زيارة اسرائيل.. بين السياسي والقانوني

الحديث عن زيارة ساسة عراقيين لإسرائيل هو معركة تسقيط بين الاحزاب لا أكثر.

في العام 2004 زار القيادي في حزب المؤتمر الوطني العراقي مثال الالوسي، اسرائيل، بدعوة من الاخيرة لحضور مؤتمر لمكافحة الارهاب! وحصل ان كشفت وسائل الاعلام تلك الزيارة (شبه السرية)، فثارت ثائرة الكثيرين من الساسة، او هكذا بدو امام الاعلام، مثلما اثارت مشاعر الراي العام العراقي. وعلى وقع ذلك، خسر الالوسي عضويته في الحزب لتلافي الحرج. لكن اجراء حكوميا لم يتخذ بحقه.

في العام 2005، كتب الدستور الدائم من قبل لجنة ضمت مختلف الطيف الوطني العراقي. وفي الخامس عشر من تشرين الاول من ذلك العام، استفتي الشعب عليه وأقر، على الرغم من اللغط الواسع الذي رافق عملية التصويت والظرف الذي اجري فيه. الشيء الذي نحن بصدده الان، هو ان الدستور لم يتضمن فقرة واضحة تجرّم زيارة اسرائيل، وبذلك لم يقاضَ الالوسي. وقيل انه كرر الزيارة لاسرائيل عندما اصبح نائبا، ما دعى بعض النواب الاسلاميين الى العمل على اسقاط عضويته، ونجحوا مؤقتا، لكن الرجل عاد، بعد ان كسب المعركة القانونية لاستعادة مقعده. وجاءت تلك البراءة نتيجة لعدم وجود مادة دستورية، تجرّمه، كما اشرنا. وقد اشار مؤخرا، المحامي والخبير القانوني طارق حرب الى ذلك، على خلفية الضجة التي اثارها خبر، نشر على موقع اسرائيلي، يتحدث عن زيارة مزعومة لعدد من الشخصيات السياسية العراقية، لاسرائيل.

الشيء اللافت في الامر، ان وسائل الاعلام الحزبية العراقية، تناولت الخبر او الاشاعة الاخيرة، من مداخل مختلفة، وجميعها لم تتجاوز الهجوم الاعلامي على الساسة الزائرين، ممن نشرت اسمائهم، فصاروا مادة للصراع بين القوى السياسية المتنافسة، لاسيما نحن نعيش اليوم، صراعا حادا ومحاولات تسقيط متبادلة، من خلال استثارة الشارع واللعب على مشاعره. لم يتحدث أي منهم عن الموقف القانوني من تلك الزيارة، او يدعو القضاء الى تحمل مسؤولياته، وهو ما ينبغي ان يحصل مع المواقف التي تترتب عليها اجراءات قانونية، وبالاخص تلك التي تتصل بالامن الوطني.

لا شك ان جميع الساسة يعرفون تمام المعرفة، ان الدستور الذي تقوم عليه العملية السياسية، لا يمانع من زيارة اسرائيل، وان الذين كتبوه موجودون بينهم، ومن ابرز رموزهم وقياداتهم. لكن احدا لم يتحدث عن ضرورة وضع تعليمات معينة، تعاقب من يزور اسرائيل، كنوع من الاستدراك، او لتفادي ما حصل في الدستور، الذي قيل انه كتب على عجل وتحت حراب المحتل، وقتذاك!

ان اقرار دستور 2005 يعد مكسبا للداعين الى التطبيع وانهم لن يتخلوا عنه، بل ان الذي يسعى الى غير ذلك عليه ان يتحمل استحقاقات موقفه. لذا فالموقف من اسرائيل، سواء بالرفض او القبول، يبقى موقفا سياسيا واخلاقيا، ومن الصعب جعله موقف دولة، لان ذلك يحتاج الى تغيير دستوري، لكن من الممكن ان يكون موقف حكومة، اذا ما اختارت المواجهة مع اسرائيل، تحت ظرف معين، كالاشتراك في حرب تقوم ضدها على غرار الحروب العربية السابقة التي شارك بها الجيش العراقي، وبموافقة برلمانية هذه المرة، وبخلاف ذلك، تبقى جميع الاصوات المتعالية بالرفض للزيارة، تعبر عن وجهات نظر سياسية او شخصية لا اكثر.

نحن هنا لا نتبنى موقف أية جهة او حزب في العملية السياسية او خارجها، سواء في سياق واقعة الزيارة المزعومة هذه او غيرها، بل هو تحليل لواقع ربما التبس على البعض فهمه في ظل تداخل الاصوات التي يضج بها الاعلام كل يوم!