سايكس بيكو والحدود المقدسة

الفدرالية واقع في المشرق العربي اليوم أسست لها انتهاكات الحدود من اللاجئين والجيوش الغازية والتنظيمات المتطرفة على حد سواء.
أمسك مارك سايكس بالقلم قائلا إنه يريد أن يرسم خطأ يبدأ بعكا وينتهي بكركوك
اذا كان الغرب الذي أسس لسايكس-بيكو يقوم اليوم بالدوس عليها فلماذا نعتبرها مقدسة
نحو كيان مشرقي جديد يلبي المصالح الاقتصادية والأمنية ويراعي الوحدة الثقافية والتاريخية

في عام 1916 جلس مسؤول الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية السير مارك سايكس (توفي بعد ثلاث سنوات اثر اصابته بالأنفلونزا الاسبانية) والديبلوماسي الفرنسي جورج فرنسوا بيكو حول مائدة في مقر وزارة الخارجية البريطانية في وايتهول وسط لندن، ووضعت أمامهما على الطاولة خارطة المشرق العربي، فأمسك سايكس بالقلم قائلا: إنه يريد أن يرسم خطأ يبدأ بحرف الألف ويقصد عكا كما تكتب بالانكليزية وينتهي بحرف الكاف نسبة لكركوك كما يروي الكاتب البريطاني جيمس بار في كتابه "خط في الرمال" (2011). فكانت حصة بريطانيا تشمل فلسطين والاردن والعراق اضافة لمصر، بينما كانت حصة فرنسا سوريا الحالية ولبنان اضافة للموصل والمغرب العربي.

هذا التقسيم الذي بني على أساس تقاسم النفوذ بين الدولتين الاستعماريتين الكبيرتين في ذلك الوقت كان الأساس الذي تمخضت عنه حدود الدول في المشرق العربي مع بعض التعديلات.

وبالنظر للتخلف الشديد للشعوب التي تقطن تلك المنطقة وقلة عدد سكانها نسبيا في ذلك الوقت، وحداثة خروجها من رحم الامبراطورية العثمانية فقد ترسخت تلك الحدود دونما أي عائق.

لكن رسمها جاء بعملية فرض خارجية صممت لصالح تقاسم نفوذ دول استعمارية ولم تكن نابعة من الحقائق التاريخية والديموغرافية والثقافية لشعوب المنطقة، ولا لمصالحها الاقتصادية والدفاعية فذلك لم يكن موضع نظر تلك الدول الكبرى أو ربما كان موضع اهتمام من وجهة نظر سلبية تضمن عدم تشكل دولة كبيرة وقوية في هذه المنطقة.

بعد مئة عام على تنفيذ تقسيم المنطقة، أثبت التاريخ أن حدود سايكس بيكو كانت مقدسة فقط بالنسبة للأنظمة السياسية التي تعاقبت على تلك الدول، وهي محرمة فقط على شعوب تلك المنطقة العربية.

في العشرين عاما الأخيرة اخترقت تلك الحدود بدون رحمة وتم تمزيقها عشرات المرات.

وبصورة خاصة وبعد بداية الربيع العربي في 2011 عبرت تلك الحدود الملايين من سوريا الى لبنان والاردن، وعبرتها جيوش عربية وأجنبية من العراق الى سوريا ومن لبنان الى سوريا ومن سوريا الى العراق، وداست عليها أميركا وتركيا وروسيا، وألغتها لفترة زمنية ليست قليلة تنظيمات متطرفة، ومازالت حدود سوريا مفتوحة في الشرق والشمال والغرب.

فماذا بقي من تلك الحدود؟

والسؤال الآن: اذا كان الغرب الذي أسس لسايكس بيكو ولحدودها يقوم اليوم بالدوس عليها فلماذا نحن الشعوب مازلنا نعتبرها مقدسة؟

ولماذا لا يتحرر العقل العربي من تابو تلك الحدود ويفكر في كيان سياسي يضم بلاد الشام والعراق على أساس فدرالي.

هم يريدون سوريا فدرالية فلماذا لا تقلب الشعوب عليهم الطاولة وتخرج الدعوة الى كيان مشرقي جديد يلبي المصالح الاقتصادية والأمنية ويراعي الوحدة الثقافية والتاريخية لشعوب المنطقة.

لنترك سوريا وننظر الى لبنان اليوم، لبنان الذي تقل مساحته عن مساحة محافظة من محافظات سوريا، ومع ذلك ينتشر بين نخبه السياسية تفكير جاد في تحويله الى فدرالية.

أما العراق فالدولة المركزية فيه قد ضعفت في الواقع الى حد كبير، ومنذ فترة طويلة يجري الحديث عن استبدالها بفدرالية.

حسنا، اذا كانت الدولة المركزية في كل من سوريا ولبنان والعراق قد أفلست ويجري النقاش عن فدراليات بديلة، فلماذا لا يجري الحديث عن فدرالية تضم الكيانات الثلاثة على الأقل، فدرالية تترك متسعا لكل المكونات القومية والأثنية وغيرها لتعب عن نفسها بحرية وبادارة ذاتية كما هو الحال في الولايات الأميركية على سبيل المثال.

لقد سقطت حدود سايكس بيكو فلماذا نظل نقدسها؟