رسائل الرئيس ترامب الأخيرة لإيران

نعم رسائل الرئيس ترامب موجهة للداخل الايراني، أكثر مما هي موجّهة لأي طرف أخر، وعلى حكام طهران القبول بالأمر الواقع، قبل فوات الاوان ووقوع الفأس بالرأس.

وجّه الرئيس ترامب اليوم، رسائل عديدة الى إيران ورئيسها حسن روحاني، في إطار تبادل الإتهامات والتهديدات بينهما، وسط مبادرات ووساطات دولية، آخرها زيارة رئيس الوزراء الياباني الى طهران، في محاولة يائسة، لتفكّيك صاعق الحرب ضد ايران، وتخفيف العقوبات الاقتصادية عليها، والتي أخذ مفعولها في الشارع الايراني، وعلى الصعيد الرسمي واضحا ومؤثراً.
 فأولى رسائل الرئيس ترامب، هي تأكيده على أن إيران انتهكت الإتفاق النووي وعليها تحمل مسئوليته، ونزوعها لتسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم، وهذا مؤشر جداً خطير، يؤكد سعي وإصرار إيران على إمتلاكها السلاح النووي، والصواريخ الباليستية، والرسالة الاخرى هي ان ايران ما زالت راعية الارهاب في العالم، وتشكّل خطراً حقيقياً عليه، وإن إيران تعرف ما هو مطلوب منها جيداً، في حين طلب الرئيس ترامب الجلوس على طاولة التفاوض بدون شروط.
 وهي رسائل واضحة تؤكد ترجيح منطق القوة الامريكية، والتفوّق التكنولوجي العسكري الأمريكي، مقابل نزوع إيران الى القبول بالوساطات والسعي لها والتوّسل بها، من جهات إقليمية ودولية لتخفيف العقوبات، كالوساطة العمانية والعراقية واليابانية والروسية، وكلّها فشلت في إقناع الجانب الامريكي، في رفع جزئي للعقوبات، التي تعدّ فعلاً الأقسى في التاريخ، في وقت تزيد الخزانة الامريكية من العقوبات على ايران، رغم سعي إيران مع روسيا وأوروبا للالتفاف على العقوبات، بأي شكل ولكن دون جدوى.
 إن وهم القوة والعنجهية الفارسية والمماطلة والتسوّيف، ما زالت هي السّمة البارزة للسياسة الايرانية، التي ستوقعها في شرِّ أعمالها وأفعالها، وهي كثيرة ومزعزعة لأمن وإستقرار المنطقة، منها تفجيرات الفجيرة وقصف حقول ضخ النفط السعودي، وقصف مطار أبها السعودي اليوم، وتهديداتها لدول الخليج العربي، وجرائم أذرعها وميليشياتها في المنطقة، والتي تعوّل عليها، في مواجهة الحرب مع أمريكا، وهو وَهم يؤكد قوة الوّهم لحكام طهران، أن قوتها وأذرعها وميليشياتها وحرسها ستهزم القوة الامريكية العسكرية الهائلة في الخليج العربي، وَهم القوة وقوة الوّهم يعشعشان في نفوس حكام وملالي طهران، منذ الحرب الايرانية على العراق، ونهايته أن الخميني تجرّع كأس السّم في نهاية المطاف.
 اليوم يتكرّرمشهد، وَهم القوة ذاته، في خطاب ايران السياسي والاعلامي، فهي تهّدد في العَلن وتتوسّط في السِّر، والجميع يعلم أنّ قوة إيران المفترضة والمعوّل عليها إيرانياً ليس حرسها الثوري، ولا فيلق القدس، وإنمّا الأذرع والميليشيات الايرانية في العراق ولبنان واليمن وسوريا. وما نراه من قصف الحوثيين للسعودية والامارات، هو جس نبض ورسائل إيرانية للإدارة الامريكية ودول الخليج العربي، وقد أعلنها قائد الحرس الثوري الأيراني بوضوح قائلاً ان جميع القوات العسكرية والبوارج الحربية وحاملات الطائرات الامريكية، هي تحت مرمى القوات الايرانية، ويقصد بها أجنحته وأحزابه وميليشياتها في العراق والمنطقة.
أما تسريّع تخصّيب اليورانيوم، فهو ورقة أخرى تشهرها، بوجه الادارة الامريكية لتخويفها فقط، وهي تعرف جيداً أنّ مثل هكذا تصرّف، هو إدانة ودليل ضدها، وليس في صالحها كما تعتقد بغبائها، وهذا يحرّض العالم كله ضدّها، ويثبت حقيقة خطرها على الأمن والسلم العالمي، وأن ما تقوم به الادارة الامريكية من عقوبات، هو رد ّ طبيعي على إصرار ايران الدخول في التسلح النووي وتغذية الارهاب، الذي اعلن عنه قادة ايران، وقالوا ان إيران ستدخل النادي النووي العالمي.
إن إعلان ايران أنها تخرق العقوبات الاقتصادية مع أوروبا، هو دليل آخرعلى فشلها في مواجهة العقوبات، خاصة وإن الدول الاوربية، والصين وروسيا، لم تستطع مواجهة الحصار الامريكي بحذافيره ضد ايران، وهذا يؤكد نجاح أمريكا في هيمنتها على العالم، وإخضاعه لقراراتها.
إن إيران الآن في موضع المأزوم والمهزوم، المأزوم لقسوّة الحصار وآثاره التدميرّية على إقتصادها الذي بدا يترّنح، وامام شعبها الذي اخذ يتملّمل من جرّاء ارتفاع الأسعار وإرتفاع غلاء المعيشة، وهبوط التومان لأدنى مستوى في تاريخ إيران الطويل، ناهيك عن توقّف الصادرات والتجارة، والتعامل المصرفي مع العالم، وبقي العراق الرئة الوحيدة المشلولة له.
 ويبقى السؤال المتداول الآن لدى السياسيين والمراقبين والمحللّين، هل تحدث المواجهة العسكرية بين امريكا وإيران، والصراع الامريكي –الامريكي الى أين، وماهو مستقبل الشرق الاوسط بعد زوال نظام طهران، وفي حال حصول المواجهة العسكرية، والقسم الاكبر ينفي حصولها.
 ونحن نقول أيضا ربمّا لن تحصل مواجهة عسكرية بين الطرفين كحرب تقليدية، ولكن بكلّ تأكيد إن الانهيار الايراني قادم وحتمي، قبل حصول المواجهة العسكرية، التي يلوّح بها الرئيس ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، في حين يصّر ويعلن مستشار الأمن القومي جون بولتون، أن القضاء على نظام إرهابي يحكم منذ اربعين سنة، أمر لا بد منه بضربة عسكرية  سريعة، وهكذا يتحقّق الاصرار الامريكي، بضربة عسكرية ماحقة أو بانهيار حتمي للاقتصاد الايراني، وإعلان الهزيمة النهائية، وهي الاستراتيجية الامريكية التي وضعها الرئيس ترامب منذ ترديد القسم لرئاسة الولايات المتحدة الامريكية، وهي الورقة الأثمن، التي توصله الى ولاية رئاسية ثانية، لقيادة الولايات المتحدة بالترافق مع تطبيق صفقة القرن الفلسطينية الاسرائيلية، وها هو مؤتمر البحرين القريب لها.
 إذن رسائل الرئيس ترامب واضحة لمواجهة إيران، إمّا المفاوضات التي ستفضي الى تطبيق الشروط الـ12، أو بالمواجهة العسكرية والانهيار الاقتصادي، وفي كل الحالات سينتهي النظام، كما تخطّط الادارة الامريكية لانهاء الدور التخريبي الايراني في المنطقة والشرق الاوسط، إذن لا توجد أمام إيران أية فرصة الاّ المفاوضات، ونحن نرجحها ونرجح جلوس حكام طهران المهين، أمام المفاوض الامريكي، الذي سيُملي شروطه عليها وهي صاغرة، وفيها سيتجرّع المرشد الاعلى كأس السمّ، كما تجرّعه سلفه خميني.
 وأما الانهيار الاقتصادي الكامل والمواجهة العسكرية، وهما سببان أحلاهما مرّ، علقم بالفم الإيراني، وفي كلا الحالتين سينتهي الدور التخريبي لإيران في الشرق الاوسط،وتفكيّك أذرعها وميليشياتها في المنطقة، وإزالة خطرها في زعزعة الأمن والسلم العالمي، وهو قرار إستراتيجي امريكي، ليس لسواد عيون العرب، كما يتصوّرقصيرو النظر، وانّما لضمان المصالح الاستراتيجية الامريكية والاسرائيلية لقرون طويلة، في منطقة الشرق الاوسط، وإقامة مشروعها الكبير في الهيمنة على الشرق الاوسط، وهو الحلم الامريكي - الاسرائيلي منذ عقود وكان قد أخره السَّد المنيع العراق ما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق.
نعم امريكا جادة تماماً في قصقصة أجنحة ايران في المنطقة، وإجراءاتها ضدها تؤكد ذلك، رغم تهديدات إيران وتلوّيحها بتدمير الأساطيل الامريكية، وغلق مضيق هرمز، وتهدّيد جيش وسفارة امريكا في العراق، كلُّ هذا يدخل في باب البروبغاندا، والظهور بمظهر القوي الذي لا يقهر، ونحن نعرف وأمريكا تعرف حجم إيران العسكري الضئيل، الذي لا يذكر أمام التفوق الإستراتيجي العسكري والتكنولوجي الأمريكي.
 أخيراً لا بد أن نقول، إن تأخير القبول بالتفاوض مع أمريكا يترّتب عليه المزيد من المعاناة للشعب الايراني، والمكابرة الايرانية ستودي بها الى التهلكة وتجرّع السّم، وإن إعتمادها على "غيرها" في المواجهة، ماهو الاّ سراب تركض خلفه السياسة الايرانية وتعوّل عليه، هو الا سراب سيزول باول رصاصة، تطلقها القوات الامريكية، وأول صاروخ عابر للقارات يجيء من خلف البحار والمحيطات،الى أهدافه في العراق ولبنان وسوريا، نعم رسائل الرئيس ترامب موجهة للداخل الايراني، أكثر مما هي موجّهة لأي طرف أخر، وعلى حكام طهران القبول بالأمر الواقع، قبل فوات الاوان ووقوع الفأس بالرأس.