رؤية فنية متشظية تستحث اعادة التأليف في لوحات نجيب بوقشة

الفنان التشكيلي التونسي يقترح على احباء فنه وطلبته في معرض 'بدون اطار' حيزا جماليا من لوحات تندرج كمنجز ضمن تجربته الفنية التشكيلية منذ سنوات وخلال اقامته بالامارات للتدريس وبعد عودته الى تونس.

"أعمل ضمن الفن (متاعي).. أنا وبمزاجي (كيفي).. يخيل الي أنني أقاوم القبح" هكذا بادرني بالحديث عن فنه وتجربته ببشاشة الأطفال المعهودة لديهم وبوعيه الحارق وبصراحته الحالمة وحرقته وأسفه تجاه الوضع الفني بتونس، كان لنا هذا الحديث لمناسبة معرضه الشخصي بعنوان "بدون اطار" المنتظم بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون في الفترة من السبت 5 الى 17 من شهر مارس/آذار.

الناقد والفنان الدكتورخليل قويعة يقول عنه في هذا السياق "رؤية شذريّة والأفق متشظّ والفضاء مجزّأ والمرآة منكسرة، وبقدر ما يعكس الأفق تشظّيا في وجه النّاظر فهو يستحث الإدراك ويحتمل إعادة التأليف المتجدّد، باتجاه ترتيق صورة الذّات وهي صامدة في واقع يحكمه الفتق والانفلات واللاّتجانس. دمت مبدعا سي نجيب...".

هو الفنان الطفل الحالم والباحث السائر في دروب الكشف والاكتشاف في عوالم الفن التشكيلي، هو الدكتور نجيب بوقشة  استاذ مساعد بالمعهد العالي للفنون بسوسة، فنان تشكيلي والذي يقترح على احباء فنه وطلبته ورواد دار الثقافة ابن خلدون هذا الحيز الجمالي من اللوحات التي تندرج كمنجز ضمن تجربته الفنية التشكيلية منذ سنوات وخلال اقامته بالامارات العربية المتحدة للتدريس وبعد عودته الى تونس.

لوحات متعددة تحلت بها جدران فضاءات العرض السفلى والعليا وفق تجربة تخيرها بوقشة وفق نظرته لذاته وللأشياء والعناصر وللآخرين، وللعالم.

يقول نجيب عن فنه وتجربته "تجربتي ثرية ومتنوعة ومتواصلة بالبحث، أعمل على بعث متحف موزي فيلا ليضم كل أعمالي في مسيرتي الفنية من التشخيصية الى التعبيرية والتجريدية وفن الآداء البرفورمانس في حوالي 150 من الأعمال الفنية وبمقاسات واحجام مختلفة وفيها جانب من التكثيف والحركة ومرتبطة فيما بينها وأرنو من خلال كل ذلك الى حفظ منجزي الفني حيث أرى العدد الكبير من الفنانين تضيع أعمالهم برحيلهم مثل الكامل ومقديش وغيرهما وحتى لا أضيع وأصبح في طي النسيان ولتستفيد الأجيال اللاحقة من تجاربي لذلك كنت دائما شديد الحرص كي تكون أعمالي في غاية جاهزيتها وتامة فنيا وجماليا ومنتهية، هذا الى جانب انجاز فيلم وثائقي يبرز مجالاتي التشكيلية فضلا عن الفضاء الجامع بين الجمال والأناقة ليرتاده على سبيل فكرة وروح  المجالس والنقاشات الجادة رجال الثقافة والأدباء والشعراء وترجمة ذلك الى اللغة الأنقليزية وتسويقه، تلقيت عديد الدعوات من الخارج تركيا واسبانيا مثلا وقد حان الوقت لتسويق مدروس وناجع للأعمال الفنية التونسية الى الخارج، نعاني من غياب سوق للفنون ورجال الأعمال اليوم لا يشبهون رجال الأعمال بالأمس وخاصة في فترات الستينيات في تحمسهم للفن وتثمين اعماله الجمالية  وبالتالي لا بد من عودة أخرى لتجارب على غرار مدرسة تونس لدخم الفن التشكيلي لتكون بلادنا تونس منارة مثل المغرب ومصر، العديد من الفنانين من أمكنة مختلفة من العالم يزورونني ويقدرون أعمالي".

"غايتي من الفن ومنذ عودتي من الامارات سنة 2010 العمل بانتظام في ورشتي ولا أتنفس الا الفن، يجب التعريف أكثر بالفنان التونسي في هذا الظرف المحزن الحاف بالدولة والمجتمع، وكيف للفنون أن تنهض دون رأس مال وخبراء ومنظمين وخلاف هذا (لا تقوم للفن قائمة)، أصبحنا ندرس الفلسفة في مؤسسات الفنون أكثر من الفن هم يعرفون جيل دولوز ولا يعرفون ماني ويعرفون امبرتو ايكو ولا يعرفون سيزان، خسرت بسبب آرائي وجرأتي وصراحتي عديد المثقفين والأكاديميين والفنانين، لا بد من عودة روح أخرى الى جوهر الفن من خلال البرامج والتصورات في المعاهد العليا للفنون، كانت لنا حركية وخصوصيات وأذكر رواق التصوير وشيم وسيدي بوسعيد وقاعة الاخبار هذا كله من العصر الذهبي للفن بتونس والحركة الثقافية للتعريف والارتقاء بالفن والفنانين في تونس، بعض المحاولات الفنية في فنون البرفورمانس التي نراها في تونس هي مستنسخة من تجارب وهي جماليا غير مقنعة كما أن التفاعل مع الجمهور وتجارب فنون الشارع وغيرها يجب أن يكون بها ابداع وابتكاروحسن آداء، ." وعن هذا المعرض الخاص بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون يقول الفنان الباحث نجيب بوقشة "...المعرض يضم لوحات في سياق شغلي الفني وفي أعمالي اهتزازات وديناميكية وجانب روحاني باطني".

ويضيف "في عدد من لوحاتي تتشظى الجزيئات والأشياء لتبعث ما هو بمثابة الحركية المحيلة الى الفن الحركي والجسدي، ان اللمسة الفنية عندي تساهم في البناء والهيكلة باللون وفي نفس الوقت تحدث طاقة وحركية، لذلك كان رأي الفرنسي بول هارفي صائبا حين وصف لوحاتي بحسن الآداء "البرفورمانس" فقد رأى فيها الحركات وبداياتها ونهاياتها لذلك يصعب تقليدها ومحاكاتها من قبل الغير فهي مزيج من التراكمات المختلفة، ان ملء مساحات القماشة ليس بالعمل الاعتباطي والعفوي، عملي ضمن فن المعرفة والدأب بالنسبة للشكل والمضمون والجانب الفلسفي الكامن فيه ..تقصدت الضغط الذي نعيشه وما يجيل اليه، أنا ومنذ بداياتي قبل عقدين من الزمن تخيرت السياق الملائم لي ولكياني متناغم التعبيرية والتجريدية ومع كل مرة يبرز سياقي أكثر في الأسلوب والممارسة، نحن في دوامة ومتاهة وضياع ومجهول ونراوح في ذات المكان".

والفنان نجيب بوقشة تشكيلي، أستاذ وباحث أكاديمي بجامعة الوسط بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة وتحصل سنة 2019 على دكتوراه في علوم الفن وممارساتها، اختصاص فنون تشكيلية بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس وفي سنة 2013 على ماجستير في جماليات وممارسات الفنون المرئية، اختصاص فنون تشكيلية، بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة، وسنة 1988على شهادة الأستاذية في الجمالية وعلوم الفن بالمعهد التكنولوجي للفنون والهندسة المعمارية والتعمير بتونس.