فقط أحد الأسباب الجذرية للمشكلات البيئية، ولكنه أيضًا السبيل إلى حلها. وبذلك فإن الخيارات المتمثلة في تنفيذ استراتيجيات التمدن الخضراء والصديقة للبيئة والمنخفضة الكربون، تعزيز التحول والتغير الأخضر للمدن، تغيير الأنماط المعيشية والإنتاجية للإنسان، تبني استراتيجيات استخدام مصادر الطاقة مثل توفير الطاقة، وخلق فرص عمل وتطوير الاقتصاد من خلال الاستثمار في بدائل الطاقة المستدامة، أصبحت جميعًا خيارات حتمية لبناء مدينة مستدامة مع تنمية شاملة ومنسقة في مجالات الاقتصاد، المجتمع، السكان، الموارد، والبيئة في ظل ظروف تغير المناخ.
ويضيفدوو شوخو إن البيئة هي الأم التي نحيا في كنفها، وهي أساس الوجود البشري بالكامل، لذا يتوجب التعامل معها بمنتهى الحرص والحذر، حتى يتسنى لنا أن نضمن لأنفسنا وللأجيال القادمة سبل المعيشة الكريمة.
ويقول إن "الصين معرضة بشدة للآثار السلبية لتغير المناخ، وذلك لما تتسم به من هشاشة النظام البيئي، طول السواحل، انخفاض نصيب الفرد من الموارد ومن ناحية أخرى ومع عدد السكان الكبير، والمستوى المنخفض من التنمية الاقتصادية، وهيمنة الفحم على منظومة الطاقة، توجب على الصين أن تتجه لتطوير الاقتصاد، وحماية الحياة الأساسية لشعبها، وهو الأمر الذي سيؤدي لا محالة إلى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة خلال فترة محددة.
ويوضح أن "تقرير التقييم الوطني بشأن تغير المناخ" الصادر عن الصين ينص على أن الآثار السلبية لتغير المناخ على الصين تتجلى بشكل رئيسي في خمس نقاط أولاً أن خلال المائة عام الماضية تراوح المعدل السنوي لارتفاع درجة الحرارة في الصين بين 0.5-0.8 درجة مئوية. وهو المعدل الأعلى نسبياً بالمقارنة بمتوسط الاحتباس الحراري في العالم في هذه الفترة، ثانياً، خلال الخمسين عاماً الماضية، انخفض هطول الأمطار في الصين بشكل كبير، فقد أدى تغير المناخ إلى حدوث حالات جفاف متكررة في أجزاء من البلاد، ثالثاً، أصبح تغير المناخ هو المتهم الأول في كارثة الفيضانات المتكررة في جنوب الصين، أما في المناطق الشمالية فقد تفاقم التناقض بين العرض والطلب على الموارد المائية، وتكرر حدوث الكوارث البيولوجية، وازدادت حدة الكوارث في المناطق الساحلية، كما تزايد عدم الاستقرار في الانتاج الزراعي، وتدهورت النظم البيئية ومنها الغابات والمراعي، وهو الأمر الذي أثر بشكل مباشر على العديد من المشروعات الكبرى في تلك المناطق، فلم تكتمل في الوقت المحدد لها، ولم تكن عمليات التشغيل فيها على مستوى الأمان المطلوب.
رابعاً، ارتفع مستوى سطح البحر الساحلي في الصين بمتوسط سنوي قدره 25 ملم خلال الخمسين سنة الماضية، وهو أعلى من المتوسط العالمي بشكل طفيف، خامساً، تقلصت الأنهار الجليدية الجبلية في الصين، بما في ذلك الأنهار الموجودة في جبال الهيمالايا بشكل مطرد سريع. فخلال الخمسين سنة الماضية انخفض مستوى الجليد في بحر بوا خاي وفي المناطق الشمالية من البحر الأصفر، كما انخفضت مساحة الأنهار الجليدية الشمالية بنسبة 21٪، وانخفض سمك التربة المتجمدة في التبت بحد أقصى يتراوح بين أربعة وخمسة أمتار، أما البحيرات الداخلية في الهضبة فقد ارتفع مستوى سطح المياه فيها، وتراجعت انتاجية العشب في المناطق الرعوية في مناطق تشينغ خاي وقان نان.
ثانياً: الصين هي أول دولة نامية تشارك في فعاليات الأمم المتحدة الرامية للاستجابة لتغير المناخ: شاركت الصين ضمن اثنتي وعشرين دولة في أول لجنة عالمية للبيئة والتنمية في عام 1983.
وفي عام 1992 شاركت الصين في المؤتمر العالمي للبيئة والتنمية بعنوان "قمة الأرض". كما تعد الصين واحدة من أوائل الأطراف الموقعة على "بروتوكول كيوتو".
وفي عام 1994 كانت الصين أول من نشر جدول أعمال القرن 21، وتم النظر إلى حماية البيئة (بما في ذلك مكافحة تلوث الهواء، والتنمية المستدامة في مجال الطاقة، وغيرها من الجوانب) باعتبارها الجزء الأهم والأكثر حيوية، كما تم النظر إلى الحفاظ على الموارد وحماية البيئة باعتبارها سياسة وطنية أساسية يجب الالتزام بها.
في عام 2002 وضع المؤتمر الوطني السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني هدف بناء المجتمع الرغيد، والذي يجمع بوضوح بين حماية البيئة وبين التنمية الاقتصادية في إطار العلاقة بين الإنسان والطبيعة وبين الإنسان والإنسان.
وفي الجلسة العامة الثالثة للدورة السادسة عشرة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في عام 2003، تم تقديم مفهوم التنمية العلمية المتمحورة حول الشعب، والتي تتسم بالشمول والتنسيق والاستدامة، بالإضافة إلى استراتيجية التخطيط الشامل ذات الجوانب الخمس، والتي تتضمن العلاقات الرابطة بين الإنسان والطبيعة.
وفي عام 2006، وخلال وجوده في اجتماع التعلم الجماعي بالمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، قال خو جين تاو: "إن الحياة البشرية هي الأغلى. إن الصين بلد اشتراكي، ولا يمكن أن يكون تنميتنا على حساب الحضارة الروحية، أو على حساب البيئة، ولا على حساب الحياة البشرية".
وأشار هو جين تاو في خطابه في الاجتماع غير الرسمي لمنظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في عام 2007 إلى أن "تغير المناخ بات قضية عالمية تتعلق بمصالح جميع الأطراف وتتطلب جهوداً مشتركة من جميع البلدان. وفيما يتعلق بتغير المناخ، فإنك بمساعدة الآخرين تساعد نفسك، وفقط من خلال التعاون يمكن تحقيق الربح المشترك. وينبغي على الدول المتقدمة أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية، وأن تنظر بعين الاعتبار إلى الواقع الحالي، والذي يتمثل في ارتفاع نصيب الفرد فيها من الانبعاثات، وأن تنفذ بدقة أهداف خفض الانبعاثات التي حددها بروتوكول كيوتو، وأن تواصل أخذ زمام المبادرة في الحد من الانبعاثات بعد عام 2012. كما يجب على البلدان النامية اتخاذ التدابير المناسبة وفقا لأوضاعها، ولا سيما التركيز على استخدام وهضم واستيعاب التقنيات النظيفة، وتقديم أفضل المساهمات في الاستجابة لتغير المناخ".
وقد تمت الإشارة في تقرير المؤتمر الوطني السابع عشر للحزب الشيوعي الصيني في عام 2007 إلى "تعزيز بناء القدرة على الاستجابة لتغير المناخ وتقديم مساهمات جديدة لحماية المناخ العالمي".
وفي يونيو/حزيران 2007 أوضحت الخطة الوطنية الصينية بشأن تغير المناخ والتي أعدتها اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح موقف الصين ومبادئها في التعامل مع تغير المناخ العالمي.
جاء كتاب دوو شوخو في أربعة أبواب، يتناول كل منها مبحثاً هاماً في هذا الصدد، حيث يتوسع الباب الأول في مناقشة مفهوم وماهية تغير المناخ، كما يتناوله من عدة جوانب، ومنها الجانب المعرفي العلمي، الجانب البيئي، جانب الطاقة، الجانب السياسي، والجانب الإنمائي، بالإضافة إلى الآليات السوقية التي تتعلق بالاستجابة لتغير المناخ، ثم يختم الباب باستجابة الصين لتغير المناخ. ويتناول الباب الثاني التنمية المستدامة للبيئة الإيكولوجية الحضرية، حيث يناقش هذا الباب مفهوم المدن والتمدن، التنمية الحضرية المستدامة، بناء الحضارة البيئية الحضرية، المدن والبيئة الأيكولوجية.
ثم يختم بتناول نماذج من مدن "النوع الثالث" في الصين، باعتبارها نماذج مستهدفة للإصلاح والتحول الأخضر في المدن الصينية.
أما الباب الثالث فيناقش بشكل إجمالي ومفصل حماية ومعالجة البيئة الجوية الحضرية، فيتناول اتجاهات وخصائص تلوث الهواء في المدن الصينية، تأثير تلوث الهواء البيئي وأضراره على المدن الصينية، منع تلوث الهواء ومعالجته في المدن الصينية، مكافحة جسيمات PM2.5، سياسات معالجة وحماية البيئة الهوائية في المدن، حماية البيئة الجوية في المدن الرئيسية في الصين، ثم يختم باستعراض التجارب الدولية في مجال معالجة البيئة الجوية الحضرية.
أما الباب الرابع فيتوقف مع نظم مؤشرات تقييم مدن "النوع الثالث" وبناءها، فيتناول بشكل مفصل تقييم البيئة الأيكولوجية للمدينة بناءً على الحفاظ على الموارد والود البيئي، تقييم البيئة الأيكولوجية الحضرية من حيث الاستجابة لتغير المناخ، مع تناول مدن ECO2 نموذجًا، إنشاء النماذج واختيار المؤشرات وتحديد الأوزان في عملية تقييم مدن "النوع الثالث"، ثم يختم بتبيان مؤشرات بناء مدن "النوع الثالث" في الصين.
يذكر أن اهتماما دوو شوخو تتمثل المجالات البحثية الرئيسية للكاتب في الاقتصاد الزراعي، الاقتصاد الإقليمي، والاقتصاد البيئي.
وترأس عدداً من مشروعات الصندوق القومي للعلوم الاجتماعية ومشروعات الدراسات التعاونية الدولية.