روح الشعر تجوب فضاء متحف أحمد شوقي

'كرمة بن هانئ' من أهم المتاحف الثقافية في القاهرة، يعرض مقتنيات أمير الشعراء ويروي سيرة حياته.
المتحف افتتح في العام 1977
المبنى يضم مكتبة سمعية تحوي تسجيلات لأداء غنائي لعبدالوهاب بحضور شوقي
أكثر من 750 مخطوطة ومسودة لأعمال الشاعر في المتحف

القاهرة - من علي عبدالفتاح
كرمة بن هانئ أو متحف أمير الشعراء أحمد شوقي، واحد من أهم المتاحف التاريخية الثقافية في القاهرة، يطل بنيانه على كورنيش النيل في الجيزة، كان هذا المتحف بيتا للشاعر والفيلا التي انتقل للعيش فيها بعد عودته من رحلة المنفى في إسبانيا، وقد قررت وزارة الثقافة بالتعاون مع وزارة الآثار تحويل المبنى إلى متحف يعرض مقتنيات الشاعر وسيرة حياته.
يقول د.صابر عبدالرحيم، أستاذ الأدب العربي بجامعة الزقازيق: متحف أحمد شوقي يمثل نبعًا للثقافة العربية من خلال الندوات التي تقام والأمسيات الشعرية ويأتي لزيارته وفود من السياح العرب والأجانب ليسترجعوا فترة تاريخية عاشها هذا الشاعر الكبير، فقد ولد شوقي في السادس عشر من يونيو/حزيران عام 1868م، ونشأ في منطقة الحنفي بمدينة القاهرة مع جدته لأمه حيث كانت تتمتع بثراء كبير وتعمل "وصيفة" في قصر الخديوي إسماعيل وعاش معها أحمد شوقي واستمتع بأهمية كبيرة داخل القصر، في طفولته حفظ القرآن الكريم ودرس مبادىء القراءة والكتابة وواصل مسيرة التعليم والتحق بكلية الحقوق، وكان شغوفًا باللغة الفرنسية، فأقبل على دراستها ثم سافر إلى فرنسا على نفقة الخديوي توفيق وتابع دراسة الحقوق في مونبليه، وهناك اطلع على الأدب الفرنسي ثم عاد إلى مصر سنة 1891.
ويضيف د.صابر: الفترة التي عاد فيها من فرنسا شغل مناصب وأعمال مهمة؛ فقد عين رئيسًا للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي، وفي سنة 1896م، انتدب لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين الذي عقد في جنيف بسويسرا، وقد بدأت مواهب شوقي الشعرية في التألق عندما كان طالبًا في مدرسة الحقوق.
 كما حرص خلال فترة وجوده في فرنسا على إرسال قصائد في مدح الخديوي توفيق؛ مما أهله بعد عودته إلى مصر أن يصبح شاعر القصر المقرب من الخديوي عباس حلمي الذي تولى الحكم بعد وفاة والده الخديوي توفيق.

في الطابق الأرضي تشاهد جناح محمد عبدالوهاب الذي يشمل مكتبة شوقي التي تحوي 332 كتابًا إضافة لمسودات مخطوطات لشعره بخط يده

المنفى وأثره
ويضيف د. صابر : تميزت شخصية شوقي بالوطنية؛ فكان دائمًا يهاجم الاحتلال الإنكليزي، مما اضطر إنجلترا إلى نفيه لإسبانيا سنة 1914 بعد مهاجمته الشديدة للاحتلال البريطاني وحق مصر في الحرية وتقرير المصير. وخلال فترة نفيه، تعلم اللغة الإسبانية وقرأ كتب التاريخ الخاصة بالأندلس واطلع على روائع الأدب العربي ومظاهر الحضارة الإسلامية في الأندلس، ونظم العديد من أبيات الشعر إشادةً بها وزار آثار وحضارة المسلمين في قرطبة وإشبيلية وغرناطة قبل أن يعود إلى وطنه سنة 1920.
ويقول د. صابر: جمع شوقي شعره في ديوانه الشوقيات الذي صدر في أربعة أجزاء.. أما الأشعار التي لم يضمها الديوان، فقد جمعها الدكتور محمد السربوني في مجلدين أطلق عليهما اسم الشوقيات المجهولة، واشتهر أمير الشعراء بشعر المناسبات الوطنية والاجتماعية والشعر الديني الذي خصص له العديد من القصائد، ومنها: سلوا النبي، والهمزية النبوية، ونهج البردة.
 كما توجد له ملحمة رجزية طويلة بلغت 1726 بيتًا بعنوان دول العرب وعظماء الإسلام نظمها في منفاه في الأندلس وكتب العديد من المسرحيات الشعرية؛ منها: علي بك الكبير ومجنون ليلى ومصرع كليوباترا وقمبيز وعنترة وأميرة الأندلس والست هدى، وشريعة الغاب والبخيلة، وكتب أيضًا الروايات ومنها: عذراء الهند والفرعون الأخير. وله في النثر كتاب أسواق الذهب ، وقد بايعه الشعراء العرب سنة 1927 أميرًا للشعراء؛ حيث كان حينها أكبر مجددي الشعر العربي المعاصرين واشتهر بالشعر الديني والوطني ويعتبر رائدًا للشعر العربي المسرحي. وتوفي أمير الشعراء في الرابع عشر من يونيو سنة 1932م.

تكريم لشاعر كبير
يقول د. عادل حسين، خبير الآثار في جامعة القاهرة: اتجهت الدولة إلى تخليد حياة الشاعر أحمد شوقي من خلال متحف أعد ليكون تكريمًا له، فقامت بتحويل بيته في الجيزة  إلى متحف، وقد أطلق أحمد شوقي على منزله "كرمة بن هاني" وقد اتخذ بناء المنزل تصميمًا مسرفًا لقصر أبيض اللون محاط بحديقة خضراء.
 افتتح المتحف رسميا في 17 يونيو/حزيران 1977. وترى في حديقة المتحف تمثال كبير للشاعر من البرونز قام بنحته الفنان المصري جمال السجيني، حيث تم إزاحة الستار عن التمثال في الذكرى الخمسين لوفاة الشاعر الكبير. من جهتها أمرت الحكومة الإيطالية في 1962 بصناعة تمثال لأمير الشعراء ليوضع في حدائق فيلا بورغيزي أحد أشهر وأكبر حدائق روما، بوصفه فنانًا عالميًّا. حضر حفل تدشين التمثال آنذاك وزيرا الثقافة في مصر وإيطاليا إضافة لعمدة روما وعدد من الفنانين العرب والشعراء والكتاب.
ويضيف د.عادل: في الطابق الأرضي من المتحف تشاهد جناح محمد عبدالوهاب والذي يشمل مكتبة شوقي التي تحوي 332 كتابًا إضافة لمسودات مخطوطات لشعره بخط يده. هناك أيضًا أعمال منسوبة للمطرب والملحن محمد عبدالوهاب الذي قدمه شوقي إلى الفن والذي قدم أعمالًا من أشعار أحمد شوقي.

تميزت شخصية شوقي بالوطنية؛ فكان دائمًا يهاجم الاحتلال الإنكليزي، مما اضطر إنكلترا إلى نفيه لإسبانيا سنة 1914 

 كما توجد مكتبة سمعية عالية التقنية في المتحف تحوي تسجيلات لأداء غنائي لعبدالوهاب بحضور شوقي. أما الطابق العلوي يتضمن غرفة نومه إضافة لغرفة نوم زوجته خديجة شاهين. كما يوجد بغرفة أخرى بالطابق العلوي أكثر من 750 مخطوطة ومسودة لأعمال الشاعر ومجموعة من اللوحات الزيتية والتحف والصور التي تتعلق بحياة الشاعر. كما توجد غرفة أخرى تحوي عددًا من الجوائز والأوسمة وشهادات التقدير والهدايا التي حصل عليها الشاعر الراحل. 
والمتحف يصنف ضمن المتاحف القومية ويتبع ثلاث وزارات. فمن حيث الإدارة والإشراف العام يتبع قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة وتشرف عليه وزارة الآثار كأثر إسلامي لوجود القاعة الشرقية بداخله والمُصممة على الطراز الإسلامي وتزين جدرانها الآية 177 من سورة البقرة، بينما تقوم وزارة الزراعة بالإشراف على حديقته.
ويضيف: من خارج سور المتحف، يمكنك أن ترى تمثالًا كبيرًا لأحمد شوقي وهو جالس ممسكًا في يده اليمنى وردة تعكس ترحيبه بزوّاره. بينما تحمل اليسرى ورقة تمثل رحلته مع الشعر، وهذا التمثال يعد أحد إبداعات الفنان التشكيلي جمال السجيني والذي أهداه للمتحف عام 1982 بمناسبة الذكرى الخمسين لوفاة أمير الشعراء، وقد رُمم المتحف عدة مرات منذ افتتاحه، كانت الأولى عام 1989 وظل مغلقًا حتى أُعيد افتتاحه عام 1996. (وكالة الصحافة العربية)