روائي من بحري لحسني سيد لبيب
الجمعة 2002/08/02
بقلم: أحمد فضل شبلول

قارئ روايات محمد جبريل لا يملك إلا أن يمسك بالقلم ليكتب نصا موازيا، إما إبداعا أو نقدا، أو مقالا، أو قصة، أو خاطرة أدبية .. الخ. أي أن أعمال جبريل الإبداعية تحرض قارئها على الكتابة، وبما أن معظم هذه الأعمال تدور في البيئة المحببة له، وهي حي بحري بالإسكندرية، فإن قراءه سواء كانوا سكندريين أو غير سكندريين، أصبحوا يمتلكون خبرة جيدة بالأماكن السكندرية التي غالبا ما تكون البطل في أعمال جبريل. تماما مثلما يحدث مع قارئ روايات نجيب محفوظ الذي يعرف الكثير عن القاهرة من خلال تلك الروايات، وخاصة حي الجمالية، وحي العباسية.
وقد تفاعل مع روايات جبريل الكثير من النقاد والمبدعين، وصدر عن أعماله كتب عدة، نذكر منها: فسيفساء نقدية (تأملات في العالم الروائي لمحمد جبريل) للدكتور ماهر شفيق فريد، واستلهام التراث في روايات محمد جبريل للدكتور سعيد الطواب، والبطل المطارد في روايات محمد جبريل، للدكتور حسين علي محمد، ومحمد جبريل .. موال سكندري دراسات بأقلام عدد من الأدباء، بالإضافة إلى عشرات المقالات والدراسات المنشورة في الدوريات المختلفة بأقلام كبار النقاد والأدباء نذكر منهم: د. حامد أبو أحمد، ود. محمد زكريا عناني، ود. جمال عبد الناصر، ومحمد قطب، ومهدي بندق، ومصطفى كامل سعد، ود. عبير سلامة، ومنار فتح الباب، وكاتب هذه السطور، وغيرهم.
وقد وضع الأديب القاص حسني سيد لبيب كل ما كتب عن أعمال محمد جبريل الروائية أمام عينيه، وقرأ كل النتاج الروائي له، وخرج علينا بكتاب جديد عنوانه "روائي من بحري ـ سرد روائي عبر المكان" صدر مؤخرا عن سلسلة كتابات نقدية (العدد 113) التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، ويرأس تحريرها الناقد الدكتور مجدي توفيق.
تحدث لبيب في هذا الكتاب عن روايات جبريل: الصهبة، قاضي البهار ينزل البحر، الشاطئ الآخر، النظر إلى أسفل، رباعية بحري (أبو العباس، ياقوت العرش، البوصيري، علي تمراز) المينا الشرقية. وبطبيعة الحال ليست هذه كل أعمال جبريل الروائية، ولكن هناك روايات: الأسوار، إمام آخر الزمان، من أوراق أبي الطيب المتنبي، قلعة الجبل، الخليج، اعترافات سيد القرية، زهرة الصباح، بوح الأسرار، فضلا عن المجموعات القصصية: تلك اللحظة، وانعكاسات الأيام العصيبة، هل، حكايات وهوامش من حياة المبتلي، سوق العيد، انفراجة الباب، حارة اليهود، رسالة السهم الذي لا يخطئ، وغيرها من الأعمال الإبداعية التي هي أقرب إلى السيرة الذاتية أو الرواية التسجيلية مثل: حكايات عن جزيرة فاروس، والحياة ثانية، ومد الموج.
ويبدو أن حسني سيد لبيب استبعد من قراءته النقدية لأعمال جبريل الروائية، كل ما هو مكتوب خارج نطاق المكان (بحري) حيث ركز عدسته النقدية على حي بحري من خلال أعمال جبريل، فكان مخلصا للعنوان الذي اختاره لكتابه النقدي "روائي من بحري ـ سرد روائي عبر المكان"، متخذا منهج التحليل والمقارنة، بين الروايات الست (إذا أخذنا في الاعتبار أن رباعية بحري رواية واحدة، وليست أربع روايات). وفي هذا يقول في تقديمه للكتاب: "أما الجانب الروائي ـ موضوع كتابنا هذا ـ فإني شعرت بأن الدراسة لابد أن تتمحور عند دائرة معينة، فاخترت تلك الروايات التي اتخذت من الإسكندرية مكانا ومسرحا لأحداثها، حيث شكلت وجدانه (أي المؤلف) بصفتها وطن الصبا والشباب، ورغم أنه يقطن الآن في مصر الجديدة، إلا أن الإسكندرية لم تزل وحي إلهامه".
وفي جميع الأحوال فإن من يقرأ نقد حسني لبيب، يكون قد ألم إلماما لا بأس به بعالم الروايات التي تحدث عنها، فقد اضطر الكاتب إلى تقديم ملخص لكل رواية حتى يقف القارئ على عناصر السرد الروائي التي يتحدث عنها.
وإذا كان حسني سيد لبيب ليس ناقدا محترفا، كمجدي توفيق، ومصطفى الضبع، وأحمد صبرة، وعزازي علي عزازي، وغيرهم من نقادنا الشباب ـ فهو أديب قاص يهوى النقد ـ إلا أنه ـ من خلال كتابه "روائي من بحري" ـ استطاع أن يضع يديه بالفعل، على أهم مفاتيح العالم الروائي لمحمد جبريل، وخاصة هذا العالم الذي تجري أحداثه وتتناسل شخصياته في منطقة بحري بالإسكندرية مسقط رأس المؤلف. لقد وضع لبيب يديه على الكنز الذي يغترف منه محمد جبريل، وهو البيئة الشعبية في بحري، وكل ما ترتبط به من معتقدات وطقوس صوفية وجنسية، لذا نراه يخصص فصلا مستقلا في كتابه بعنوان "تضمين الموروث الصوفي في رباعية بحري".
وقد سبق أن ذكرت في دراسة لي عن رباعية بحري (نشرت في كتابي "الحياة في الرواية")، "أن التصوف والجنس في هذه الرباعية وجهان لعملة واحدة، هي الحياة البشرية في سموها وانجذابها نحو فك الأسر ومحاولة الانطلاق خارج حدود الزمان والمكان، وهذه الحياة في انحطاطها ودناوتها وسعيها إلى إشباع الغرائز السفلية بشتى الطرق". وأعتقد أن حسني سيد لبيب ينطلق في رؤيته لرباعية بحري من الزاوية نفسها.
وعلى الرغم من ذلك كنت آمل من الصديق حسني سيد لبيب أن يخلص بعد أحاديثه عن الروايات الست إلى نتائج محددة تكون في جوهرها خلاصة إبحاره وتحليلاته لعالم الرواية عند محمد جبريل.
غير أنني بلا شك سعدت بهذا الكتاب، لأنه جعلني أعيد قراءة أعمال جبريل الروائية مرة أخرى من خلال تحليل حسني سيد لبيب لها.
أحمد فضل شبلول ـ الإسكندرية