زعيم المقاومة الأفغانية يدعو طالبان للتفاوض مع تقدمها في بانشير

الولايات المتحدة تحذر من انزلاق الوضع في أفغانستان إلى حرب أهلية أوسع نطاقا بينما ينتظر أن تضع طالبان اللمسات الأخيرة على شكل نظامها الجديد بعد ثلاثة أسابيع من سيطرتها السريعة على كابول.
مجلس العلماء يدعو طالبان لقبول التفاوض ووقف القتال في بانشير
طالبان تفرض على الطالبات ارتداء عباءة سوداء والنقاب

كابول - تقدّم مقاتلو طالبان في ولاية بانشير، آخر جيب للقوات المناهضة في وقت حذّر فيه رئيس الأركان الأميركي من أن أفغانستان تواجه خطر الانزلاق إلى حرب أهلية أوسع نطاقا من شأنها أن توفر أرضا خصبة "للإرهاب"، بينما قال زعيم الجماعة الأفغانية المعارضة التي تقاوم قوات الحركة المتشددة في وادي بانشير شمالي العاصمة كابول اليوم الأحد إنه يرحب بمقترحات من مجلس العلماء بالتفاوض من أجل التوصل إلى تسوية لوقف القتال.

أعلن أحمد مسعود زعيم جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية ذلك على صفحة الجبهة على فيسبوك. وكانت قوات طالبان قالت في وقت سابق إنها دخلت عاصمة إقليم بانشير بعد أن تمكنت من تأمين المناطق المحيطة.

وسيطرت حركة طالبان على بقية أفغانستان قبل ثلاثة أسابيع عندما اجتاحت العاصمة كابول يوم 15 أغسطس/آب بعد انهيار الحكومة المدعومة من الغرب وفرار الرئيس أشرف غني من البلاد.

وقال مسعود في منشور على فيسبوك "جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية توافق من حيث المبدأ على حل المشكلات الحالية وإنهاء القتال على الفور ومواصلة التفاوض".

وأضاف "من أجل التوصل إلى سلام دائم، فإن الجبهة مستعدة لوقف القتال بشرط وقف طالبان أيضا لهجماتها وتحركاتها العسكرية في بانشير وأنداراب" في إشارة لمنطقة مجاورة تقع في إقليم بغلان.

وفي وقت سابق، ذكرت وسائل إعلام أفغانية أن مجلس العلماء المؤلف من رجال دين دعا طالبان لقبول التفاوض من أجل تسوية سلمية ووقف القتال في بانشير.

وكان مسعود الذي يقود قوات تتشكل من فلول الجيش الأفغاني النظامي وقوات خاصة وميليشيات محلية، قد دعا قبل اندلاع القتال منذ نحو أسبوع لتسوية عبر التفاوض مع طالبان.

وجرت محاولات عدة لعقد محادثات لكنها لم تكلل بالنجاح وتبادل الجانبان الاتهامات بشأن سبب فشلها.

وقال المتحدث باسم طالبان بلال كريمي في وقت سابق اليوم الأحد على تويتر إن الحركة سيطرت على مقر الشرطة ومركز منطقة رخة قرب بازاراك عاصمة الإقليم وإن قوات المعارضة تكبدت خسائر فادحة في صفوفها إضافة لأسر العديد وضبط مركبات وأسلحة وذخائر.

ووادي بانشير منطقة جبلية وعرة تقع إلى الشمال من كابول، وما زال حطام دبابات سوفييتية مدمرة يتناثر في أرجائه وأثبت عبر العقود صعوبة السيطرة عليه.

وقاوم وادي بانشير الجيش السوفييتي الغازي وحكومة طالبان السابقة التي تولت السلطة من 1996 إلى 2001، وذلك تحت قيادة أحمد شاه مسعود، الوالد الراحل للزعيم الحالي للجبهة.

لكن جهوده لاقت دعما من خطوط الإمداد المؤدية شمالا إلى الحدود والتي أُغلقت مع انتصار طالبان الكاسح الشهر الماضي.

والقتال في بانشير هو أوضح مثال على مقاومة حكم طالبان لكن مدنا أخرى شهدت أيضا خروج احتجاجات محدودة العدد دفاعا عن حقوق النساء أو عن العلم الأفغاني.

وإثر إلحاقها هزيمة خاطفة بالجيش الأفغاني الشهر الماضي والاحتفالات بمغادرة آخر الجنود الأميركيين الاثنين بعد 20 عاما من الحرب، تسعى طالبان لسحق قوات المقاومة التي لا تزال تدافع عن وادي بانشير.

وينتظر أن تضع اللمسات الأخيرة على شكل نظامها الجديد، بعد ثلاثة أسابيع من سيطرتها السريعة على كابول التي يشير محللون إلى أنها شكّلت مفاجأة للحركة الإسلامية المتطرفة ذاتها.

لكن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي شكك في مدى قدرة الحركة على ترسيخ سلطتها مع تحوّلها من قوة تخوض حرب عصابات إلى حكومة.

وقال ميلي لشبكة "فوكس نيوز" السبت "أعتقد أن هناك على الأقل احتمالا كبيرا جدا باندلاع حرب أهلية أوسع من شأنها أن تؤدي إلى ظروف يمكنها في الواقع أن تفضي إلى إعادة تشكل للقاعدة أو تنامي تنظيم الدولة الإسلامية أو مجموعات إرهابية أخرى".

ووسط مخاوف من اندلاع حرب أهلية جديدة في أفغانستان، حث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش جميع الأفغان على وقف العنف فورا وذلك في تقرير رفع إلى مجلس الأمن نهاية الأسبوع.

وكتب غوتيريش في الوثيقة التي لم تنشر بعد "أدعو إلى وضع حد فوري للعنف واحترام أمن وحقوق جميع الأفغان واحترام التزامات أفغانستان الدولية بما في ذلك جميع الاتفاقات الدولية التي تعهد بها هذا البلد".

وتعهّد قادة أفغانستان الجدد أن يحكموا بطريقة أكثر تساهلا من ولايتهم الأولى التي جاءت أيضا بعد سنوات من النزاع تمثّل أولا باجتياح القوات السوفييتية البلاد سنة 1979 أعقبته حرب أهلية.

ووعدت بحكومة "تشمل الجميع" تمثّل تركيبة أفغانستان العرقية المعقّدة، رغم أنه من المستبعد أن تتولى النساء أي مناصب عليا.

لكن جاء في مرسوم صادر عن نظام طالبان الجديد عشية إعادة فتح الجامعات الخاصة في أفغانستان أن على الطالبات ارتداء عباءة سوداء والنقاب وسيتابعن الفصول في صفوف غير مختلطة.

كما يتعين على الشابات المسجلات في هذه الجامعات مغادرة الفصل قبل الطلاب بخمس دقائق والانتظار في قاعات انتظار إلى أن يغادر أولئك المبنى، بحسب هذا المرسوم الصادر السبت والذي نشرته وزارة التعليم العالي.

سيُطلب من الجامعات "توظيف معلمات للطالبات" أو محاولة توظيف "أساتذة مسنين" بعد التحقق من أخلاقهم الحميدة، كما ذكر المرسوم.

وعندما وصلت الحركة الإسلامية إلى السلطة لأول مرة بين عامي 1996 و2001 ، حالت قاعدة حظر اختلاط الذكور والإناث دون تمكن النساء من الدراسة. وكان ارتداء البرقع حينها إلزاميا.

وقد تظاهرت عشرات النساء لليوم الثاني في كابول السبت للمطالبة بحق العمل والانضمام إلى الحكومة فيما أظهرت مشاهد فيديو مقاتلين من طالبان يحاولون تفريق المتظاهرات.

لكن وعودها لم تلق آذانا صاغية في بانشير وهو واد وعر شمال كابول صمد لنحو عقد في وجه الاحتلال السوفييتي ومن ثم خلال حكم طالبان الأول من العام 1996 حتى 2001.

وتخشى الحكومات الغربية من احتمال تحوّل أفغانستان مجددا إلى ملاذ للمتطرفين الساعين لشن هجمات.

وأكدت الولايات المتحدة أنها ستحتفظ بحقها في ضرب أي تهديدات لأمنها في أفغانستان.

ويتأقلم المجتمع الدولي مع حقيقة أنه سيتعيّن عليه التعامل مع نظام طالبان الجديد دبلوماسيا.

ومن المقرر أن يصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الاثنين إلى قطر التي تلعب دورا رئيسيا في مجريات الأحداث في أفغانستان وتستضيف المكتب السياسي لحركة طالبان. لكن لا يتوقع أن يلتقي الوزير عناصر الحركة.

وسيتوجّه لاحقا إلى ألمانيا لترؤس اجتماع وزاري يضم 20 بلدا بشأن أفغانستان إلى جانب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس.

ودعت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل الأحد إلى إجراء حوار مع طالبان. وقالت "علينا ببساطة التحدث إلى طالبان عن كيفية تمكننا من إخراج الأشخاص الذين عملوا لصالح ألمانيا ونقلهم إلى مكان آمن".

كما يتوقع أن يعقد الأمين العام للأمم المتحدة اجتماعا عالي المستوى بشأن أفغانستان في جنيف في 13 سبتمبر/ايلول يتطرق خصوصا إلى ملف المساعدات الإنسانية.