ستختفي إمبراطورية الفرس من أجل الجمهورية الإسلامية
لا تثق إيران بالولايات المتحدة التي تبادلها عدم الثقة. بالنسبة للإيرانيين قد لا تقبل إدارة الرئيس ترامب على رفع العقوبات الاقتصادية مهما كان حجم التنازلات التي سيقدمونها وهي تنازلات تضر بسمعتهم العقائدية. أما بالنسبة للولايات المتحدة فإنها تخشى أن تكون روح المناورة قد تمكنت من العقل السياسي الإيراني بحيث يٌخفي الإيرانيون خططهم الحقيقية من أجل أن يبدوا كما لو أنهم صاروا عمليين وواقعيين وهو ما يعني أنهم غادروا عباءة الإمام الخميني لتكون بلادهم جزءا من العالم المعاصر. وهو أمر غير صحيح.
المطلوب أميركيا من إيران أن تتخلى عن برنامجها لعسكري النووي التي أنفقت عليه مليارات الدولارات والمطلوب إيرانيا من الولايات المتحدة أن ترفع العقوبات التي دمرت اقتصادها. ولكن مَن يسبق الآخر إلى إنجاز ما هو مطلوب منه؟ لن تكون الولايات المتحدة مضطرة إلى إزاحة كابوس العقوبات عن كاهل النظام الإيراني وإراحته قبل أن يقدم الدليل الدامغ على أنه اختار السلم بدلا من الحرب مستقبلا لوجوده ولعلاقته بالعالم. في المقابل فإن إيران لا تملك أوراقا كثيرة للتفاوض. ورقتها النووية هي الشبح الذي يمكن أن تخيف به وهي لن تتخلى عنها إلا إذا تأكدت من أن هناك مكافأة مجزية. لن تكون المكافأة هذه المرة شبيهة بمكافأة باراك أوباما الذي كان سخيا معها وفي خياله ما يمكن أن تؤديه إيران على مستوى ضرب الاستقرار في المنطقة والتسريع في وصول قوى الإسلام السياسي إلى الحكم في العالم العربي.
إدارة ترامب لن تكافئ أحدا وهي التي تبتز الآخرين.
ولكن الطرفين يدركان جيدا أن فشل مفاوضاتهما سيضعهما في مواجهة الشك الإسرائيلي الذي هو عقيدة ثابتة أكثر مما هو فكرة مؤقتة. بعد حروب إسرائيل في غزة ولبنان وسوريا وبشكل غير مباشر في اليمن صارت حكومة نتنياهو على قناعة بان ضرب إيران وبالتحديد القضاء على آمالها النووية هو الوسيلة الوحيدة التي تضمن لها أمنا طويلا الأمد. وإذا ما كانت إسرائيل قد أنجزت جزءا من استراتيجيتها لوحدها حين ألحقت بإيران هزيمة ماحقة في لبنان وغزة وسوريا فإنها لن تطمئن إلى سلامتها مستقبلا إلا إذا انتهت من المشروع النووي الإيراني مثلما انتهت من قبل من المشروع النووي العراقي. ولأن الولايات المتحدة تعارض ذلك غير أنها لا تتحمل مسؤولية الإعلان عن موقفها فإنها ستبتز الإيرانيين به. ستقول لهم "لن أحميكم من إسرائيل ولم أضمن لكم أنني لن أساهم في ضربكم".
"عليكم أن تسابقوا الزمن فهو ليس لصالحكم" تلك نصيحة يضعها الأميركي بين يدي الإيراني وهو ينظر إلى الساعة الإسرائيلية. ذلك يعني أن إيران لا تملك الكثير من الوقت. ما لا يصدقه الإيرانيون أن زمن لعبهم مع إسرائيل قد انتهى. ليس في الإمكان اليوم الضغط على الولايات المتحدة من خلال تهديد أمن إسرائيل. فقدت إيران كل أسلحتها وغيب الموت وكلاءها. يوم كانت جزءا من الحل الروسي للعقدة السورية كان في إمكانها أن تقوى على ابتزاز إسرائيل أو وهو الأصح ابتزاز أميركا إسرائيليا. اليوم تبدلت الأحوال. لم تعد الرواية القديمة قائمة بعد أن اختفى الرواة في غزة ولبنان وسوريا. إيران اليوم هي أضعف من أن تصنع مشهدا إقليميا تكون إسرائيل طرفا مهدَدا فيه. ما هو مؤكد أن إيران لم تعد صانعة حدث. لقد فقدت القدرة على المبادرة.
لا يعني كل ذلك أن إيران تذهب إلى المفاوضات هذه المرة وهي مستسلمة. غير أنها اليوم أضعف في رهاناتها مما كانت عليه عام 2015. لا لأن خصمها الأميركي هو ترامب المتشدد ضدها وليس أوباما المتعاون معها في مشروعها الإقليمي حسب بل وأيضا لأنها فقدت كل أدواتها في تنفيذ ذلك المشروع. إيران اليوم لا يمكنها تهديد إسرائيل إلا في نطاق استكمال مشروعها العسكري النووي. وهو ما يضع الأميركان كل جهودهم من أجل الانتهاء منه. لقد استعمل ترامب لغة مباشرة في التهديد في رسالته إلى خامنئي. الحرب ستكون هي الحل إذا لم تستجب إيران لشروط السلام الأميركية. وكما أرى فإن إيران لا تجهل أن الإدارة الأميركية جادة فيما تقول. أن تبقى الجمهورية الإسلامية قائمة وأن يظل نظام ولاية الفقيه عنوانا للمذهب هو الشيء الوحيد الذي يفكر فيه الإيرانيون أما إمبراطورية الفرس فلن يضعها المفاوض الإيراني في ملفاته.