
رئيسي يهادن الجوار الإقليمي ويغازل الغرب بانفتاح مشروط
طهران - كشف الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي اليوم الخميس في خطاب بمناسبة أدائه اليمين الدستورية أمام مجلس الشورى (البرلمان) بحضور 80 شخصية ممثلة عن عدة دول ومنظمات وحركات، عن بعض الخطوط العريضة لسياسته مبديا انفتاحا على دول الجوار وعلى دبلوماسية حوار مشروط مع الغرب في ما يتعلق بملف إيران النووي.
كما قدم رئيسي القادم للسلطة من الجهاز القضائي المثير للجدل وهو أيضا من غلاة المحافظين وتحوم حوله شبه التورط في إعدام آلاف المعارضين في ثمانينات القرن الماضي ضمن ما يعرف بـ"لجنة الموت"، نفسه كخادم لكل الإيرانيين واعدا بحكومة توافق وطني بينما لم يقدم أي تفاصيل عن تشكيلة حكومته.
وأكد دعمه للخطوات الدبلوماسية الهادفة إلى رفع العقوبات الأميركية عن بلاده، لكنه شدد على أن طهران لن تتخلى عن "حقوقها" تحت الضغط.
وفي خطاب شامل تطرق خلاله إلى مجمل الجوانب التي يتوقع أن تشهدها ولايته الرئاسية الأولى التي تستمر أربعة أعوام، كرر رجل الدين المحافظ المتشدد تأكيده على سلمية برنامج بلاده النووي، معلنا مدّ يده إلى دول الجوار والإقليم كأولوية في مقاربته بشأن السياسة الخارجية.
وفاز رئيسي (60 عاما) بانتخابات يونيو/حزيران التي شهدت نسبة امتناع قياسية، ليخلف المعتدل حسن روحاني الذي طبعت عهده سياسة انفتاح نسبي على الغرب، كان أبرز ثمارها إبرام الاتفاق النووي لعام 2015 مع القوى الكبرى، ما أتاح رفع عقوبات اقتصادية كانت مفروضة على طهران، قبل أن تعيد واشنطن فرض العديد منها بعد انسحابها الأحادي من الاتفاق عام 2018.
وأدخلت تلك الخطوة الجمهورية الإسلامية في أزمة اقتصادية ومعيشية حادة، زادت من تبعاتها تأثيرات جائحة كوفيد-19.
وبعد يومين من تنصيبه من قبل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، أدى رئيسي الخميس قسم اليمين الذي تعهد فيه، وفق النص الدستوري بـ"خدمة الشعب ورفعة البلاد ونشر الدين والأخلاق ومساندة الحق وبسط العدالة".
وجاء في خطابه "الحظر (العقوبات) ضد الأمة الإيرانية يجب أن يُرفع. سندعم أي خطط دبلوماسية قد تساعد في تحقيق هذا الهدف"، لكنه شدد في الوقت عينه على أن "سياسة الضغط والعقوبات لن تدفع الأمة الإيرانية إلى التراجع عن متابعة حقوقها القانونية".

وتابع "نحن المدافعون الحقيقيون عن حقوق الإنسان"، مشددا على أن طهران "ستقف إلى جانب المستضعفين أينما كانوا في قلب أوروبا، في أميركا، في إفريقيا، في اليمن أو سوريا أو فلسطين".
في المقابل جدد الرئيس الإيراني الجديد إبراز أولوية العلاقات مع دول الجوار في سياسته الخارجية.
وقال "أمدّ يد الصداقة والأخوة إلى كل البلاد في المنطقة، لا سيما جيراننا"، مشددا على أن "قدرات إيران الإقليمية تدعم السلام والأمن للدول" في المنطقة ولن يتم استخدامها سوى "ضد تهديدات دول الاستكبار".
وكان رئيسي أكد بعيد فوزه في الانتخابات أن "لا عوائق" أمام عودة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ أعوام بين إيران وخصمها الإقليمي الأبرز في الخليج، السعودية. وأكد الطرفان في الفترة الماضية إجراء مباحثات بوساطة عراقية.
وقطعت الرياض علاقاتها مع طهران في 2016 بعد هجوم متظاهرين على سفارتها في العاصمة الإيرانية، احتجاجا على إعدام رجل الدين الشيعي المعارض نمر النمر بعد ادانته في قضايا تتعلق بالإرهاب.
ويقف البلدان على طرفي نقيض في العديد من الملفات الإقليمية. كما تتهم الرياض طهران بـ"التدخل" في شؤون بلدان عربية، وتبدي توجسها من نفوذها الإقليمي وبرنامجها النووي.
ويتولى رئيسي منصبه بينما تخوض إيران مع القوى الكبرى وبمشاركة أميركية غير مباشرة، مباحثات لإحياء الاتفاق من خلال تسوية ترفع عقوبات واشنطن لقاء عودة إيران لالتزام تعهدات نووية تراجعت عنها بعد الانسحاب الأميركي.
ويأتي العهد الجديد في ظل توتر متجدد على خلفية توجيه الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل اتهامات لإيران باستهداف ناقلة نفط يشغّلها رجل أعمال إسرائيلي في بحر العرب الأسبوع الماضي، وهو ما نفته طهران.
وأجريت ست جولات من المباحثات النووية في فيينا بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران. ولم يحدد موعد لجولة جديدة من المباحثات التي سيرتبط استئنافها بتولي رئيسي مهامه.

وأقيمت مراسم أداء اليمين في القاعة الرئيسية لمقر مجلس النواب وسط طهران، بحضور نحو 80 شخصية أجنبية، وفق ما أفاد التلفزيون الرسمي. وبرز من الحاضرين الرئيسان العراقي برهم صالح والأفغاني أشرف غني.
كما حضر الدبلوماسي الأوروبي إنريكي مورا الذي يتولى مهمة التسهيل في المفاوضات النووية في فيينا. وجلس في الصف الثاني خلف غني، في حين كان إلى جانب الأخير ممثلون لفصائل مقربة من إيران، مثل رئيس حركة حماس الفلسطينية إسماعيل هنية ونائب الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم.
وتولى رئيسي سابقا رئاسة السلطة القضائية إحدى الركائز الأساسية لنظام الحكم في الجمهورية الإسلامية.
ويربط معارضون في الخارج ومنظمات حقوقية ودول غربية بينه وبين حملة إعدامات لمعارضين عام 1988، نفى ضلوعه بها بشكل مباشر.
ويتوقع أن يؤدي تولي رئيسي للرئاسة إلى تعزيز إمساك التيار المحافظ بهيئات الحكم في الجمهورية الإسلامية، بعد الفوز العريض الذي حققه في الانتخابات التشريعية التي أجريت في فبراير/شباط 2020، وشهدت استبعاد آلاف المرشحين من المعتدلين والإصلاحيين.
ونال نحو 62 بالمئة من الأصوات في الدورة الأولى للانتخابات التي خاضها بغياب أي منافس جدي بعد استبعاد ترشيحات شخصيات بارزة.
وإضافة إلى الملفات الخارجية، سيكون رئيسي أمام تحديات محلية عكستها الصحف الإيرانية الصادرة هذا الأسبوع.
ورأت صحيفة "كيهان" المحسوبة على المحافظين المتشددين، الأربعاء أنه سيواجه "تحديات عدة بسبب العدد المرتفع من المشكلات" في البلاد ومنها "نسبة تضخم غير مسبوقة والأسعار الخيالية للسكن والفساد".
من جهتها، أبدت صحيفة "شرق" الإصلاحية أملها في أن "تترك الألاعيب السياسية الداخلية مكانها إلى تنافسات ثقافية سليمة"، وأن يتم في الحكومة الجديدة الاستماع إلى "أصوات متنوعة".
وفي شق داخلي من خطابه، أكد رئيسي أنه سيعمل من أجل كل الإيرانيين. وقال "اليوم أنا خادم كل الجمهورية وأكثر من 80 مليون من الشعب"، مؤكدا أن حكومته ستكون حكومة "توافق وطني".
وفي حين كانت وسائل إعلام إيرانية توقعت أن يقدم رئيسي مرشحيه للمناصب الحكومية الخميس، أفاد التلفزيون الرسمي بأن ذلك سيتم الأسبوع المقبل (يبدأ السبت في إيران)، بينما تمنحه القوانين مهلة أسبوعين لذلك.
وبعد خطاب رئيسي حثت الولايات المتحدة الرئيس الإيراني الجديد على العودة إلى المحادثات بهدف دفع البلدين لاستئناف الالتزام بالاتفاق النووي الموقع عام 2015، مكررة موقفها من أن نافذة الدبلوماسية لن تظل مفتوحة للأبد.
وقال نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية للصحفيين "رسالتنا للرئيس رئيسي هي نفسها رسالتنا لأسلافه... الولايات المتحدة ستدافع وتسعى من أجل تحقيق مصالحنا للأمن القومي ومصالح شركائنا. نأمل أن تغتنم إيران الآن فرصة السعي للحلول الدبلوماسية".
وأضاف في إفادة صحفية اعتيادية "نحث إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات سريعا حتى يتسنى لنا إنجاز عملنا. هذه العملية لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية"، وعند مرحلة ما ستتلاشى فوائد إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بما يحرزه البرنامج النووي الإيراني من تقدم.