زيارة بوتين للإمارات تعطي دفعة قوية للعلاقات الإستراتيجية

زيارة بوتين لدولة الإمارات تختزل في توقيتها ومضامينها حجم الاهتمام الروسي ببناء علاقات أوثق والتأسيس لمرحلة جديدة من التعاون والشراكة في المجالات الاقتصادية والسياسية.  

روسيا تلتفت إلى النموذج الإماراتي التنموي والإنساني
رغبة روسية إماراتية قوية في تعزيز العلاقات الإستراتيجية
بوتين يتوج زيارته للإمارات بحزمة اتفاقيات تؤسس لعلاقات أكثر متانة
 روسيا باتت تدرك أكثر من أي وقت مضى الثقل الوازن لدولة الإمارات
دبلوماسية الإمارات الهادئة تبني شراكات أوسع مع روسيا
بيئة الاستقرار السياسي والأمني في الإمارات تجذب الشريك الروسي

أبوظي - غادر الرئيس الروسي مساء الثلاثاء أبوظبي بعد زيارة أعطت للإمارات (وقبلها للسعودية)، أعطت دفعة قوية للعلاقات الثنائية والإستراتيجية وأسست لمرحلة جديدة من التعاون في مختلف المجالات برغبة مشتركة من البلدين.

وباتت روسيا تدرك أكثر من أي وقت مضى الثقل الوازن لدولة الإمارات في المنطقة التي اكتسبت تجربة رائدة في التعامل برصانة ودبلوماسية هادئة مع التطورات المتسارعة ومع موجة التقلبات الإقليمية والدولية في محيط مضطرب، مستفيدة من ارث الأب المؤسس في التعاطي مع الأزمات الدولية بحكمة وروية تفضي في خواتمها لحلول رسّخت دعائم السلام.

وقد أكد بوتين عشية زيارته للسعودية والإمارات في مقابلة مشتركة مع قناتي العربية وسكاي نيوز وروسيا اليوم، أن "الإمارات العربية المتحدة تسهم بدور مهم في حل أزمات المنطقة، وتلعب - دونما أي مبالغة - دورا يعزز الاستقرار"، مضيفا "لن أكشف سرا كبيرا إذا قلت إننا على اتصال دائم مع قيادة الإمارات العربية المتحدة، بل ونشأت لدينا تقاليد وممارسة معينة، فلدينا إمكانية ضبط ساعات نشاطنا".

ولم تكن شهادة الرئيس الروسي استثناء في خضم إشادات دولية بدور أبوظبي في دعم الأمن والاستقرار بالمنطقة وفي مكافحة الإرهاب والتصدي للتطرف ولخطابات الكراهية، وفق مقاربة شاملة تأخذ في الاعتبار البعد التنموي والتثقيفي والتوعي كأساس لنشر ثقافة الاعتدال والتسامح والتعايش بين الأعراق في مواجهة التشدد الديني الذي تبنته جماعات تعتاش على سفك الدماء والفرقة ونشر الفتنة وهي جماعات اكتوت روسيا ذاتها بنيرانها.

إلا أن شهادة الرئيس الروسي تأتي كدعامة أخرى للجهد الإماراتي وتأكيدا من لاعب دولي (روسيا) استعاد ثقله بعد أن اكتسب نفوذا واسعا في الشرق الأوسط وهي تشكل أيضا إدراكا لحجم التحولات في المنطقة التي بات فيها التحالف الإماراتي السعودي لاعبا محوريا على المستويين الإقليمي والدولي.

وشهدت العلاقات بين الإمارات وروسيا تطورا لافتا في السنوات الماضية استند إلى ثقة متبادلة ورغبة مشتركة في تعزيزها والارتقاء بها إلى مستوى أكبر من التعاون والتنسيق في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية.

وشكل النموذج الاقتصادي والتنموي لدولة الإمارات إلى جانب بيئة الاستقرار السياسي والأمني التي تتمتع بها أبوظبي من العوامل التي حفّزت روسيا للاستدارة نحو الشريك الإماراتي خلال الأعوام الماضية مع جهود لا تهدأ من الجانبين للرقي بهذه العلاقة إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية.

وتشير حزمة الاتفاقيات التي وقعها الجانبان اليوم الثلاثاء برئاسة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وضيفه الرئيس الروسي، إلى الآفاق المستقبلية للعلاقات بين البلدين.

ولم تكن الإمارات محطة عابرة بالنسبة للشريك الروسي الذي أبدى في الماضي رغبة قوية في تعزيز العلاقات الثنائية، لتتوج الجهود المشتركة في العام 2018 بتوقيع إعلان شراكة إستراتيجية بينهما تشمل المجالات السياسية والأمنية والتجارية والاقتصادية والثقافية، إضافة إلى المجالات الإنسانية والعلمية والتكنولوجية والسياحية.

وتختزل زيارة بوتين لدولة الإمارات في توقيتها ومضامينها حجم الاهتمام الروسي ببناء علاقات أوثق والتأسيس لمرحلة جديدة من التعاون والشراكة في المجالات الاقتصادية والسياسية.  

والاستدارة الروسية للشريك الإماراتي لم تكن محض صدفة بل كانت على أساس ما تحقق من انجازات خطتها الإمارات من السلف إلى الخلف على الصعيد التنموي والسياسي ما جعل منها نموذجا يمكن الاستفادة منه وإثراءه عبر تعاون أساسه التفاهم والاحترام.

وتستمد العلاقات الروسية الإماراتية قوتها من تفاعل دبلوماسي تاريخي بين البلدين منذ قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في العام 1971 فقد بدأت تكتسب زخما مع الاتحاد السوفييتي سابقا وتعززت في العام 1991 مع روسيا الاتحادية واستمرت بتبادل الزيارات والمشاورات وتعزيز التبادل التجاري على مدى السنوات الماضية وصولا إلى توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية في العام الماضي.

وكان للدبلوماسية الإماراتية الهادئة ولزيارات ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد لروسيا في مناسبتين (2016 و2018) دور مهم في تنشيط العلاقات الثنائية ودفعها نحو الشراكة الإستراتيجية.

الاستدارة الروسية للشريك الإماراتي لم تكن محض صدفة بل كانت على أساس ما تحقق من انجازات خطّتها الإمارات بثبات من السلف إلى الخلف على الصعيد التنموي والسياسي ما جعل منها نموذجا يمكن الاستفادة منه وإثراءه عبر تعاون أساسه التفاهم والاحترام

وقد وصل الرئيس الروسي إلى الإمارات بعد يوم من زيارة قام بها إلى السعودية وتم فيها تتويج التقارب بين موسكو والرياض عبر التوقيع رسميا على ميثاق التعاون بين "أوبك" والدول المنتجة خارج المنظمة وعلى مذكرات تفاهم واتفاقيات.

وقال بوتين لدى وصوله إلى أبوظبي "الشركاء الروس لا يقومون بتضليلكم. عائدات هذه الاستثمارات أعلى بكثير مقارنة بتلك التي في أسواق الدول الأخرى".

وتم توقيع ست اتفاقيات للتعاون خاصة في مجال الطاقة، وأخرى للاستثمارات المشتركة بين صندوق الاستثمار المباشر الروسي وصندوق مبادلة الإماراتي، بعد المحادثات التي جرت بين الرئيس الروسي وولي عهد أبو ظبي.

وتشمل هذه الاتفاقيات: مذكرة تعاون في مجال استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية واتفاق إطاري للتعاون الاستراتيجي بين شركتي غازبروم نفط وبترول أبوظبي الوطنية واتفاقية امتياز بين شركتي "لوك أويل" و"بترول أبوظبي الوطنية" لحقل "غشا" واتفاقية بين الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة وشركة "مبادلة" للاستثمار، للتعاون في تنفيذ المشروعات الوطنية، بما فيها مشاريع الذكاء الاصطناعي ومذكرة تفاهم بين وزارة الطاقة الروسية ووزارة الطاقة والصناعة الإماراتية للتعاون في مجال الطاقة واتفاق تعاون بين الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة وشركة النفط الروسية "لوك أويل" مع شركة "بترول أبوظبي الوطنية" الإماراتية.

واتفقت أبوظبي وموسكو على تعزيز التعاون لتحقيق توازن سوق الطاقة والتصدي للتطرف.

وعقد الشيخ محمد بن زايد جلسة مباحثات رسمية مع بوتين حيث تبادلا "وجهات النظر حول التطورات في الساحتين الإقليمية والدولية بشكل عام وفي منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط بشكل خاص".

ونقلت وكالة أنباء الإمارات عن ولي عهد أبوظبي قوله إن "إعلان الشراكة الإستراتيجية الذي وقعه البلدان خلال العام الماضي والذي يشمل المجالات السياسية والأمنية والتجارية والاقتصادية والثقافية والإنسانية والعلمية والتكنولوجية والسياحية وغيرها، كان بمثابة نقلة نوعية في مسار العلاقات الإماراتية - الروسية وأنه يعبّر عن توفر إرادة سياسية مشتركة للارتقاء بهذه العلاقات ودفعها إلى آفاق أرحب، كما يمثل هذا الإعلان إطارا أساسيا للعمل المشترك من أجل مستقبل أكثر ازدهارا للعلاقات بين البلدين خلال الفترة المقبلة".

وتابع أن "البلدين طرفان أساسيان في العمل على استقرار وتوازن سوق الطاقة العالمي من خلال الحرص على أمن إمدادات الطاقة والتعاون في ما يخص أسعار النفط ويتفقان حول ضرورة التصدي لخطر التطرف والإرهاب والقوى التي تقف وراءه وتدعمه باعتباره أكبر تهديد للسلم والاستقرار والأمن على الساحة الدولية ومصدرا للكراهية والتعصب بين الأمم والشعوب".

كما أكدّ الشيخ محمد أن أبوظبي وموسكو تعملان معا من أجل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط استنادا إلى مبدأ الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها ووحدتها باعتبارها ركيزة هذا الاستقرار.

وكان أمن منطقة الخليج أيضا في صلب محادثات الشيخ محمد وضيفه فلاديمير بوتين. وقال ولي عهد أبوظبي، إن "أمن منطقة الخليج العربي يمثل مصلحة دولية وليست إقليمية فقط بالنظر إلى الأهمية الإستراتيجية الكبيرة للمنطقة بالنسبة إلى العالم كله خاصة على المستوى الاقتصادي"، مضيفا أن "دولة الإمارات حريصة على ضمان إمدادات النفط من المنطقة إلى العالم وحرية الملاحة في الممرات الملاحية الدولية فيها من منطلق ثوابتها كدولة مسؤولة على الساحة الدولية".

وأشار الرئيس الروسي من جانبه إلى أن العلاقات بين البلدين على مسار التطور في جو ودي وبناء، مضيفا أنه وفقا لإعلان الشراكة الاستراتيجي بين أبوظبي وموسكو فإن العلاقات التجارية والاقتصادية تتسع وتشمل مختلف الجوانب".

وشدد بوتين على أهمية الشراكة ببين البلدين، قائلا  "روسيا والإمارات شركاء في العديد من الاستثمارات خاصة في مجال الطاقة والطاقة النووية السلمية إلى جانب التنسيق بين سياسات البلدين في أسواق النفط والتعاون في مجال استكشاف وعلوم الفضاء".