ربع منصات النفط الإيرانية معطلة جراء العقوبات الأميركية

الشركة الوطنية الإيرانية للحفر تمتلك 73 منصة نفطية برية وبحرية غير أن 17 منها لا تدر دخلا كما أن 6 منها تعمل بشكل جزئي فقط.
إيران تعتمد بالكامل على قطع الغيار المستوردة لمنصات الحفر
حوالي 85 بالمئة من المنصات الإيرانية تحتاج لصيانة وإصلاح
شركات الحفر الإيرانية إستغنت عن أعداد كبيرة من العاملين

طهران - تواجه إيران منذ بداية العام 2020 أكبر أزمة في تاريخها ستظهر تبعاتها جلية أكثر مع انهيار أسعار النفط هذا الأسبوع في ظل عجزها عن رفع انتاجها بسبب العقوبات الأميركية التي شلت حوالى ربع منصات الحفر لديها، علاوة عن تصدرها تصنيف الدول الأكثر تضررا من تفشي فيروس كورونا بعد الصين مصدر الوباء الذي أثار ذعر دول العالم.

وأظهرت وثائق مالية اطلعت عليها رويترز ومحاورات مع مصادر بصناعة النفط أن ربع منصات الحفر النفطي في إيران أصبح معطلا عن العمل بفعل العقوبات الأميركية الخانقة على صناعة النفط في البلاد التي تسعى واشنطن لتصفير عائداتها فيه في الأجل الطويل.

ومن المحتمل أن يضر تراجع نشاط الحفر بقدرة إيران عضو منظمة أوبك على إنتاج النفط من الحقول الأقدم والذي يستلزم مواصلة الضخ للحفاظ على مستوى الضغط والإنتاج.

وسيجعل ذلك من الصعب على إيران زيادة الإنتاج إلى مستواه قبل العقوبات إذا خفت حدة التوتر مع الولايات المتحدة.

وتهدف العقوبات الأميركية إلى الحد من طموحات إيران النووية ونفوذها الإقليمي. وقد أرغمت هذه العقوبات إيران على خفض إنتاجها النفطي بمقدار النصف منذ أوائل 2018 ليقل عن مليوني برميل يوميا وذلك لأن المصافي في مختلف أنحاء العالم توقفت عن شراء نفطها.

وأدى الهبوط الشديد في الإنتاج والصادرات إلى اشتداد الركود في البلاد وأعاق مصدر الدخل الرئيسي. كما تسبب تراجع النشاط في الاستغناء عن أعداد كبيرة من العاملين بقطاع النفط الإيراني.

انهيار أسعار النفط وإنتشار فيروس كورونا بشكل مخيف في إيران التي أصبحت واحدة من أكبر مراكز انتشار المرض خارج الصين، سيفاقمان أوجاع اقتصاد طهران المختنق بسبب العقوبات الأميركية

والاثنين، تراجعت أسعار النفط بأكثر من 30 بالمئة في الأسواق الدولية بعد أن رفضت روسيا مقترحا جديدا لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بشأن تعميق وتمديد اتفاق خفض الإنتاج حتى نهاية 2020.

وردا على ذلك خفضت الرياض أسعار النفط لشهر أبريل/ نيسان القادم، وأعلنت شركة أرامكو عملاق النفط السعودي اليوم الثلاثاء عن رفع إمداداتها إلى 12.3 مليون برميل يوميا الشهر المقبل، ما اضطر موسكو للتراجع وإعادة الحديث عن إمكانية التوصل إلى اتفاق مع أوبك، مشيرة إلى أن "الباب لا يزال مفتوحا" للتعاون مستقبلا على تمديد خفض الإنتاج.

وفي وقت لاحق ناقش الرئيس الأميركي دونالد ترامب "أسواق الطاقة العالمية" مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وفق ما أعلن البيت الأبيض.

وأفاد بيان البيت الأبيض الثلاثاء أن ترامب تحدّث مع الأمير محمد الاثنين قائلا "ناقش الرئيس وولي العهد أسواق الطاقة العالمية وغيرها من المسائل الإقليمية والثنائية المهمة".

لكنه لم يقدّم تفاصيل إضافية بشأن المسائل التي تمّت مناقشتها.

ومن شأن الانخفاض الشديد في أسعار النفط حتى الآن خلال العام الجاري، لأسباب منها أثر انتشار فيروس كورونا على الطلب العالمي، أن يفاقم أوجاع الاقتصاد الوطني الذي يعاني أيضا من كون إيران واحدا من أكبر مراكز انتشار المرض خارج الصين.

وحسب تقرير سابق لوكالة الطاقة الدولية تراجع إنتاج طهران من النفط الخام خلال أغسطس/آب الماضي لأدنى مستوى منذ ثلاثين عاما، تحت ضغوط العقوبات الأميركية.

وعلى عكس المملكة العربية السعودية التي لديها سعة إنتاجية احتياطية أكبر من أي بلد آخر تمكنها من زيادة الإنتاج بسرعة فإن إيران عاجزة عن زيادة انتاجها في ظل تعطل بعض منصات الحفر التي تعذر إصلاحها. إذ أن العقوبات زادت من صعوبة وتكلفة شراء قطع الغيار واستيرادها.

وقال محسن مهاندوست المدير بالجمعية الإيرانية لمهندسي البترول إن إيران تعتمد بالكامل على قطع الغيار المستوردة لمنصات الحفر. وأضاف أنه لم ير على مدار عشر سنوات قطعة غيار واحدة غير مستوردة من الخارج وأن أغلب هذه الواردات مصدره الولايات المتحدة أو أوروبا.

وقال مهاندوست في مقابلة "ما زلنا معتمدين على الدول الأخرى. الأمر أشبه بتعلم تشغيل التلفزيون بجهاز التحكم عن بعد دون أي فكرة عن كيفية صناعة التلفزيون".

وأوضح أن العقوبات أدت إلى ارتفاع كلفة قطع الغيار إلى خمسة أمثالها الأمر الذي جعل إصلاح منصات الحفر غير ذي جدوى.

وقال مصدران بالصناعة إن إيران اشترت عشرات من منصات الحفر الصينية الجديدة والمستعملة خلال العقد الأخير غير أن الأجزاء الأساسية فيها لا تزال أميركية.

منصات الحفر الصينية الجديدة والمستعملة لم تنتشل إيران من ورتطها
منصات الحفر الصينية الجديدة والمستعملة لم تنتشل إيران من ورتطها

وقال رجل الأعمال رضا بني مهد الذي يعمل في طهران في مجال مشروعات الطاقة إن منصات الحفر الصينية كانت ملائمة للاحتياجات الإيرانية خلال السنوات التي ظلت ترزح فيها تحت العقوبات لكنها "افتقرت لخاصية القدرة على العمل لفترة طويلة التي تمتاز بها المنصات الأميركية والأوروبية".

وأظهر اطلاع رويترز على معلومات من مصدرين بصناعة النفط والمواقع الإلكترونية لشركات الحفر والنتائج المالية ربع السنوية أن ما لا يقل عن 40 منصة من حوالي 160 منصة حفر في إيران لا تزال معطلة عن العمل أو قيد الإصلاح.

وتتولى الشركة الوطنية الإيرانية للحفر التابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية تشغيل ما يقل قليلا عن نصف المنصات الإيرانية. وقال مصدر مطلع على عمليات شركة الحفر إن الشركة لديها 73 منصة نفطية برية وبحرية غير أن 17 منها لا تدر دخلا كما أن 6 منها تعمل بشكل جزئي فقط.

وفي المقابل كان عدد المنصات المعطلة عن العمل 5 في 2017 و4 في 2016.

وتملك ثاني أكبر شركة حفر إيرانية، حفر الشمال وهي شركة خاصة، 12 منصة و3 منها لا تعمل.

أما المنصات الباقية وعددها 75 منصة فتملكها شركات صغيرة. ويصعب التحقق من وضع كل المنصات المملوكة للقطاع الخاص في إيران غير أن مصدرين بالصناعة قالا إن 20 من هذه المنصات معطلة عن العمل.

غير أن مسؤولا نفطيا قال لوكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء في 2019 إن حوالي 85 في المئة من المنصات التي تملكها إيران تحتاج لصيانة وإصلاح.

ويشير ذلك إلى أن عدد المنصات العاطلة سيواصل الارتفاع على الأرجح.

وقال المسؤول رضا مصطفوي طبطبائي "بمسار الأحداث هذا ستصبح كل منصات الحفر الإيرانية في غاية القدم وعدم الكفاءة في غضون السنوات الخمس المقبلة أو نحو ذلك".

وشرعت شركات الحفر الإيرانية أيضا في الاستغناء عن أعداد كبيرة من العاملين.

وقد انخفض عدد العاملين في الشركة الوطنية للحفر إلى 2800 في 2019 من 9300 في 2017 حسب ما أظهر التقرير الفصلي للشركة.

ويمثل ذلك تحولا كبيرا عن الطفرة التي شهدتها الصناعة بعد توصل الحكومة الإيرانية لاتفاق مع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما والذي أدى إلى وقف العمل بالعقوبات النفطية والمالية في 2016.

وزاد عدد المنصات من 130 إلى 157 منصة عقب هذا الاتفاق.

لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعاد فرض العقوبات في 2018 لإرغام إيران على قبول قيود أشد صرامة على نشاطها النووي وتقييد برنامجها الصاروخي وإنهاء دعمها لقوات تعمل لحسابها في الشرق الأوسط.

وتملك إيران منصات أكثر عددا مما لدى المملكة العربية السعودية التي أوضحت بيانات أوبك أن لديها 125 منصة. وللتغطية على عجزها في انقاذ قطاع النفط بسبب العقوبات لجأت طهران في الأشهر القليلة الماضية إلى وكلائها في المنطقة تحديدا ميليشيات الحوثي في اليمن، لاستهداف منشآت النفط السعودية وتخريب ناقلات النفط والسفن التجارية التي تمر من بحر الخليج.

ووصف وزير النفط الإيراني بيجن زنكنه انهيار تكتل "أوبك+" الجمعة بأنه الأسوأ في تاريخ منظمة الدول المصدرة للنفط قائلا إنه بعد فشل الاتفاق "الجميع سيتضررون".