'ذخيرة الأدب في دوحةِ العرب'.. رحلة معرفية أدبية وإعلامية ماتعة
عمان - بمنزلة رحلة معرفيّة أدبيّة وإعلاميّة ماتعة تلكَ التي يجترحُها الأديبُ والإعلاميّ المصريّ محمد شبراوي، عبرَ كتابِه الجديد "ذخيرة الأدب في دوحة العرب"، أمّا أبطال تلك الرحلة فبعضهم من شحم ولحم، وبعضُهم من بناتِ أفكار المؤلّف الذي ظلّ منحازًا طوالَ الرحلة نفسِها إلى لغة توازنُ بين الأصالة والمعاصرة في الوقت نفسه.
وخلال تقديمها للكتاب، وقد صدر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون"، في الأردن (2025)، في 336 صفحة من القطع المتوسط، تُبيّن الإعلاميّة خديجة بن قنّة أنّ شبراوي "يكتب كما يتنفّس، يأخذك في رحلة لا تنسى، ومع كلّ فقرة تجدك مسحورًا بقلم قلّ نظيره".
وأضافت أن بعض الأقلام "تسعى لتقديم لغتنا العربيّة في ثوب قشيب، تجمع بين الطّارف والتّليد، فلا تجد نفسك غريبا وأنت تطالع إنتاجهم الأدبيّ والفكريّ، لا أنت مبتور الهُويّة والجذور والأصالة عن دينك وبيئتك ومجتمعك وعاداتك وتقاليدك، ولا منبتّ الصّلة عن الواقع وأحداثه وتبعاته، بين يديك مائدة عامرة بالقطائف واللّطائف، تفيد منها وتتفاعل معها، تفتّش في مرامي ومضامين ما ألمع إليه الكاتب أو سكت عنه، وشبراوي واحد من هؤلاء".
وبحسب بن قنّة، فإن من بواعث قوّة هذا الكتاب أنّ مؤلّفه متنوّع الإنتاج، فيقدّم لك أدبا ساخرا في (خطوب ودروب)، تدور معه في فلك الثّقافة والإعلام والأدب والمواقف الاجتماعيّة بما تحمله من مفارقات وشحنات من المشاعر المختلفة. وتجد في (كُنّاشة الرّاوي) مجموعة مقالات اجتماعيّة وفنيّة وسياسيّة، لا تخلو من الدعابة الجاحظيّة واللّفتات البليغة المسبوكة في عقد فريد. ينقلك إلى عالم النّقد الأدبيّ والتّاريخيّ في (رسالة الإمام.. التّاريخ والدّراما في منصّات التّواصل)؛ ليجمع بين التّأصيل التاريخي والمادة الدراميّة المقدمة عن السنوات الأخيرة من حياة الإمام الشافعي نور الله مرقده.
وخلال "توطئة الكتاب" يخبرنا المؤلّف أنّ "البرامج الأدبيّة واللّغويّة والثقافيّة الحكوميّة منها والخاصّة تخدم أغراضا عدّة، منها حماية الهُويّة العربيّة من الذّوبان والانصهار في بوتقة العولمة، وتعزيز انتمائنا وتمايزنا وتفرّد حضارتنا، فضلا عن ترسيخ قيمنا العربيّة والإسلاميّة وعاداتنا وتقاليدنا الّتي توارثناها على مرّ الأحقاب والأزمان. هذه الجهود وإن كانت قليلة إلّا أنّها تؤتي أكلها ولو بعد حين، وكما لا يخفاك "أثرُ الفراشةِ لا يُرى.. أثرُ الفراشةِ لا يزول".
مع ذلك، فإنّ الحاجة ماسّة لتوسيع رقعة الإفادة، وفي المجالس من قطوفها زيادة، فتجد كثيرين تعلّقوا بأذيال الأدب بعد سماعهم لطفية أو أقصوصة من لطائف الآداب وأقاصيص ذوي الألباب، ولم يكن عبثًا قولهم "المجالس مدارس".
ومن أجواء الكتاب نتوقف عند خاتمته، وقد خطّها المؤلّف تحت عنوان "ولا بدّ من ختام"، وفيها يقولُ:
"والفجر ينفث خيوطه الأولى، بعد 8 ديسمبر/كانون الأوّل 2024، شغلت تطوّرات الأحداث في سوريا أحبابنا -ويا لسعادتهم- عن لقائنا الأسبوعيّ، وإنّي بعد لشاكر لهم أخلص الشّكر، مكبر لهم غاية الإكبار، فسلّيت النّفس بإنجاز ما تبقّى من هذه المادّة، وكنت كلّما فترت همّتي أو ابتعدت عنه -لطارئ أو شاغل- لمع في خاطري قول القائل:
وَإِنْ تَكُ قَدْ مُنِعْتَ لِقَاءَ لَيْلَى
فَفِي أَخْبَارِهَا أَرَجٌ يَفُوحُ
فأعود إليه بعزيمة متجدّدة، وفي الفؤاد من تلك الأيّام الخوالي ما يتقوّى به المرء على عوادي الدّهر، ويسلّي النّفس في مواجهة محن الحياة الّتي لا تنتهي، ورحم الله الشّريف الرّضيّ:
وَتَلَفَّتَتْ عَيْنِي فَمُذْ خَفِيَتْ
عَنِّي الْطُلُولُ تَلَفَّتَ الْقَلْبُ
هذا ما تيسّر واتّسع له المجال، والكلام أُنُف، ومع الظّافرين نردّد:
اللهُ..
يَا اللهُ..
يَا اللهُ..
أَنْتَ الْوَاحِدُ الْبَاقِي..
وَعَصْرُ الْقَهْرِ يَطْوِيهِ الْفَنَاءْ
كُلُّ الْطُّغَاةِ وَإِنْ تَمَادَى ظُلْمُهُمْ
يَتَسَاقَطُونَ..
وَأَنْتَ تَفْعَلُ.. مَا تَشَاءْ. 'زمان القهر علّمني، فاروق جويدة، قصيدة: نهاية طاغية، ص91، دار غريب للطّباعة والنّشر والتّوزيع، القاهرة، مصر، الطّبعة الأولى، 1990'".
المؤلّف نفسه صحفيّ بشبكة الجزيرة الإعلاميّة، ومدرّب مساعد بمعهد الجزيرة الإعلاميّ، وعضو الاتحاد الدوليّ للصّحفيين، ومحكّم دوليّ للمناظرات باللّغة العربيّة، وعضو الملتقى القطريّ للمؤلّفين، وعضو المجلس الدّوليّ للغة العربيّة.
قدّم عشرات المحاضرات والنّدوات الأدبيّة، له مبادرات ثقافيّة وأدبيّة ومجتمعيّة بالتّعاون مع وزارة الثّقافة في دولة قطر.
أشرف على مبادرات في مجال الكتابة الإبداعيّة والخطابة بالتّعاون مع جامعة قطر ومعهد الدّوحة للدّراسات العليا ومؤسّسات أخرى. أصدر مؤلّفات عدّة، منها مجموعتان قصصيّتان "بجعة المحروسة، سندريلا الحُميّات".