رضوى الأسود تعرّف بـ'أديان وطوائف مجهولة' لتبديد أفكار مغلوطة

الباحثة والروائية تلقي الضوء على أصول أشهر الديانات وأكثرها جدلا وتأثيرا مثل اليزدانية والميثرائية والمانوية والطاوية والمزدكية والدرزية والسيخية والبابية والبهائية والكاكائيةوالهلاوية والزرادشتية.

المجهول من الديانات التي عرفتها البشرية منذ فجر التاريخ وحتى الآن يتجاوز ويفوق أضعاف ما هو معروف، وحتى ما هو معروف بعيدا عن الديانات الماوية الثلاثة "اليهودية والمسيحية والإسلام، فوفقا للباحثة والروائية رضوى الأسود في كتابها "أديان وطوائف مجهولة.. جوهر غائب ومفاهيم مغلوطة" شهدت البشرية عبر التاريخ، بحسب الموسوعة المسيحية العالمية باريت طبعة 2001، حوالي 10 آلاف دين، منها 150 ديانة بلغ عدد مؤمنيها مليون فرد، فأكثر، أما بقية الأديان فعدد التابعين لها لم يتجاوز المليون عبر التاريخ، وقد ردت حوالي 4200 ديانة وعقيدة ما بين ملل وفرق وكنائس وطوائف ومذاهب وعشائر.

استهدفت الأسود في كتابها الصادر عن مؤسسة بتانة إلقاء الضوء على الجوهر المجهول؛ لتبديد المفاهيم المغلوطة. محاولة لنشر المحبة والتسامح بين الناس على اختلافاتهم التي لم يختاروها. فالأديان للإله (أيا كان اسمه)، والأوطان للجميع (أيا ما كانوا، مؤمنين أو غير مؤمنين). ومن ثم قامت بإلقاء الضوء على أصول أشهر هذه الديانات وأكثرها جدلا وتأثيرا مثل اليزدانية والميثرائية والمانوية والطاوية والمزدكية والدرزية والسيخية والبابية والبهائية والكاكائيةوالهلاوية والزرادشتية، لافتة إلى أن أي دين "كجذر أساسي" وما يتفرع منه، هي منتوجات ظروف حضارية، تاريخية، جغرافية، سياسية، فلا يمكن الحديث عن دين/ عبادة / مذهب/ طائفة بمعزل عن كل ذلك، لذا قد تصادف من المعلومات ما لم تسمعه قبلا، والتي لن تتوقف فقط عند الديانات والمذاهب "التي تتراوح بين قمة التسامح وقمة المغالاة والتطرف وربما الشطط الفكري"، ولكن ستمتد إلى عمق الحضارات والأعراق، والتاريخ والجغرافيا والسياسة، لتكون معا ضفيرة سميكة متماسكة.

وتوضح الأسود إلى أن هناك روابط ومقاربات عدة بين الأديان، ولننفتح في النهاية على آفاق برحابة السماوات اعتمدت هذا الربط لتكتمل الصورة بقدر الإمكان، لأن الصورة تامة الكمال، لا وجود حقيقيا لها في ظل تدخلات البشر بتفاسيرهم وتأويلاتهم ووجهات نظرهم وآرائهم التي غالبا تكون شخصية أو غير منزهة، فكما يقال بأن التاريخ ـ في غالبيته ـ غير حقيقي، وغير منزه، فالأديان أيضا، كتفاسير وشروحات وردت إلينا، وما تناقله البشر عنها بعد إضفاء بصماتهم الخاصة وطبعها بطابع أسطوري قد تشوبها أشياء كثيرة.

وتلفت إلى أن هناك أديانا احتاجت منها إلى عملية تنقيب وبحث كـ "الكاكائية" و"الدرزية"، و"الهلاوية" لأسباب عدة أولها وأهمها: حالة التعتيم الشديدة، والسرية التي تحيط بها كل طائفة نفسها، فالكثير منهم ينكرون ديانتهم/ مذهبهم، فيحسبون أنفسهم على أخرى معروفة ومبجلة في مكانها، وإن حدث وقالوا الحقيقة، فمن الصعب التصريح بعقائدهم وطقوسهم وجوهر إيمانهم؛ خوفا من التنكيل، بما لهم من تاريخ طويل، بل ومستمر إلى الآن من الاضطهاد والتعذيب والقتل، أو على أقل تقدير عدم اعتراف الحكومات بهم وبحقوقهم. وثانيهما أن الضبابية المقصودة والمتبعة بين أبناء تلك الطوائف أثرت على دقة وعمق الأبحاث، فنتجت عنها معلومات متضاربة ومغلوطة، وإن حدث أن وضعت يدك على معلومة ما، فستأتي أخرى تدحضها بالكامل، فتعاود بحثك من جديد.

وتضيف أن هناك أديان استمتعت بالبحث فيها، والكتابة عنها مثل "الصابئة المندائية" و"الزرادشتية"، بالمثل كانت ديانات الشرق الأقصى ممتعة؛ لكونها فلسفات أكثر من كونها أديانا. و"الإباضية" كان لها متعة كتابتها الخاصة، لأن انطلاقا منها اطلعت على الكثير من المذاهب الإسلامية كالجهمية والجبرية والقدرية، وانبهرت بهذا السجال العقلي الفلسفي الذي بدأ في الثلثين الأخيرين من القرن الأول الهجري، وانتهى بداية فعليا في القرن الرابع الهجري، ليسجل انغلاق العقل الإسلامي، واتباع مدرسة النقل الحرفي للنص الذي حرم الاجتهاد فيه، على الرغم من أن صحابة الرسول لم يروا أنهم ملزمون باتباع رأي أحد من الصحابة، بل كان كل واحد منهم يذهب إلى ما أداه إليه اجتهاده، إن كان من أهل الاجتهاد دون أن يلزم نفسه باتباع واحد بعينه، ثم جاء التابعون فساروا على هذا المنوال. وشهد العصر حرية فقهية حقيقية، ومن حق العامي اتباع من يطمئن إليهم من المجتهدين دون أن يكون لهذا الاختلاف أثر سلبي، بل عد هذا الاختلاف ثروة ضخمة تدل على خصوبة العقلية المسلمة وسعة نتاجها.

وتؤكد الأسود أنها اعتمدت التشابهات بل التطابقات كمبدأ أساسي للتقريب بين الأديان، ليس لأغراض إلحادية أو ترويجية لدين/ أديان ما، ولكن بغرض تقريب وجهات النظر، وتأكيدا وحدة المصدر، وتأكيد أيضا على قول الله تعالى في القرآن الكريم "ولقد أَرْسَلْنَا رُسُلًا من قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ"، و"ومَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم". ولنعرف أن هناك أنبياء لا نعلم عنهم شيئا ولم يرد لهم ذكر. ما أوتينا من العلم إلا قليلا، فسنجد تشابها بين المسيحية والميثرائية التي سبقتها من حيث تطابق تاريخ ميلاد "ميثرا" مع تاريخ ميلاد المسيح، وكذلك تشبيه المسيح بالشمس كما "ميثرا". وسنجد تشابها كبيرا جدا بين الإسلام والزرادشتية التي سبقته. وفي السياق وللتأكيد على حركة التأثير بين الأديان أثبت الباحث خزعل الماجدي أن اليهودية حوّلت عشرة ملوك سومريون إلى عشرة أنبيا توراتيين، وهم "آدم، وشيت، وإنوش، وقينان، ومهلالئيل، ويارد، وأخنوخ (إدريس)، ومتوشالح، ولامك، ونوح.

وتتابع "نرى أيضا أن "الإيزيدية" هي الامتداد الطبيعي "للميثرائية"، وبالمثل نرى تفريعات "لليزدانية" تمثلت في "الإيزيدية"، و"الهلاوية"، و"الدرزية"، و"الكاكائية"، وهناك أديان مثل"الهلاوية"، و"الدرزية" تعد خليطا حقيقيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث إنها أخذت من كل ما هو مر بالتاريخ البشري، من فكر أفلاطوني، وديانات هندية، ويهودية ومسيحية وإسلام، وهناك من الأديان كـ "الأحمدية" و"البهائية" ما عدت حركات إصلاحية، اعتمدت فكرة "الظهور" في صاحبها المجسد للمهدي المنتظر/ المسيح الموعود، المشار إليه في الكتب السماوية السابقة، وحتى وإن كانت تلتصق بهما شبهات تتصل بعلاقات بالمستعمر، إلا أن فيها من قيم السلام والمحبة الكثير الذي يجب النظر إليه، ومحاولة استخلاصه، فما من دين إلا وكان بداخله نقاط ضعف كالأساطير، أو أشياء لو تم إخضاعها للعقل والمنطق ستبدو مرفوضة كالغيبيات".

وتلاحظ الأسود أن الأديان الهندية والصينية واليابانية تعد فلسفات أكثر من كونها أديانا، وأنها أثرت بشكل عام في أديان الشعوب الآرية. وأن متحف الأديان المفتوح سنجده تحديدا في العراق وإيران، اللتين امتازتا حتى وقت قريب بتنوع غير عادي للأديان متجاورة في ألفة وتسامح.

وترى أن أصحاب الديانات الإبراهيمية الثلاثة أطلقوا لفظ "وثنية" على الأديان التي كانت موجودة في أحيازهم، أو الأحياز التي ذهبوا إليها فاتحين أو غازين أو بعد الانتشار القوي لدياناتهم في مكان ما (مثلا بعد قرار رسمي من الإمبراطور)؛ لذا كنت شديدة الحرص في استخدامي لكلمة "وثنية" التي لجأت إليها فقط للإشارة إلى الأديان التي بها تعدد آلهة، مع إضافة ـ رأيتها مهمة وتؤدي إلى القصد المرجو من هذا الكتاب ـ وهي أن لها إلها/ إلهة أعظم/ عظمى. كما لم ألجأ أبدا لاستخدام الكلمتين: "سماوي" و"وضعي" في أي تعريف لأي دين. وحرصت على شيئين أساسيين: البعد عن المصادر المتشددة أو المشكوك فيها، وعلى اعتماد تسلسل منطقي في استعراض للأديان سواء زمني (تاريخي)، أو منطقي، بمعنى أن أضع "الميثرائية" قبل "الإيزيدية" التي أخذت منها الكثير. وأضع "اليزدانية" قبل كل من "الدرزية" و"الكاكائية" والهلاوية" التي تعتبر فروعا للأولى، بحيث حينما نأتي على ذكر كل واحدة من الثلاثة تكون الأمور واضحة ومفهومة سلفا.

وتشدد الأسود أن غرضها من تقريب الأديان وتأكيد المصدر الواحد، "هو القاع الذي تمددنا ورقدنا فيه باستمراء... وما من بادرة صعود فماذا تبقى من أوطان العرب المسلمين سوى الحريق والدمار والخراب؟! وماذا سأستفيد أنا ـ شيعية كنت أو سنية ـ من مسألة إمامة "علي" أو تبجيل أو عدم تبجيل آل البيت، ماذا سيعود عليّ على الصعيد الشخصي، أو سينعكس على الصعيد العام أو العالمي؟. إن العالم يتحرك من حولنا ونحن مازلنا محكومين بالصراعات الدينية المذهبية التي أتت على الأخضر واليابس، لا ننكر أن هناك قدرا من التآمر بدأ منذ أزمان ـ ولم يزل ـ بغرض السيطرة على الثروات، وبغرض تأخرنا الحضاري ومحو وجودنا العسكري، إلا أن دورنا هو الأكبر والأكثر فاعلية، فكل شئ يحدث بأيدينا لا بيد عمرو، بعقولنا المغيبة، وضميرنا الذي مات مع موت كل جماليات الحياة فينا بتنامي الكراهية والبغضاء لأي مختلف عنا، رغم أن الاختلاف سنة الإله الخالق ذاته!.

ترد الأسود أصل تسمية الديانة الميثرائية إلى إله الشمس "ميثرا" وتقول عن نشأتها وانتشارها "أول ورود لاسم "ميثرا" كان في الألواح المسمارية وكذلك في الأساطير القديمة للهند وإيران، وتعد الميثرائية إحدى أقدم الديانات في العالم، ويقول الباحثون إن ظهور الميثرائية كانت نتيجة اتصال طبقة الكهنة الفرس بالكهنة البابليين بعد غزو قورش الأكبر لبابل عام 539 ق.م، وقد انتشرت بين الشعوب الآرية كبداية الإحساس بالظواهر الطبيعية، وخالق الكون والنور "الشمس"، ويعتبر ميثرا واحدا من تلك الآلهة التي ظلت عبادتها في إيران، حتى أن زرادشت ـ الذي جاء بعده ـ دمجه في ديانته، وأفردت له مكانة مرموقة في الطقوس الزرادشتية، وقد امتدت إلى خارج تلك المنطقة، ووالت انتشارها من إيران وتركيا حتى مصر ومنها إلى اليونان وإيطاليا وبريطانيا، وفي روما وبعد أن غزت القصر الإمبراطوري جعلها الإمبراطور الروماني أورليان عام 274 م الديانة الرسمية، حتى أصبحت دينا مستقلا حتى القرن الرابع الميلادي، وحيث كان هناك تنافسا شديدا بينها وبين المسيحية.

وتلفت إلى أن الميثرائية اندثرت لكن امتد تأثيرها إلى: أولا الزرادشتية،، فلإله ميثرا مقد في الزرادشتية، بما أنه ورد ذكره في كتابها المقدس "أفيستا" حيث يقول "أهورا مزدا" عن ميثرا "أنا الذي خلقته بشكل يستحق العبادة مثلي من جميع الوجوه" وكذلك وصف بأنه النور، حامي الحقيقة، وعدو الكذب والخطأ، وبأنه حارس المراعي اليقظ. ثانيا ذكر في البوذية أن الميثرائية هي الضو وانبعاثاته. ثالثا في الهندوسية ورد ذكر ميثرا في الـ "ريج فيدا". رابعا تعد الإيزيدية تحديدا امتدادا للميثرائية، فآثارها باقية وممتدة بقوة فيها، فعلاقة الإيزيديين بالشمس قوية ومنهم من يلقبون بـ "الشمسانيين" ـ نسبة إلى الشمس ـ وهؤلاء لا يدفنون موتاهم بعد الغروب، وأثناء العبادة يتوجهون إلى الشمس. خامسا أما بالنسبة إلى المسيحية فإلى يومنا هذا، هناك رموز في الكنائس الغربية وخاصة إيطاليا تعود إلى الميثرائية، فالمادر التاريخية تؤكد أن ولادة الإله "ميثرا" من عذراء كانت توافق يوم 25 من شهر ديسمبر، وكان يتم الاحتفال بعيد ميلاده، حيث كان يعتقد بأن الشمس في هذا اليوم تخلصت من قبضة إله الظلام وأخذت بالصعودإلى السماء وازداد النهار دقيقة واحدة طولا، واتمر هذا الطقس اريا حتى أصبحت المسيحية دينا رسميا للإمبراطورية الرومانية بقرار رسمي من الإمبراطور قسطنطين الأول، فتحول تاريخ ميلاد الإله ميثرا إلى تاريخ ميلاد السيد المسيح لدى المسيحيين الأوروبيين، وحتى كلمة محراب أتت من كلمة "مهر آب" وهو مكان عبادة ميثرا. 

تقول الأسود عن الديانة "المزدكية" التي أسسها "مزدك بن نامذان" والتي تؤمن بقوتي الظلام والنور كالزرادشتية والمانوية "بعيدا عن العقيدة أو تحديدا قبل تبلورها كعقيدة، تعد المزدكية" في المقام الأول حركة شيوعية ـ تعتبر المزدكية أول حركة شيوعية في العالم ـ وانتفاضة اجتماعية قام بها الفلاحون وفقراء المدن في الدولة الساسانية، واستمرت من أوائل عام 490م وحتى نهاية عام 520م. وقد نشأت خلال تصاعد الأزمة الاقتصادية والسياسية التي نتجت عن تحول في السلطة إلى الارستقراطية الإقطاعية، والطبقة الكردية الزرادشتية على حساب السلطة الملكية. أدى هذا الوضع الجديد إلى زيادة استغلال الفلاحين وإحباط وفقر الجماهير العريضة، والفشل في السياة. دعمت الحركة من قبل "قباذ الأول" فقامت الطبقة الارستقراطية والطبقة الكهنوتية بإسقاطه عام 496م، لكن بعد عودته إلى السلطة عام 499م تم منح أتباع الحركة المزدكية مناصب إدارية مهمة، وأبح "مزدك" شخصية مهمة في الدولة الساسانية ، استولى المزدكيون على أملاك الارستقراطيين ووزعوها على المحتاجين.

وتشير إلى أن المزدكية انتشرت في الدولة الأموية ومن بعدها العباسية وقد اتبع الشيعة الاسماعيلية هذا الدين في الدولة العباسية واتعبروا مذهبا إسلاميا وليس دينا جديدا. وأركانها ثلاثة: الماء والأرض والنار، ولما اختلطت حدث عنها مدبر الخير، مدبر الشر، فما كان من صفوها فهو مدبر الخير وما كان من كدرها فهو مدبر الشر.