ديموغرافيا حدود الدم
بالتأكيد العبث المنظم والمبرمج بالديموغرافيا السورية ليس وليد ما يحدث مؤخراً، بل هو حالة مستمرة منذ سنوات أفضت إلى ما نحن عليه اليوم من توجس وريبة وحذر وخوف من الآخر، وهروب عند أول خطر إلى المناطق التي تشبه الطائفة أو المذهب أو القومية. ولم تعد تنفع كل التطمينات التي تبديها هيئة تحرير الشام على الأرض في اجترار واضح لشعارات الوحدة الوطنية الفارغة من مضمونها في سوريا منذ نصف قرن.
هذا الخوف والرعب الذي تعيشه مناطق مع كل تقدم نحوها جاء نتاج سنوات من حرب أهلية عاشتها سوريا، وكان مجرد استخدام هذا المصطلح يعني تخويناً من النظام الذي اختصر كل الدماء والخراب بتسمية "الحرب على سوريا" ويمنع منعاً باتاً استخدام تسمية "الحرب في سوريا"، فجرت إبادات ومجازر وتصفيات على الهوية الطائفية والمذهبية والقومية، وتغيرت ملامح مناطق ومدن تحت وطأة الهدف الايراني الأسمى أي "تصدير الثورة الاسلامية" و"تشييع المنطقة". وقوبل ذلك باحتقانات من الطرف الاخر، وخوف وانكفاء وهجرة وتهجير للأقليات التي وجدت نفسها بين المطرقة والسندان تبحث عن حامي لها فتتحول لأداة في يد من يدّعي انه يحميها.
الآن في سوريا ومهما كانت المحاولات حثيثة لتجنب ذلك، ولإفشال "نظرية المؤامرة" المترسخة في العقلية السورية، رغم كل ذلك فإن حدود الدم بين الطوائف والمذاهب والقوميات يتم رسمها بشكل مقصود أو غريزي – لا فرق – ما يُنذر بأننا نتجه نحو معارك دموية لحماية هذه الحدود. فكل الكلام عن نبذ الانتقام وتصفية حسابات السنوات القاسية التي مرت يبدو انه ذرٌ للرماد في العيون. ويبقى الأمل الوحيد في لغة العقل بعد أن تبلبلت الألسن في سوريا ونفض غبار ستين عاماً نسفت العقد الاجتماعي السوري، واستأثرت بالميثاق الوطني السوري لايديولوجيتها، وتكاد تُجهِزُ على ما تبقّى من سوريا.