رئيس للجمهوريّة اللبنانية.. قبل الحوار!

انتخاب رئيس للجمهوريّة لا يعني حصول معجزة لبنانيّة.

بعيدا عن المزايدات والمزايدين ومحاولة حكم لبنان بواسطة سلاح غير شرعي تتحكّم به "الجمهوريّة الإسلاميّة" في ايران، لا وجود سوى لمدخل واحد إلى مخرج من الأزمة العميقة التي يعاني منها لبنان... هذا إذا كان هذا المدخل ما زال ينفع في شيء!

يتمثّل المدخل، المتوافر، في انتخاب رئيس للجمهوريّة قبل اجراء أي حوار من أي نوع. مثل هذا الحوار ضرب للدستور اللبناني من جهة وتجاوز، بالتالي لاتفاق الطائف، الذي رفضه "حزب الله" منذ البداية، من جهة أخرى. الغرض من طرح الحوار واضح كلّ الوضوح. إنّه خطوة على طريق تغيير طبيعة النظام في لبنان بشكل نهائي، أي بما يتفق مع هيمنة السلاح غير الشرعي على كلّ مؤسسات الدولة، بدءا بمجلس النواب نفسه. ليس الحوار الذي يسعى "حزب الله" إلى فرضه بالقوة سوى تكريس لممارسات تصبّ في تغيير تركيبة البلد من كلّ النواحي عبر فرض ثقافة الموت على معظم مرافق الحياة فيه.

يواجه لبنان أزمة تضع مصير البلد في مهبّ الريح. يحصل من وقت إلى آخر ظهور شعاع امل يؤكّد أن لبنان ما زال يقاوم عملية فرض ثقافة الموت عليه. فقد وضع البيان الأخير للمعارضة اللبنانيّة النقاط على الحروف بإعلانه "الترحيب بالمساعي التوفيقية التي يقوم بها الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، وتقدير اي مسعى يأتي من اصدقاء لبنان. لكن اصبح جليا، عدم جدوى اي صيغةِ تحاورٍ مع حزب الله وحلفائه. فاعتماده على الامر الواقع خارج المؤسسات لإلغاء دورها حين يشاء، والعودة اليها عندما يضمن نتائج الآليات الديموقراطية بوسائله غير الديموقراطية فرضا وترهيبا وترغيبا والغاء، كي يستخدمها لحساب مشروع هيمنته على لبنان، يدفعنا الى التحذير من فرض رئيس للجمهورية يشكل امتدادا لسلطة حزب الله، محتفظين بحقنا وواجبنا في مواجهة اي مسار يؤدي الى استمرار خطفه الدولة".

أوضح البيان "أن شكل التفاوض الوحيد المقبول، ضمن مهلة زمنية محدودة، هو الذي يجريه رئيس الجمهورية المقبل، بُعيد انتخابه، ويتمحور حول مصير السلاح غير الشرعي وحصر حفظ الامنَين الخارجي والداخلي للدولة بالجيش والاجهزة الأمنية، ما يفسح في المجال لتنفيذ كلّ مندرجات وثيقة الوفاق الوطني في الطائف لاسيما بند اللامركزية الموسعة بوجهيها الاداري والمالي، وتطبيق الدستور وقرارات الشرعية الدولية وسلة الاصلاحات الادارية والقضائية والاقتصادية، والمالية والاجتماعية. اما محاولة تحميل رئيس الجمهورية اي التزامات سياسية مسبقة فهي التفاف على الدستور وعلى واجب الانتخاب اولا، رافضين منطق ربط النزاع". كذلك شدّد على "التأكيد على مضمون بيان الدوحة الصادر عن مجموعة الدول الخمس، فرنسا ومصر والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الاميركية وقطر، في تحديد المواصفات المطلوب توفرها في شخص الرئيس العتيد والمتوافقة ومطالب المعارضة".

ليس سرّا أنّ تلك المواصفات لا تنطبق على مرشّح "حزب الله" المطلوب منه تغطية السلاح وارتكابات الحزب في السرّ والعلن وذلك تحت شعار "عدم طعن المقاومة في الظهر"...

الأكيد أن انتخاب رئيس للجمهوريّة لا يعني حصول معجزة لبنانيّة، خصوصا أنّ زمن المعجزات ولّى، لكنّ انتخاب رئيس، من دون اللجوء إلى جلسات حوار لا هدف منها سوى انتخاب مرشّح "حزب الله"، خطوة أولى في الطريق الصحيح، وهو طريق لا يزال طويلا جدا. لكنّ مثل هذه الخطوة الطريق على الإنقلاب، على الدستور وعلى الطائف، وهو الانقلاب الذي باشر الحزب تنفيذه بإغتيال رفيق الحريري في 14 شباط – فبراير 2005 بهدف ضرب مشروع الإنماء والإعمار والقضاء على بيروت، وبالتالي على لبنان. بيروت، المدينة التي أعاد اليها رفيق الحريري الحياة وجعلها منارة الشرق... قبل أن تعود انوارها إلى الخفوت والإختفاء في كلّ مجال من المجالات، بما في ذلك الثقافة والفنّ والأدب والإعلام والتعليم والطبابة. لم يعد مسموحا بعرض فيلم "باربي" في لبنان، لا لشيء سوى لأنّه بات محظورا على اللبنانيين معرفة ما يدور في العالم وما يشهده هذا العالم من تغييرات على كلّ صعيد. لدى الإنسان الواعي الرافض لثقافة الموت من القدرة ما يجعله يفرّق بين ما هو إيجابي وما هو سلبي في هذه التغييرات. لكنّ من حقه، قبل كلّ شيء، أن يعرف كي يتمكن من الخروج بموقف عاقل ومتوازن... تجاه ما يدور في العالم.

لم يعد الموضوع في لبنان محصورا بانتخاب رئيس للجمهوريّة احتراما للدستور فقط. بات الموضوع يتجاوز ذلك في ظلّ هجمة يتعرّض لها البلد بهدف الغائه من الوجود وتحويله إلى مجرّد جرم يدور في الفلك الإيراني لا اكثر.

على الرغم من ذلك كلّه، يبقى مطلوبا التفكير في ما يمكن عمله وما لا يمكن عمله. ما يمكن عمله، التركيز على أهمّية احباط أي محاولة لجعل انتخاب رئيس للجمهوريّة خارج مجلس النواب سابقة وتكريس هذا النوع من الممارسات. تعني مثل هذه الممارسات أنّ مجلس النواب يجتمع فقط من اجل انتخاب مرشّح "حزب الله" رئيسا للجمهوريّة، كما حصل مع ميشال عون. لا وظيفة لهذا المجلس غير المصادقة على قرارات متخذة في طهران وليس في أي مكان آخر، ولا وظيفة لهذا المجلس سوى تعطيل الحياة الديموقراطيّة في لبنان... أو ما بقي منها ومنع أي نقاش حقيقي في شأن كلّ ما يمكن أن يمس من بعيد أو قريب بمصالح ايران في لبنان. في مقدّم هذه المصالح سلاح "حزب الله" وكل ما تسبب به من بؤس وخراب وتدمير وقضاء على ثقافة الحياة!