"زقاق المدق" يدق ناقوس الخطر

زقاق المدق هو أحد الأزقة المتفرعة من حارة الصنادقية بمنطقة الحسين بحي الأزهر الشريف بالقاهرة.
محسن السويدي: زقاق المدق مكان عريق ولذلك كتب عنه الكثير في الروايات وكان في الماضي إسطبلًا للخيول
علاء الأسيوطي: لم تعد الصورة التي رسمها نجيب محفوظ لها وجود الآن
هناك اختلافات كثيرة بين واقعية زقاق المدق وما صوره محفوظ في روايته

المكان القديم يلهم بذكريات تاريخية لا يمكن أن ينساها الباحث أو الدارس وحتى الشخص العادي؛ فهو يتأثر بسحر القديم، وقد يعتبره من أهم المزارات التي يذهب إليها، مثل قلعة صلاح الدين وخان الخليلي والحسين ومنطقة الجمالية والغورية والموسكي وغيرها.
وقد ألهمت الأماكن والأحياء القديمة الأدباء والشعراء، ومن أهمهم الأديب الراحل نجيب محفوظ الذي أصدر روايات تحمل أسماء تلك الأماكن التاريخية القديمة، ومنها: خان الخليلي وبين القصرين وقصر الشوق والسكرية و وزقاق المدق وغيرها.
يقول د. حسين  منتصر، أستاذ التاريخ المصري بجامعة القاهرة: لا بد أن نتذكر قيمة ما قاله العالم جمال حمدان عن عبقرية المكان في مصر؛ فالمكان هنا نبع التاريخ  والبطولة والمواقف التي ما زال يذكرها التاريخ، و"زقاق المدق" هو أحد الأزقة المتفرعة من حارة الصنادقية بمنطقة الحسين بحي الأزهر الشريف بالقاهرة. غير أن هذه المنطقة تتميز بأنها جزء من القاهرة الفاطمية والتي أسسها الحاكم الفاطمي المعز لدين الله الفاطمي منذ ما يزيد على ألف عام، ولتكون عاصمة الدولة الفاطمية بمصر، وزقاق المدق هو زقاق صغير شعبي يتفرع من شارع الصنادقية الموازي لشارع الأزهر، وقد ألف عنه نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل عام 1988، إحدى رواياته الشهيرة المسماة بنفس اسم الزقاق، وقد صور الأديب الكبير الحياة في هذا الزقاق تصويرًا أدبيًّا رائعًا كعادته وتحولت هذه الرواية إلى فيلم سينمائي قامت ببطولته الفنانة الكبيرة شادية.
ويضيف: زقاق المدق واحد من أشهر الأزقة، وهو لم يحصل على هذه الشهرة جزافًا، بل من خلال أصالته وقيمته التاريخية بحي الحسين بقلب القاهرة، وهذا ما حرك دواعي الكتابة عنه لدى الأديب العالمي المصري الذي وضع هذا الزقاق في مكانة عالية جدًّا بعد أن کتب عنه رواية منفصلة ألهبت خيال السينمائيين، فاختطفوها، لتتحول رواية وحكاية هذا الزقاق إلى فيلم سينمائي، ورغم ما بهذا الزقاق من وقائع وحقائق، إلا أن خيال الأديب وطموحات وتطلعات السينمائي تدخلا ليخرجاه ولو قليلًا من واقعيته؛ فهذا الزقاق الذي يمثل بقعة صغيرة في حي الحسين مازال على قيد الحياة يعاند مرة ويكابر أخرى وما زالت العروبة تتجول بين جنباته وتفاصيله.

تاريخ الزقاق
يقول محسن السويدي، أستاذ الآثار بجامعة القاهرة: زقاق المدق مكان عريق ولذلك كتب عنه الكثير في الروايات وكان في الماضي إسطبلًا للخيول، ويصفه نجيب محفوظ بأنه تحفة من العهود الغابرة، وبالرغم من زوال الكثير من معالمه، إلا أنك تشعر عندما تدخله بشعور غريب، حيث يهجم عليك عبق الماضي وتشعر وكأن قرون الماضي تعانقك بترحاب شديد وبدفء أکبر وكأن السنين تخلت عن صلابتها واستبشرت بك ضيفًا عزيزًا عليها.
فتوجد قهوة الحاج علي يوسف التي أخذ منها الزمان أکثر مما أضاف إليها،  وقد استخرج صاحبها ترخيصًا بإقامتها عام ۱۹۰۱، وكانت أول قهوة في القاهرة حيث كانت ملتقى لأهل الزقاق وقد تبدل حالها الآن وقل مريدوها بعد أن هجر الأهالي الزقاق للإقامة في مناطق أخرى، ولم يبق به سوی ثلاثة بيوت فقط، فأصبحت القهوة تغلق أبوابها مبكرًا بعد أن كانت تسهر لساعات طويلة ليلًا وكان مريدوها يستمعون للروايات الشعبية، ثم أدخل المسؤولون عنها بعد ذلك الراديو ثم التليفزيون ومن بعده الفيديو، ويفكرون الآن في إدخال الدش حتى لا يتوقفوا ويستمرون في السير مع الزمان.
ويضيف السويدي: بالطبع هناك اختلافات كثيرة بين واقعية زقاق المدق وما صوره محفوظ في روايته، ومثال ذلك ما جاء من بعض الأحداث في رواية نجيب محفوظ مثل صالون الحلاقة، فلم يكن هناك صالون بل حلاق يمر على الزبائن كل يوم. كما لم يكن لوكالة سليم علوان وجود، فالوكالات الكبرى كانت منتشرة في الصنادقية، ويوجد الآن داخل الزقاق نادي للفيديو ومصانع الملابس والجلود، وعندما تدخل الزقاق لا بد أن تصعد السلالم التي حلت محل الدحرورة، وبالزقاق توجد 3 بيوت مليئة بالسكان وهي ليست شققًا بالمعنى العصري، ولكنها غرف منفصلة مليئة بأحدث الأدوات الكهربائية، ولم يعد ينقصها سوى “الدش”  لتكتمل الصورة العصرية.
ويقول  د. علاء الأسيوطي، أستاذ الآثار بجامعة القاهرة: زقاق المدق الآن تغيرت معالمه وتغيرت صورته تمامًا، ولم تعد الصورة التي رسمها نجيب محفوظ لها وجود الآن؛ فقد هجر الأهالي معظم بيوتهم وتحولت المساكن إلى محال تجارية ومخازن لا تفتح إلا نادرًا وبيوتنا أصبحت مصدعة ومهددة بالانهيار علينا في أي وقت، ويضم الزقاق الآن مصنعًا حل محل المكوجي الذي رسم صورته نجيب محفوظ في روايته، ويعمل بهذا المصنع لفيف من الفتيات أکثر جرأة وحرية وقدرة على الاختلاط بالمجتمع ومواجهته بل وتحديه إذا لزم الأمر، فهن لم يعدن مثل حميدة التي ظهرت في رواية نجيب محفوظ وكأنها قادمة من عالم آخر عندما خرجت من الزقاق؛ فهن الآن يعرفن کل شيء ويتحدثن فی کل شيء وكأنهن يقلن نحن ننتقم لك يا حميدة ومن ظلم الزمان لك.

تغير الملامح
ويضيف د. علاء: تغيرت ملامح كثيرة للزقاق وتحولت مبان كثيرة إلى مصانع ومحلات، ويقال إن تسميته جاءت من وجود الدقاقين الذين كانوا يقومون بطحن العطارة بالهون النحاس والحجارة، وسكان الزقاق الآن لا يعرفون سبب هذه التسمية الحقيقية، إلا أنه يعود إلى العصر المملوكي، لكنه أصبح الآن واحدًا من آثار القاهرة التي يجب الحفاظ على ملامحها الأساسية حتى تحتفظ بخصوصيتها وعبقها التاريخي مهما تبدل الزمان وتقدم، ولكن المشكلة أن المكان أصابه الهزال وبعض البيوت القديمة انهارت، بل تحولت تلك البيوت إلى مخازن للتجار. وأعتقد أننا في حاجة إلى القيام بحملة كبيرة للعناية بحي زقاق المدق والأحياء الأخرى، مثل: السكرية وخان الخليلي ومنطقة الأزهر والحسين؛ إذ يجب أن تقوم الدولة بتجديد تلك المباني أو ترميمها حتى تظل رمزًا للتاريخ القديم، وليس من المعقول أن تتحول البيوت إلى مخازن للتجار ويهجرها الأهالي ويشتري التجار تلك البيوت لتصبح مجرد مخازن فقط. (وكالة الصحافة العربية)