سدود تركيا وإيران تهدد بتجفيف مياه للعراق

كميات المياه الواردة من تركيا وإيران انخفضت بنسبة 50 بالمئة نتيجة بناء العديد من السدود والمشاريع على منابع نهري دجلة والفرات.
العراق يسعى لتأمين مياه الشرب في ظل بناء تركيا وإيران السدود
العراق يواجه شح المياه وحربا مائية قادمة مع الجارتين تركيا وإيران

الديوانية (العراق) – يواجه العراق خطرا حقيقيا يهدد أبرز موارده المائية وانقطاع منابعه ما لم يتحرك دبلوماسيا واستراتيجيا لإنقاذ نهريه التاريخيين دجلة والفرات من الجفاف في وقت تقوم فيه تركيا وإيران بتشييد سدود جديدة.

وما لم يقم العراق بتشييد بناه التحتية ويجري مفاوضات مع الجارتين فإن منابعه المائية المشتركة بينه وبين تركيا وإيران ستنضب حتما إذا لم تنقطع.

يراقب المزارع السبعيني أبو شاكر أرضه بحسرة بعدما خسر مساحات كبيرة منها بسبب ارتفاع نسبة الملوحة في شط العرب في محافظة البصرة جنوب العراق.

ويقول لوكالة إن "الاملاح التي ارتفعت نسبتها في الأعوام الأخيرة" بسبب انخفاض منسوب المياه، تزحف على أرضه من مياه البحر من الخليج.

ويضيف "أجبرنا أنا وعائلتي وأبناء أخي على ترك أرضنا ومنازلنا وباتت أراضينا كلها بورا وبتراكيز ملحية عالية قتلت النخيل الذي يعد من أجود الأنواع في العالم".

وتنتج أشجار النخيل هذه ثمرة البرحي التي "كنا نصدرها الى دول الخليج والولايات المتحدة وأغلب دول العالم"، على حد قول أبو شاكر الذي يضيف بحزن "لكننا اليوم نراها امام اعيننا وهي تموت واقفة بكل ألم".

من المتوقع من تركيا إعلانها حرب المياه في أي لحظة تراها مناسبة لها، من دون الرجوع الى العراق

الأسباب يوضحها وزير الموارد المائية العراقي مهدي الحمداني قائلا، إن كميات المياه الواردة من تركيا وإيران انخفضت بنسبة خمسين بالمئة نتيجة بناء العديد من السدود والمشاريع على منابع نهري دجلة والفرات.

وقال الحمداني في مقابلة، إن الوزارة عملت "على وضع استراتيجية لتقييم وضع العراق في ملف المياه لغاية العام 2035، تتضمن سيناريوهات عدة لأسوأ الاحتمالات"، مشددا على ضرورة أن "تكون مياه الشرب مؤمنة بالكامل على الأقل".

وقبل أيام طالب البرلمان العراقي الأحد الحكومة بـ"التحرك السريع" إزاء قطع إيران لمياه نهري "سيروان" و"الزاب الأسفل" عن البلاد، مما يسبب ضررا كبيرا للعراق.

وقال رئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار بالبرلمان، سلام الشمري في بيان، إن "قطع إيران لمياه النهرين سيلحق ضررا كبيرا بالعراق".

وأضاف الشمري أن "الأمر يتطلب تحركا سريعا من الحكومة وعبر الجهات المعنية لضمان حق العراق في مياه الأنهر القادمة من إيران".

ارتفاع الأملاح بسبب انخفاض المياه يضر مزارع العراق
ارتفاع الأملاح بسبب انخفاض المياه يضر مزارع العراق

مفاوضات حرجة

بين الحلول التي اقترحتها الوزارة تقليص ملوحة مياه البصرة وتأمين أنابيب جديدة وبناء سد جديد بين محافظتي صلاح الدين وكركوك الذي قال عنه الحمداني إنه "واحد من أكبر السدود التي تنفذ بعد 2003".

وتحدث عن "الكثير من ميزات" هذا السد بينها أنه "سيزيد الطاقة التخزينية وإنتاج الكهرباء وسيحمي العاصمة بغداد من الفيضانات".

وأدى ضعف الاستثمار في البنى التحتية في العراق منذ العام 2003 إلى تدهور أنابيب المياه والسدود ومحطات الكهرباء.

ومنذ العام 2014 ركزت الحكومة جهودها على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ما أثر على تنفيذ خطط وزارة الموارد المائية. وفي الوقت نفسه، واجهت الحكومة تراجع الواردات بسبب انخفاض أسعار النفط.

لكن في 2018 عاد ملف المياه إلى الواجهة عندما أصيب أكثر من 24 ألفا من سكان البصرة بتسمم نتيجة تلوث المياه واكتظت المستشفيات والمراكز الصحية بهم.

قد لا نحصل على مياه الشرب والاستخدام البشري خلال الأعوام 2025-2030 ولا نرى مستقبلا مع تركيا في ملف المياه ولا خيار امام الحكومة الا بالضغط من خلال الملف الاقتصادي لا غير

ولمنع تكرار هذه الأزمة الصحية، أجرت الوزارة جولة مفاوضات جديدة مع تركيا بخصوص سد إيليسو على نهر دجلة، بعد توقف استمر سنتين.

وقال الحمداني "اتفقنا على الكثير من الاجراءات من ضمنها توقيع بروتوكول لتشغيل سد إيليسو، لضمان وصول الكمية المطلوبة على العراق بعدما اكتمل السد".

واستبعد الوزير العراقي أن تتأثر المفاوضات بالعمليات العسكرية التركية الأخيرة المستمرة في شمال العراق.

أما مع "الجارة إيران فالأمر مختلف عن ذلك"، كما يقول الحمداني، مشيرا إلى أنه "لدى العراق وإيران اتفاق أبرم في الجزائر العام 1975 يتضمن بروتوكولا خاصا بالمياه". ويضيف "نعمل على تفعيل هذا الامر والمفاوضات مستمرة مع الجانب الإيراني".

وفي الوقت نفسه، نشرت وزارة الموارد المائية بيانا يتحدث عن انخفاض كبير في كميات المياه الواردة من الأراضي الإيرانية إلى سدي دربندخان ودوكان في كردستان العراقية "إلى 7 أمتار مكعبة في الثانية بعدما كانت 45 مترا مكعبا في الثانية".

وأضافت أنه "أصبح مترين مكعبين في الثانية" في بعض المناطق.

ورغم هذه الأرقام، يبدو الحمداني متفائلا. وقال إن العراق "واثق أيضا من أن الجانبين التركي والإيراني سيتوصلان إلى اتفاق شامل يضمن حقوق العراق المائية".

الجفاف يهدد أنهار العراق الحيوية بسبب السدود التركية الإيرانية الجديدة
الجفاف يهدد أنهار العراق الحيوية بسبب السدود التركية الإيرانية الجديدة

مسألة وقت

لكن رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في الديوانية جنوب العراق محمد الجليحاوي يرى أنه "من المتوقع من تركيا إعلانها حرب المياه في أي لحظة تراها مناسبة لها، من دون الرجوع الى العراق".

وأشار الجليحاوي الى شح المياه الذي يواجهه العراق منذ سنتين وسبب تقليص مساحة الحصاد الزراعي في العراق من 15 مليون دونم وعدت بها الحكومة إلى ثلاثة ملايين فقط.

وحذر من انه "قد لا نحصل على مياه الشرب والاستخدام البشري خلال الأعوام 2025-2030 ولا نرى مستقبلا مع تركيا في ملف المياه ولا خيار امام الحكومة الا بالضغط من خلال الملف الاقتصادي لا غير".

وقد اقترح البعض برنامجا يقضي بمبادلة برميل نفط ببرميل من المياه، على غرار برنامج النفط مقابل المواد الغذائية والأدوية خلال فترة الحصار التي فرضت على العراق في تسعينات القرن الماضي. لكن ليس لدى العراق وقت طويل.

وبحسب إحصاءات الحكومة يستهلك سكان العراق البالغ عددهم 40 مليون نسمة الآن 71 مليار متر مكعب من المياه.

وفي 2035 سيصل عدد السكان الى أكثر من خمسين مليونا، فيما من المتوقع أن تنخفض المياه السطحية الى 51 مليار متر مكعب سنويا بعد إكمال ككل المشاريع خارج الحدود.