زيارة أردوغان لتونس فجرت الصراعات داخل الديوان الرئاسي بقرطاج

أعضاء الديوان الرئاسي يتبادلون التهم بعد توجيه انتقادات لعملهم الذي كان ضعيفا وأظهر ارتباكا في التعامل مع الخطة الاتصالية للرئيس قيس سعيّد في الداخل والخارج.

تونس - أثارت استقالة عبدالرؤوف بالطبيب مستشار الرئيس التونسي قيس سعيّد، الكثير من التساؤلات في تونس بعد أن امتنع الدبلوماسي السابق عن تقديم الأسباب الحقيقية وراءها، في وقت يشهد فيه قصر قرطاج تجاذبات مع البرلمان والأحزاب، بعد أن أصبحت الرئاسة طرفا رئيسيا في مشاورات الحكومة الجديدة التي فشل حزب النهضة الإسلامي في تشكيلها منذ فوزه بالانتخابات التشريعية في أكتوبر الماضي.

وأكد بالطبيب استقالته الثلاثاء عبر مداخلة هاتفية على إذاعة "موزاييك" الخاصة مكتفيا بالإشارة إلى أن أسبابها "خاصة بعلاقته برئيس الجمهورية وإلى لأنه لا علاقة لها بالشأن المهني".

وكانت مصادر تحدثت عن هذه الاستقالة في ديوان الرئيس التونسي منذ أيام، لكن الرئاسة لم تؤكدها وبقيت غامضة خصوصا أن الدبلوماسي السابق الذي كان يعتبر "رجل الظل" في قرطاج لم يعد يظهر إلى جانب سعيّد خلال اجتماعاته.
وشن بالطبيب الذي تربطه علاقة شخصية قوية بسعيّد حيث كان يلازمه في كل تحركاته منذ تعيينه، هجوما لاذعا على رشيدة النيفر المستشارة الإعلامية للرئاسة، محذرا بالخروج عن صمته إذا واصلت استهدافه بالانتقادات وإلقاء اللوم عليه في كل ما يخص الأخطاء التي ارتكبت في الديوان الرئاسي.

وبعد مرور أكثر من مئة يوم على توليه الرئاسة دون انجازات تذكر مع عدم رضاء التونسيين على أدائه الذي تميز بمواصلة الغموض المتبع خلال حملته الانتخابية، أكدت مصادر تونسية عن نية قوية لدى سعيّد في تغيير كبير لديوانه الرئاسي إداريا وسياسيا بعد تراكم التقييم السلبي لعمل مستشاريه خصوصا بعد الجدل الذي أثارته زيارة الرئيس التركي الأخيرة إلى تونس. 

ووجهت انتقادات للرئاسة التونسية مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب أخطاء في الجانب الاتصالي وفي السياسة الخارجية للبلاد، حيث فجرت الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس أواخر ديسمبر الماضي، جدلا وغضبا شعبيا بسبب محاولة بعض الأطراف استمالة الرئيس بالاصطفاف ضمن المحور التركي في الملف الليبي.

كما زاد تعامل الرئاسة مع الصحفيين والغموض الذي انتهجته في الأسابيع الماضية حول السياسة الخارجية لتونس، المخاوف من عزلة الرئيس بسبب ضعف أداء أعضاء ديوانه والأشخاص المحيطين به في قصر قرطاج.

وأحدثت عدم مشاركة تونس في مؤتمر برلين بشأن الأزمة الليبية بالإضافة إلى تحدث عدد من الصفحات المشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعي باسم الرئيس، بلبلة وشكوكا حول صراع داخلي كبير بين أعضاء الديوان الرئاسي ما أثّر سلبا على عمله وعلى صورة البلاد في الخارج كما في الداخل.

صراعات داخلية كبيرة بين أعضاء الديوان الرئاسي وتدخل شقيق الرئيس في قرطاج أثّرت سلبا على في تعامل قيس سعيّد مع الإعلام وعلى صورة تونس في الخارج كما في الداخل

ونفى بالطبيب علاقته بزيارة أردوغان المفاجئة إلى تونس بعد أن وجت له اتهامات بتنسيقها والوقوف ورائها للتأثير على الرئيس.

وقال المستشار السابق للرئيس ''من السذاجة تصديق رواية أن أردوغان كان سيزور الجزائر وأنا تدخلت لدعوته.. هي زيارة رسمية، مصالح الرئاسة التركية اتصلت رسميا بمصالحنا في قرطاج، والرئيس قيس سعيد قبِل الزيارة، وهي تحسب لتونس لا العكس''.

وكان تعامل الرئاسة التونسية اتصاليا ضعيفا خصوصا خلال وبعد زيارة أردوغان، حيث بقيت في موقع الدفاع سواء ببيانات تنفي فيها بعض التصريحات أو بمواصلة سياسة الغموض والاكتفاء بالصمت، ما أثار غضبا ومخاوفا لدى الشارع التونسي في ظل تواتر الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وحمل بالطبيب هذا التقصير إلى "الجهاز الإعلامي لرئاسة الجمهورية"، مشيرا إلى أن هذا الخطأ تحمّله قيس سعيّد وأنه ليس تقصيرا فقط، بل "مغالطات وصلت حد طلب الرئيس منه التدخل للتوضيح"، في إشارة إلى المستشارة الإعلامية للرئاسة رشيدة النيفر.

ولم تكن علاقة قصر قرطاج بالإعلام جيدة منذ أن وصل سعيّد إلى الحكم، حيق لم يخاطب التونسيين إلا في مناسبات قليلة ولا يمتلك صفحات رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي بل كانت صفحات تتحدث باسمه سببا في الترويج للشائعات التي ميزت الأشهر الثلاث الأولى لحكمه وكانت مليئة بالعثرات والأخطاء.

كما اتهم نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مستشاري الرئيس بالتقصير وعدم إيصال صوت التونسيين إليه بعد وفاة طارق الدزيري أحد جرحى ثورة يناير 2011، وذلك بسبب الإهمال بعد أن تم الاتصال بالطبيب للتدخل بشكل عاجل لمعالجته لكنه لم يتفاعل بسرعة لإنقاذه.

ووفاة الدزيري هي الحالة الثانية بعد وفاة مماثلة للجريح محمد الحنشي، وأعاد هذا التقصير تسليط الضوء على ملف جرحى الثورة وتعاطي مختلف الحكومات مع مطالبهم ووضعياتهم الصحية والاجتماعية منذ سنوات.

وقالت مصادر أن هذا الملف كان سببا مباشرا في تأكد سعيّد من ضعف فريق عمل ديوانه، حيث اشتكت عائلة الدزيري للرئيس سوء معاملة مستشاري الرئاسة ومنعهم من التواصل معه لدى زيارته لتقديم واجب العزاء.

يذكر أن رشيدة النيفر المستشارة الإعلامية للرئاسة اتّهمت الطبيب بالوقوف وراء هذه الحادثة بسبب عدم إجابته على هاتف عائلة الدزيري وتحديد موعد لها مع سعيد. 

لكن النيفر نفسها تعرضت إلى انتقادات حادة بسبب تراجع الأداء الإعلامي لرئاسة الجمهورية، الذي مثل نقطة ضعف كبيرة لسعيّد منذ تعيينه إلى جانب الملف الدبلوماسي والسياسة الخارجية التي تمثل أهم صلاحيات يمكن للرئيس التدخل فيها مباشرة.

وردت النيفر اليوم الخميس خلال مداخلة على إذاعة خاصة على تصريحات الطبيب، بالتقليل من تداعيات استقالته على عمل الرئاسة.

وقالت "استقالة عادية جدا هناك من يغادر وهناك من ينضم وفي الأخير كلها اختيارات رئيس الجمهورية"، مشيرة إلى أنه لا توجد خلافات لها مع أي طرف وأن عملية "تقسيم المصالح في الديوان الرئاسي واضحة".

بالطب
رؤوف بالطبيب (على يسار قيس سعيد) كان يحضر كل اجتماعات الرئيس منذ دخوله قرطاج

وتأتي استقالة بالطبيب بعد أيام من استقالة مماثلة لشقيقه طارق من إدارة الديوان الرئاسي، حيث تم تعيين نادية عكاشة رسميا خلفا له يوم 28 يناير الماضي.

وكانت عكاشة ضمن فريق ديوان سعيّد في خطة مستشارة للشؤون القانونية، وهي باحثة في القانون الدستوري الدولي.

وأشادت النيفر بتعيين عكاشة قائلة إن "الديوان بصدد التجديد باعتماده على الطاقات الشبابية خصوصا أنه أصبح يضم اليوم 3 نساء، مؤكدة على أنها "مؤمنة بمشروع رئيس الجمهورية وستكرس كل طاقاتها لتحسين عمل دائرة الاتصال ".

كما كشفت مصادر مقربة من سعيّد عن سبب آخر للفتور في العلاقات بين سعيد ومستشاريه، بعد أن زاد الحديث مؤخرا في أروقة قصر قرطاج عن "ديوان مواز" مُمثل بشكل خاص في شقيقه نوفل سعيد، الذي أصبحت تدخلاته "العائلية" تمثل مصدر إزعاج للمسؤولين في الرئاسة.   

وتقول مصادر تونسية إن استقالة بالطبيب وشقيقه ليست الوحيدة التي توحي بصراع خطير داخل قرطاج، بل تحذر أيضا من الفراغ الكبير الذي سيحيط بالرئيس في مثل هذا الظرف الحساس الذي يكثف فيه جهوده لتمرير الحكومة الجديدة التي أوكل مهمة تشكيلها إلى إلياس الفخفاخ حسب ما ينص عليه الدستور، بعد فشل حركة النهضة الإسلامية في ذلك بسبب تشتت البرلمان والصراعات بين الكتل فيه.

ويحذر مراقبون من تأثير هذه الصراعات على تشكيل الحكومة الجديدة خصوصا أن بعض الأحزاب التي تريد فرض شروطها للمشاركة فيها ستجد الفرصة مناسبة للعب على وترها والاستفادة منها بالضغط خلال المفاوضات مع الفخفاخ.

وهذا الأسبوع، خرجت خلافات الرئيس التونسي وحركة النهضة إلى العلن، حيث لم يتردد رئيس الحزب الإسلامي الذي يرئس البرلمان أيضا في توجيه انتقاداته لقيس سعيّد، مؤكدا صحة الأخبار التي تداولتها وسائل إعلام محلية ودولية خلال الفترة الماضية.

وقال راشد الغنوشي خلال تصريح إعلامي الأربعاء بعد يوم فقط من اجتماعه بالرئسي التونسي، إن الأخير قد أخطأ باختياره الفخفاح لتشكيل الحكومة الجديدة.

يذكر أن النهضة التي فازت بأغلبية محتشمة في انتخابات أكتوبر الماضي، اختارت في السابق الحبيب الجملي لتشكيل الحكومة الجديدة لكن بعد أسابيع من الانتظار والمفاوضات والتجاذبات السياسية بسبب توزيع الحقائب الوزارية بين الكتل والأحزاب، رفض البرلمان تمريرها وأسقطت.

ويقوم الفخفاخ حاليا بمشاورات مع بعض الأحزاب في مقدمتها النهضة لتشكيل الحكومة الجديدة بعد أن كبفه الرئيس بذلك في 20 يناير الماضي.

ونفى بالطبيب ما راج حول تدخله في تعيين الفخفاف، مؤكدا أن سعيد "اختاره عن قناعة شخصية كما ينص على ذلك الدستور''.