رحلة جمالية وفنية في 'قصاقيص مجلات الأطفال'

فهرس كتاب احمد عبدالنعيم يدهش القارئ من غرابة عناوين تدفع إلى الدخول في العالم الرحب لرسوم وحكايات زمان.

يقدم الكاتب الصح في ورسام كتب الاطفال الفنان احمد عبدالنعيم في كتاب "قصاقيص مجلات الاطفال.. آلبوم صور وحكايات" الصادر عن المركز القومي لثقافة الطفل، رحلة جمالية وفنية لصور وحكايات حفلت بها مجلات الأطفال في فترات مختلفة من القرن العشرين، ليكشف كيف كانت تلك المجلات تتابع الأحداث الاجتماعية والسياسية والثقافية وتقدمها للطفل بلغة ورسوم فنية تثقفه وتنمي ذائقته.

يبدأ الكاتب كتابه الذي صدر مواكبا لانطلاق معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56 بالتعريف بعلاقته بمجلات الاطفال حيث نشأ في حي شبرا العريق بالقاهرة، يقول "زمان كان صوت عم حمدي بائع الجرائد يمثل "عصفور الصباح" لأطفال حي شبرا الجميل، كنا نجري لنشتري ما معه من مجلات الاطفال حسب اليوم، كان يستقبلنا مبتسما ويسبقنا بقطعة سكر صغيره يحتفظ بها في جلبابه الواسع الطويل.. كنت أبدأ طقوسي الخاصة في قراءة المجلة بأن أحضر القلم الرصاص المبري جيدا وورقة بيضاء وأعيد رسم الغلاف بخطوط طفولية بسيطة وأقارن بين رسمي والأصل، أحيانا كنت اندهش من دقة رسمي (هكذا كنت اقنع نفسي)..

ويتابع "عندما وصل الشيب إلى شعري لم أفقد مشاعري، ورحت أعيد قراءة مجلات الاطفال لاكتشف أشياء لم تأخذني صغيراً. وفي هذا الكتاب أعيد القراءة بعين مختلفة في لألتقط ألبوما مصورا من تلك المجلات، حيث تأخذ الحكاية حيزًا أقل أمام جمال الرسوم التي ما زالت تشع رائحة زمن كان لم يبق منه غير قصاصات ورق".

عندما نطالع فهرس الكتاب نندهش من غرابة العناوين التي تدفع إلى الدخول في العالم الرحب لرسوم وحكايات زمان، مثلا كيف شارك "ميكي" في اجتماع جامعة الدول العربية"، وهنا تتوقف كثيرا امام الصورة التي تعانق العنوان، وبعدها يوضح لنا الكاتب انه قبل أيام من انعقاد مؤتمر قمة الدول العربية "عقد مؤتمر قمة الدول العربية في 5 سبتمبر 1964 " بقصر المنتزه بالإسكندرية، بحضور أربعة عشر رئيسًا عربيًّا. اختارت مجلة ميكي لغلاف العدد 176 في سبتمبر 1964، أن يحمل الأزياء المميزة لكل بلد عربي شقيق، وعلى صفحتي الغلاف تنوع "ميكي" في زي أربعة عشر دولة. وهي مجموع الحضور من القادة العرب، وكان ذلك بريشة الفنان محمد التهامي الذي اختار لون البشرة المميز لميكي، ولم يغيره إلا عندما ارتدى بطل الغلاف الزي السوداني واليمني. وقد كُتب اسم المجلة في الجانب الأيمن بحيث يُشاهَد الغلاف بشكل كامل ولا يؤثر على التكوين الجمالي له. لقد تميزت الحركة في الغلاف بحيث تشعر كأنك تشاهد شريطًا سينمائيًّا مع تغير في حركة اليد ونظرة الشخصية. وعندما تتأمل أكثر في الغلاف تشعر أنك أمام عدد من الشخصيات المتغيرة، وهي قدرة خاصة صاغها الفنان التهامي بريشة المميزة!".

وتحت عنوان "عبدالرحمن الابنودي يشكو من النوم"، يحكي الكاتب في رسالة صغيرة منشورة بمجلة السندباد الصادرة في يناير/حزيران 1952 برئاسة تحرير محمد سعيد العريان، وتحديدًا في العدد الرابع للسنة الثانية، وعلى الصفحة الرابعة حيث يقع باب بعنوان جريدة الندوة "رمز المحبة والتعاون والنشاط" وهو الباب الخاص برسائل القراء، تقول الرسالة "يستولي عليَّ النوم عند الساعة السابعة، فماذا أفعل لأقاوم النوم وأستطيع السهر بعد ذلك".. ويرد عليه محرر باب "استشيروني" أحد أهم أبواب مجلة السندباد، بضرورة تنظيم ساعات النوم بشرط ألا تقل ساعات نومه عن ثماني ساعات في كل يوم. أما صاحب المشكلة فهو الطالب عبد الرحمن الابنودي بمدرسة قنا الثانوية وهو الاسم الأشهر والأهم بعد ذلك في شعر العامية..

وتحت عنوان "جمل يبحث عن وظيفة" يرصد الكاتب حكاية "مجلة ماجد" التي صدر عددها الأول يوم الاربعاء 28 فبراير 1979 بغلاف "ماجد" شخصية طفل يرتدي الملابس الخليجية، الجلباب الابيض والعقال، وفي الخلفية فتاة تسأل صديقتها (اسمه اليوم العالمي للطفل بمناسبة شو؟) ليأتي الرد داخل بالونة الحوار بمناسبة صدور مجلة ماجد بينما يسير بطل الغلاف وسط الشارع في الجانب الايسر من الغلاف حيث نلمح حركة الناس في الخلفية. هذا الغلاف أبدعه الفنان حجازي ليكون نقطة انطلاق لمجلة اختارت أن تبقى بمفرداتها الخاصة.

ويلقي الكاتب الضوء على الجمل الذي يبحث عن وظيفة، والذي جاءت حكايته في الصفحة 22 "أنا جمل مثل كل الجمال عشت طويلا في الصحراء راضيا قانعا، صاحبي يعتمد عليا كثيرا، ولكن الوضع الآن تغير، أصبح يستخدم السيارة المكيفة الهواء ويتركني وحيدا.. ماذا افعل..؟ اهتديت إلى فكره لطيفة اتصلت بصديقي ماجد وطلبت منه ان يخصص لي صفحة في المجلة أو صفحتين، لكي أكتب فيهما ما أريد. وافق صديقي ماجد ولكنه اشترط شرطا واحداً.. اشترط أن يكون لي اسم مثل بني آدم.. احترت ماذا اسمي نفسي فكرت طويلا وأخيرا قررت أن ألجأ إلى قراء المجلة: هل تستطيع ان تختار اسم لي؟.. اذا وجدت اسما مناسباً أرسله خلال أسبوع إلى مجلة ماجد) فكرة مبتكره خاصة اذا عرفنا ان الجائزة كانت 100 درهم.

وتتوالى حكايات الكاتب ويتوقف بنا عند حيلة "مجلة الكتكوت" التي صدرت في مصر عام 1940 عن دار بنت النيل للسيدة درية شفيق وكيف لجأت المجلة في العدد 19 إلى حيلة طريفة حيث اختارت ناظرة مدرسة أمير الصعيد للبنات المربية الفاضلة سندس محمد الطيب للإجابة على أسئلة القراء لضمان اكبر قدر من قراء المدرسة.

ويرصد الكاتب صفحات من مجلة دنيا الأحداث الصادرة في لبنان في 2 نوفمبر 1955 ليتوقف عند رسالة الطالب الصغير ايلي عسيلي من كلية ثلاث أقمار وعمره 7 سنوات، رسالة (اخبرتنا المعلمة أنكم تشجعون الأولاد على الكتابة أنا أحبيت أن أكتب لكم لأخبركم أني كنت أذهب مع حبوبه حداد للإذاعة وأغني معها، كنت أغني "كان عندي عصفور" و"هويد هويد لك".. الناس يقولون إن صوتي جميلاً وأنتم مارأيكم؟ تعالوا اسمعوني في المدرسة واحكموا على صوتي". ويتسأل الكاتب هل سمعت إدارة المجلة صوت الصغير أم بقيت أغنية "كان عندي عصفور" تغرد منفردة..

ويتوقف الكاتب كثيرا ليحكي لنا قصة مجلة بثلاث أروح وهي مجلة "الشاطر حسن" اللبنانية والتي صدر العدد الأول منها في 15 يناير 1973.. 11 ذو الحجة 1392 بغلاف للفنان طارق العسلي، واختارت المجلة ثلاث آلوان تقسم داخلها.. الجزءالأول مخصص للقصص والحكايات والمسلسلات الكوميكس، والجزء الثاني في الوسط سيكون للالعاب والتسالي والترفيه، والجزء الثالث باللون الأخضر للأهل فقط (يعني انكم ستقرأونه مع البابا والماما) في سابقة هي الأولى في عالم مجلات الاطفال.

وتستمر حكايات الكاتب الممتعة لنقرأ حكاية "تيتا ع التليفون" في مجلة "مجلتي" الصادرة بالعراق في يناير 1969مجلة.. ويتوقف الكاتب عند مفاجأة تتمثل في مقال للكاتب الكبير على أمين على صفحات مجلة ميكي في ابريل 1962 يكشف فيه عن سر السندباد البحري.. تحت عنوان "والت ديزني يسكن حي السيده زينب" ليعود بنا إلى زمن جميل.

وتستمر حكايات الكاتب في قصاقيص خاصة نرى ملكة جمال الأطفال تطل من غلاف "مجلة بابا صادق" في 1939، وكيف استعانت "مجلة والدي" الصادرة عام 1936 بصاحب مصنع الديك للبسكويت لرسم غلاف، وحكاية أصحابها مع كبير الياوران في القصر الملكي.