زيدان يروي حكاية الراوي في النص الشعري

كتاب محمد زيدان يبحث عن علاقات أكثر حميمية في النص الشعري عندما يولي عنايته بالعلاقة الناشئة بين حركة السرد بأبعادها المختلفة وعناصر فنية داخلة في بناء القصيدة.
فاعلية الرواي تتراوح بحسب قرب السارد من الحكائية الصرفة، أو التشكيلات التي تتضمن الحكائية
وجود الراوي أمر حتمي في السرد الشعري الحكائي

القاهرة ـ من أحمد مروان

هل من الممكن اعتبار البحث عن السرد في النص الشعري بحث عن الحركة والفعل والصراع، وعن مزيد من تشكيل النص وانفتاحه على آفاق جديدة من التعبير البلاغي والأسلوبي؟
في كتابه "حكاية الراوي في النص الشعري" يؤكد د. محمد زيدان أن التركيز على الراوي بشكل خاص، يعتبر تركيزا على الفاعل الأكبر في الحكاية، وتحديدا لأبعادها في النص الشعري، لأن وجود الراوي يُصبح حتمياً في السرد الشعري الحكائي، ثم تتراوح فاعليته بعد ذلك بحسب قرب السارد من الحكائية الصرفة، أو التشكيلات التي تتضمن الحكائية، ولذلك ركز البحث على وجود الراوي، وعلاقاته المختلفة، والتي تتشكل على أثرها أشكال السرد وتقنياته المتنوعة إذا اعتبرنا أن الحكاية يمكن أن تتسع رقعة التشكيلات الدرامية والأسلوبية فيها لتشمل المجاز والحركة بالإضافة إلى عناصر الحكاية، من مكان وزمان وشخصيات وفضاءات.
انطلاقا من هذه الرؤية يأتي التركيز على التداعيات الحكائية في النص الشعري، والتي توجد بفعل راو متحرر من العلاقات الحكائية، وقريب في الوقت نفسه من التقنيات الجديدة وتراسل الفنون في النص، ثم يبرز دور الإشارات التراثية، بما تحمله من زخم نفسي وفكري يسهم بدور كبير في جعل النص أقرب إلى الانفتاح من التداعيات الحكائية، وبخاصة إذا كانت هذه التداعيات غير مقيدة بأطر حركية وسردية معينة، وينوع الشاعر في استخدامه لهذه الإشارات بحسب رؤيته أولاً، ثم الرؤية التي تحملها، فنجد الإشارات الأسطورية والرمزية تحتل مساحة مهمة من مساحات انفتاح النص الشعري على جماليات لغوية وحكائية خصبة.

شعراء معينون قد برعوا في السرد الشعري وربطه بأشكال تعبيرية معينة تسهم في انفتاح النص على مزيد من جماليات التراث والواقع، مثل أمل دنقل

ويؤكد المؤلف أن الراوي يعتمد على إطار حكائي في القصيدة، فإنه يصل بالنص إلى أعلى درجاته اللغوية السردية التي يتعامل معها السرد الشعري، وهو اتجاه قليل في الشعر المعاصر، يعتمد على ثقافة الشاعر والعصر، والجماليات التي يتعامل معها السارد، وفي أحايين كثيرة كان الشاعر ينفصل عن الواقع ليقدم رؤية ملتصقة بالتراث والرمز والأسطورة التصاقاً يوحي ظاهرياً بعملية الانفصال عن الواقع، ولكن في الوقت نفسه تعيد تشكيل الواقع وعلاقاته المختلفة برؤية تضمينية، ولا يكتفي الراوي الجديد بذلك بل يحاول المزاوجة بين رؤية التاريخ والواقع بصورة جلية في تقنيات حكائية جديدة تنفعل بشكل واضح بالواقع والذات المتجادلة مع أطراف المعادلة الجمالية المتمثلة في الشاعر، والتراث والقيمة التي يتعايش معها، بالإضافة إلى الأسلوب المعاصر.
ويرى أنه إذا ابتعد الشاعر عن الحكائية المؤطرة، ليدخل في غمار الحكاية الحرة المنفتحة على ذاكرة الشاعر والواقع، فإن النص يكتسب بذلك أبعاداً أخرى تتفاعل بدورها مع عناصر أسلوبية وفنية تخلط بين الخصائص الجمالية للشعر والخصائص الجمالية للقصة.
حميمية النص الشعري
بحث الكتاب عن علاقات أكثر حميمية في النص الشعري عندما يولي عنايته بالعلاقة الناشئة بين حركة السرد بأبعادها المختلفة وعناصر فنية داخلة في بناء القصيدة، ومن هذه العناصر المهمة، الإيقاع الذي يتجادل بطريقة فاعلة مع الوحدات السردية، التي تشكل ملامح صرفية ونحوية مميزة للنص، ومع عناصر أخرى تتصل بالتداعيات والإشارات الحكائية والصراع والدراما، وهكذا يكون البحث قد بدأ خطوة ذات بعدين على طريقة انفتاح النص الشعري على السرد هما: الأول: بعد الحكاية وعناصرها المختلفة، الثانية: بعد التشكيل الداخلي للنص.
وهذا البحث يأتي مكملاً لبحث سابق للمؤلف عن مستويات السرد في النص الشعري، ولكنه أكثر التصاقاً بعنصر واحد من عناصر التشكيل، وهو الراوي، وما ينتج عن وجوده من إبراز آليات تقيم أشكالاً سردية تتفاعل مع فنيات حكائية وغير حكائية مختلفة، ومن هنا يطمح الباحث لأن يكمل مسيرة البحث عن عناصر الحكاية من فعل وشخصيات وزمان ومكان بصورة أكثر تخصصاً، وهذا لا ينفي بأن البحث أشار بشكل لافت إلى هذه العناصر، وطريقة بنائها للنص. 

اتساع رقعة التشكيلات الدرامية والأسلوبية
اتجاه قليل في الشعر المعاصر

ومن هنا فإن عودة السرد إلى النص الشعري هو عودة إلى ثلاث حركات فاعله في تطوره "الذات – الحركة – الصراع" وعودة إلى آفاق وتشكيلات جمالية تتصل بواقع الإنسان والعصر، وما ينتج عنها من أشكال تعبيرية وأسلوبية لها خصائصها المميزة التي تتيح للشاعر المزيد من الانفتاح على عوالم جمالية تقودها عناصر الحكاية والعلاقات الخارجية والداخلية التي تشكل الإطار المخصوص للشعر والحكاية، وتقدم بوحاً ملهماً للشعراء ليقدموا الحياة بشكل يتوازى مع ما تنتجه هذه الحياة من دهشة وفرح وانكسار وغيرها، مما يتيح كتابة شعرية مميزة.
ومن اللافت أن شعراء معينين قد برعوا في السرد الشعري وربطه بأشكال تعبيرية معينة تسهم في انفتاح النص على مزيد من جماليات التراث والواقع، مثل أمل دنقل، كما يرتبط اتجاه التداعيات بأسماء أخرى، وكذلك الاتجاه الفني للشاعر وجيله وتجادلهما في توجيه النص نحو السردية.
ويضم الكتاب بين دفتيه مقدمة وخمسة فصول، الفصل الأول كان موضوعه: من الراوي في النص الشعري، حيث تناول الصوت السردي والسرد والعلاقات المجازية والموقف السردي الذاتي. أما الفصل الثاني فتناول "السرد وحكاية القول" وناقش موضوعات الحوار أحادي الصوت والحوار مزدوج الصوت والحوار السردي الضمني وسرد التداعيات الحكائية.
وتعرض الفصل الثالث لموضوع "السرد والتشكيلات الحكائية". وتناول الفصل الرابع: الحكاية التراثية في الشعر المعاصر، وناقش الحكاية عن الذات وحكاية الصوت الآخر وخطاب الآخر في التشكيل السردي .
وكانت "الحكاية التراثية وبناء النص" موضوعا للفصل الخامس، وناقش الإشارات الحكائية والسياق النصي والحكاية في النص الشعري.
يذكر أن كتاب "حكاية الراوي في النص الشعري" للدكتور محمد زيدان، صدر مؤخرا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة .(وكالة الصحافة العربية)