زيارة نتنياهو: تخصيب لضربة إيرانية جديدة أم نووي دبلوماسي
يحاول عباس عراقجي وزير الخارجية الإيراني في هذه الأيام، إنقاذ رأس دبلوماسية بلاده مع واشنطن من احتمال التعرُّض لـ”مطرقة منتصف ليل” جديدة، كما حدث في الـ22 من يونيو الماضي والذي أدَّى إلى إحداث ضررٍ كبير في رأسها النووي خاصة منشأة فوردو التي تُمثِّل الجبهة العريضة لهذا النووي.
كان لقاء عراقجي مع قناة CBS نيوز الأميركية في الأول من يوليو شبيهاً بقبعة إعلامية، لحماية حظوظ إيران الدبلوماسية من تداعيات طائرة الزيارة المرتقبة لبنيامين نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل في السابع من هذا الشهر. الضيف القادم من تل أبيب دائماً ما نجح في عرض مشاكل الشرق الأوسط أمام واشنطن كمسامير ناتئة تحتاجُ إلى مطرقةٍ عريضة الرأس.
وزير الخارجية الإيراني يسعى لتحييد الإدارة الأميركية عن المشاركة في أيَّ فعلٍ حربي إسرائيلي ضد بلاده في المستقبل القريب. حيثُ توقع عدد كبير من المراقبين السياسيين قيام تل أبيب بالمزيد من أفعال الحرب ضد إيران خلال أسبوع. لا أعرف لماذا لم يرفعوا السقف قليلاً ليُرجِّحوا حدوث ذلك حتى قبل زيارة بيبي إلى واشنطن أو أثناءها. عراقجي بيَّن كذلك وفي نفس هذا اللقاء الإعلامي خلو أبواب دبلوماسية طهران من أيَّة أقفال ولهذا فهي "لن تُغلق أبدا." لكنه أفصح أيضاً بأنَّ العودة إلى المحادثات مع واشنطن لن تكون بالسرعة التي يريدها الرئيس ترامب. إيران تريدُ معرفة ما سيضعهُ بيبي على الطاولة أولاً.
إيران عموماً وبعد أن استبعدت دول الخليج العربي من إمكانية الرد على أيّ ضربة أميركية محتملة بحسب بياناتها الرسمية الأخيرة، قامت بتهيئة مسرح العراق كصالة عرضٍ كبيرة لهذا الرد. في حساباتها العراقية لن تكون التداعيات ضخمة بل محدودة إقليمياً وعالمياً. يجب الاعتراف بأن سياسات العراق الخارجية التي تستأهِلُ وصفها بـ"فأر هامستر" يدور في الدولاب الإيراني” تُشجِّع هذه المحدودية. ميليشيات هذا الدولاب قامت في الأيام القليلة الماضية بإجراء عدَّة بروفات، شملت مطارات وقواعد عسكرية ومصافي وقود. حرص وكلاء إيران قبلها على تسخين بيئة العراق السياسية بجدل رواتب “الحشد الشعبي”. تلك المؤسسة التي تعمل لصالحهم كمنظومة دفاع سياسي ضد باليستي العقوبات الدولية وراداراتها الأممية.
نتنياهو "بطل الحرب" الإيرانية وصديق الرئيس ترامب سيزور واشنطن للمرَّة الثالثة خلال أقل من ستة أشهر، ليحمل معه تصوَّرات حل تعقيدات ملفات إيران ووقف إطلاق النار في غزة وتُهم الفساد التي تطاردُه، وتحقيق صفقة إطلاق الرهائن بكلفةٍ معقولة على حظوظ مستقبله السياسي وائتلافه الحكومي. ترامب سينظرُ إلى تلك الحلول كحلوى دبلوماسية وبيبي يُجيد تغليف الحلول باشتراطاتٍ صعبة على الجميع إلَّا عليه.
الخلطة التي ستضمنُ تذوقاً سلساً لترامب لن تكون سوى توفير حليف لنتنياهو كبديلٍ عن سموتريتش وبن غفير. يائير لابيد أبرز المعارضين لنتنياهو قد يستعد للنزول إلى مستطيل لُعبة التحالفات مع الأخير، علماً بأنَّ لابيد بيَّن في وقتٍ سابق استعدادهُ للتحالف مع نتنياهو إذا قرر التخلَّي عنهما. هذه الأيام هو منشغل إعلامياً برفض تدخل الرئيس الأميركي لصالح نتنياهو في قضايا الفساد التي تلاحقه، لكن ربّما في الغد ومما لن يُنقِص دهشتنا قد يقبل إن كان الثمن وعداً له بتنصيبهِ رئيساً للحكومة في توقيتٍ يُناسب بيبي. أمّا إيهود أولمرت الخصم السياسي اللدود لنتنياهو فيبدو أنهُ يحرق ببطء صورته كرجلٍ قوي على شاشات الفضائيات، ومن المستبعد أن يكون قادراً على إشعال حظوظه السياسية من جديد.
الرئيس ترامب مضطر إلى اللعب لصالح بيبي فالضربة الجوية الأميركية ضد مواقع إيران النووية نجحت عالمياً لكنها فشلت في الداخل الأميركي. قاعدة الـMAGA التي يعتمدُ عليها الرئيس شعرت بالرعب من تعبيد طريق عودة سياسات "إسرائيل أولاً" في إدارته كأسلافه. مارغوري تايلور غرين النائبة الجمهورية التي تؤمن بالرئيس ترامب، كشفت عن ذلك في حوارها مع تاكر كارلسون في الـ27 من يونيو/تموز. غرين وكارلسون أشارا إلى حربٍ خفيَّة تقوم بها جماعة "إسرائيل أولاً" ضد مجموعة "أميركا أولاً" داخل الحزب الجمهوري. النتيجة، هو يحتاجُ بيبي كي يقنع قاعدته الانتخابية بأنَّ الطريق إلى "أميركا أولاً" يمر عبر "إسرائيل أولاً".
نجاح زيارة بيبي إلى واشنطن والذي يتمتعُ بشعبية رأس دبوس في العالم، ولا ترقى حتى لتكون دبوساً كاملاً بحسب استطلاعٍ لمركز بيو في الـ3 من يونيو/تموز الماضي، يحتاجُ استسلاماً غير مشروط لمطرقة ترامب، وافتراض أن إيران لن تتعرَّض لضربةٍ إسرائيلية أُخرى على بطنها السيادية بقدمٍ أميركية، أو تنشيط ملف الأقليات على الأرض الإيرانية، وإشعال حرائق جانبيَّة في سوريا وكردستان العراق.