"رحيق النساء" ثراء المضمون ومتعة السرد

صلاح شعير يحمل على عاتقه مشروعًا إصلاحيًا بنكهة إبداعية لا يخلو من ثراء المضمون وجمال الشكل وسحر الأسلوب وروعة التصوير وجماليات التعبير.
قدرة الكاتب في القبض على الأحداث والشخصيات
الرواية تناولت فترة زمنية قصيرة، طالت ووصلت بتقنية الاسترجاع (الفلاش باك)

صدرت رواية "رحيق النساء" بالقاهرة عن دار جزيرة الورد للأديب والخبير الاقتصادي د. صلاح شعير، حيث يحمل الكاتب على عاتقه مشروعًا إصلاحيًا بنكهة إبداعية لا يخلو من ثراء المضمون وجمال الشكل وسحر الأسلوب وروعة التصوير وجماليات التعبير، ويمكن تناول نقد الرواية في عدة نقاط كما يلي:
1 - شخصيات الرواية: برزت قدرة الكاتب صلاح شعير على القبض على الأحداث والشخصيات، حين صور نهاية سمير أبوحديد المأساوية جزاءً له على إجرامه وهو شاب مع تلميذاته (صـ135-136)، وكذلك قدرته على تصعيد الأحداث بفنية لتبلغ العقدة ذروتها (صـ190) وتُحسم النهاية لصالح سعاد متعددة المزايا.
سلك الكاتب مسلكًا بديعًا في رسم شخصيات الرواية؛ حيث يعطي القارئ لقطة بانورامية أولية عن الشخصية في مكان ما من الرواية، ثم ينتقل إلى تفاصيلها في مواضع عدة دون أن يشعر القارئ بقفزة سردية، وهي براعة في رسم الشخصية؛ حيث لا يعرض صفاتها متراصة الملامح بل يشكلها شيئًا فشيئًا تشكيلاً جماليًا بديعًا في لوحة منسجمة الألوان، المتجاورة أحيانًا والمتداخلة أحيانًا أخرى (صـ5) حين يتحدث رؤوف عن نفسه وعن عائلته، وبعد عشرين صفحة نتعرف على اسم البطل (صـ24) حين يصف ابن اخته سيد ثم تفاصيل أخرى عن الشخصية (صـ67)، وبالرغم من كثرة شخصيات الرواية والتي بلغت ما يقرب من أربعين شخصية ما بين رئيسة وثانوية، فإن القارئ يشعر بالحميمية تجاه تلك الشخصيات وكأنه جالسهم، واشتم معهم رائحة طين أرض الوطن.

رواية صلاح شعير ترفض التعصب الديني والتمييز العرقي، والتفرقة العنصرية بسبب اللون والجنس والطبقة الاجتماعية مع تغليب الإنسانية على الصلف والغرور

2- الزمان والمكان: تناولت الرواية فترة زمنية قصيرة، طالت ووصلت بتقنية الاسترجاع (الفلاش باك) التي وظفت بشكل متكرر لخدمة تقنية السرد وتنويعه وضبط زمنه، واستطاع الكاتب وصف الأزمنة والأمكنة بدقة، اليوم والشهر والسنة، كما تظهر في الرواية غزارة معلومات الكاتب عن الأماكن والتي يحسن تمريرها للقارئ لإفادته وإمتاعه (صـ160). 
3- تكنيك السرد: كما كان المضمون قويًا وملتزمًا بقضايا المجتمع وهمومه وتطلعاته، جاء السرد متناغما مع الأفكار المطروحة، حيث يحسن الكاتب التحكم في خيط السرد، فيبدأ بحسن الاستهلال، وينهي الفصول بسؤال أو موقف أو حالة من القلق والتشويق والانتظار، وأحيانًا اللجوء إلى اللمسة البوليسية كما في (صـ35، 80)، ناهد درويش تخطط لاغتيال هند لتستأثر بحامد العربي، وتستأجر فهيم الدكش وحسناء الأعسر ونورا الطويل لهذه المهمة، علاوة على التنويع في تقنية السرد ما بين السرد بضمير المتكلم، والفلاش باك كما في (صـ42) حين تحدث عن حامد العربي وتاريخه الكروي، أو عودة رؤوف إلى عشيقته عفت الخولي أيام دراسته (صـ54)، وأمه وطفولته أيام وابور الجاز (صـ 65).
يتميز الكاتب بلغته البسيطة الآسرة، وسرده السلس المتماسك، وقدرته على الوصف الجمالي الحالم للشخصيات والأحداث والأماكن والأزمنة، ومن مواضع الجمال في الرواية (صـ31) حينما وصف الكاتب هند شرف الدين، وحين وصف الليلة الثقيلة حين رحلت الحبيبة القديمة عفت الخولي (صـ62)، والوصف المؤثر لحالة مريض الشلل الرباعي وما يعانيه من عجز وحسرة هو ومن حوله (صـ96)، ومن مميزات لغة الكاتب جمال الإيقاع وتنوعه، حيث تسارعه وقوته وخدمته لتصاعد الأحداث (صـ122) بمفاجأة تخالف التوقع (موقف هند مع أم نورا الطويل المريضة).
4- توظيف المعادل الموضوعي: تم اللجوء للمعادل الموضوعي حين ربط بين الحمامة الأرملة التي فقدت وليفها وعفت الخولي، والبطل وذكر الحمام (صـ23)، وحين ربط بين الشجرة التي تذبل يومًا بعد يوم وزوجته زينب التي تذبل بذبولها، وماتت بموتها (صـ53-68)، والربط بين اهتزاز النجفة التي لا تستقر في السقف، وحيرة هند وفشلها في الحصول على وظيفة في الخارجية (صـ73)، وتكرار وقوع الإنسان في نفس الخطأ كما تقع الأسماك في شرك الصياد (صـ120)، والصياد الذي يجدف ضد التيار (صـ140)، والربط بين مصارعة الثيران وصراع الرجل والمرأة (لا بد من سقوط أحد الأطراف صـ159) وكذلك الربط بين حركة مروحة الطائرة (المادية) والدوران حول الذات داخل الإنسان وحيرته (معنوية) وحين جعل لكل أنثى نوعًا من العصير؛ مختلف كطعمها؛ وسعاد كوكتيل من الفاكهة بها كل الطعوم لأن بها أكثر من ميزة. 
5- ثراء المضمون: تتنوع مضامين الرواية، ومن القضايا التي تصادفنا فيها وتشغل بالنا واهتمامنا جميعًا، ما يلي:
أ- علم النفس والمثير الشرطي: فتربية الحمام هواية جميلة، ومدرسة لتعليم العشق الطاهر العفيف (صـ19). وقد عرج الكاتب على نظريات علم النفس؛ خاصة ما يعرف بنظرية الارتباط الشرطي والمثير والاستجابة، (صـ27)، فلكل عشق عصير (مثير شرطي) عصير البرتقال لعفت، وعصير الليمون لزينب، الفراولة هند، المانجو سعاد، وهنا سؤال: كيف أحب البطل أربع نساء في وقت واحد، كوكتيل من النساء والعصائر، ومن ملامح علم النفس أيضًا تحليل طبيعة الأنثى وشبقها الجنسي وجوعها العاطفي في فترة ما من عمرها (صـ 191)، والتحليل النفسي لحب ما بعد الصدمة والذي يرى الكاتب أنه لا يعول عليه (صـ152)، رؤوف وتعدد حبيباته بعد زينب، والاستشهاد بأراء عالم النفس إيرك فروم.  
طرحت الرواية فكرة وجوب التعفف عن المناصب والزهد فيها، ومعرفة حجمها وتوابعها، على اعتبار أن الوظيفة العامة تكليف وليست تشريفا، (صـ28) وهذا المعنى يجب البناء عليه في العلوم التربوية الحديثة والإعلام الثقافي؛ لفض الاشتباك بين الأفراد المتصارعين على المناصب في حد ذاتها، بينما  ينبغي أن يكون الصراع حول تنمية المجتمع وبناء الأمم. 

novel
مضامين يمررها الكاتب باحترافية 

ب- التعاون الاجتماعي في مواجهة الجريمة: وتناقش الرواية سلبية المواطن تجاه المجرمين؛ على اعتبار أن المسؤولية الاجتماعية في التصدي للجريمة مهمة مشتركة بين المواطن والشرطة، وعليه يجب على المجتمع دعم المؤسسات المختصة بحفظ الأمن العام ومدها بكل المعلومات التي تمكنها من أداء هذه المهمة، وقد برز ذلك في (صـ35)، في شخصية (هند) والتي تمثل نمطًا من السلوك الإيجابي الذي يجب أن يسود، وقد انتصر الكاتب لشجاعة المرأة وفكرة التعاون الجماعي في تحقيق الاستقرار من خلال التصدي للجرائم الخطيرة، ومنها كمثال مافيا تجارة الأعضاء البشرية، وظاهرة خطف الأطفال (صـ82)، كذلك الانحرافات الجنسية [فهيم ونورا] (صـ83). علاوة على فساد المحليات (صـ55)، وفساد بعض أصحاب النفوذ وتحرشهم بالمرأة بحكم نفوذهم ووظيفتهم [محمود عجوة وسكرتيرته أسماء فهمي] (صـ75)، مرورًا  بالتحذير من الانحدار الخلقي لبعض المعلمين (سمير أبوالحديد مع تلميذته نورا الطويل) والذي تسبب في انحرافها وتحطمها (صـ89).
ج - الرياضة وبناء البشر: وقد طرحت الرواية أهمية الرياضة في بناء الأبدان وانتشال الشباب من الفراغ المدمر، محذرة من الرشوة والمحسوبية وتلميع التافهين على حساب الكفاءات والمواهب (صـ45) حين تم استبعد حامد العربي عن فريق كرة القدم وإشراك من هو أقل منه موهبة، وهذا الطرح هو استصراخ لتغليب معيار الكفاءة عند اختيار اللاعبين بالأندية بعيدًا عن كل أنواع المحسوبيات، وهذا يخدم الرياضة العربية بصفة عامة، أملا في امتداد مبدأ تكافؤ الفرص في كافة المحالات.
وفي الوقت ذاته لم تهمل الرواية بعض الصور السلبية المتمثلة في انتهازية بعض النجوم لفكرة الشهرة وسوء استغلالها، كالوقوع في الرذيلة أو إدمان المخدرات، وكل ذلك جاء في إطار محاولة روائية للوصول إلى نجاح رياضي متكامل؛ بشرط أن يتم تحقيق التوازن بين الاهتمام بنجوم الرياضة وبين الاهتمام بالعلماء والضباط والجنود والكوادر المختلفة التي تسهم في بناء المجتمعات، حتى لا تتجه الدفة نحو قطاع على حساب باقي القطاعات المهمة، وهذا الطرح رسالة تحذيرية لكافة شعوب العالم الثالث والمخططين لوضع البرامج والخطط التي تحقق هذا التوازن.
د - المرأة والرومانسية: لقد انتصرت الرواية لدور المرأة الراعية لأسرتها (صـ97)، على اعتبار أن مكافحة التمييز ضدها من عوامل الاستقرار الأسري وتنمية الدول، وتكمن قيمة هذا الدعم في لفت الانتباه نحو عواقب زواج كبار السن من فتيات صغيرات وعدم التكافؤ في تلك العلاقة (صـ188)، علاوة  على تحليل عاطفة الحب واللمسات الرومانسية (صـ121)، مثل: تغير موقف نورا من الانتقام إلى الحب (صـ123)، والجنس يظهر في الرواية من وقت لآخر كفاتح لشهية القارئ وحثه على مواصلة القراءة، والتخفيف من كثرة ما تحمله من مضامين يمررها الكاتب باحترافية (صـ129).
 ه- رفض التعصب: ويمكن القول إن الرواية ترفض التعصب الديني والتمييز العرقي، والتفرقة العنصرية بسبب اللون والجنس والطبقة الاجتماعية (صـ161)، مع تغليب الإنسانية على الصلف والغرور، كما في موقف رؤوف مع شداد ووجدي العمدة أقارب هند (صـ 183).