سعاد الصباح ترصد الكويت في عهد حاكمها السادس

الكتاب يتناول صوراً من حياة الكويت والكويتيين في عهد الشيخ محمد بن صباح الصباح (1838 -1896) الذي تولى حكمها من عام 1892 إلى عام 1896.
المؤلفة تؤكد أن الهدف الأساسي من هذه الدراسة هو تقديم صورة عن حياة الكويت والكويتيين من مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والخارجية
الروايات والتفسيرات في التقارير الدبلوماسية، والقصص التي حكاها المعاصرون لتلك الأحداث، تناقضت بشكل كبير

الكويت ـ صدر عن دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع كتاب (الكويت في عهد الشيخ محمد بن صباح الصباح) الحاكم السادس 1892 – 1896، لمؤلفته د.سعاد محمد الصباح.
تناول الكتاب صوراً من حياة الكويت والكويتيين في عهد الشيخ محمد بن صباح الصباح (1838 -1896)، وهو الحاكم السادس لدولة الكويت، تولى حكمها من عام 1892 إلى عام 1896. وتعتبر فترة حكمه من أقصر الفترات التي تولاها أحد شيوخ الكويت خلال القرن التاسع عشر، وذلك مقارنةً بسلفه شقيقه الأكبر الشيخ عبدالله الحاكم الخامس الذي تولى الحكم من عام 1866 إلى عام 1892، أي ستة وعشرين عاماً، وجدّه الشيخ جابر الحاكم الثالث للكويت الذي امتدت فترة حكمه من 1814 إلى 1859 أي خمسة وأربعين عاماً. وإن كانت تقترب من فترة حكم والده الشيخ صباح التي استمرت سبع سنوات فقط من 1859 إلى 1866.
أكدت المؤلفة أن الهدف الأساسي من هذه الدراسة هو "تقديم صورة عن حياة الكويت والكويتيين خلال هذه المرحلة من مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وعلاقاتها الخارجية التي اهتم بها الشيخ محمد. وذلك باعتبار أن هذه الفترة هي حلقة الوصل بين فترة حكم الشيخ عبدالله الثاني الأخ الأكبر له، وفترة حكم الشيخ مبارك شقيقه الأصغر التي امتدت من 1896 إلى 1915".
ويعرض الكتاب لأهم إنجازات الشيخ محمد بن صباح خلال فترة حكمه وللحملات والمواجهات العسكرية التي شاركت فيها الكويت خلال فترة الشيخ محمد، ولاستضافة الكويت للإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود وأسرته، ودلالات ذلك من الناحية السياسية، حيث أيد الشيخ محمد بن صباح جهود آل سعود، واعتبرهم القوة الأكثر قدرة على تحقيق الاستقرار في نجد، ووقف أعمال السلب والسرقة التي كانت تتعرض لها قوافل التجارة في شبه الجزيرة.
ومن ذلك أيضاً الحملة العسكرية التي قادها حافظ باشا والي البصرة ضد الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني حاكم قطر، الذي اتهمته الدولة العثمانية بقيام القوات التابعة له بالهجوم على جنودها المرابطين في حامية الإحساء، وبعدم التزامه بسياسات الدولة العثمانية وتوجهاتها. وعندما مرت الحملة بالكويت، طلب قائدها من الشيخ محمد دعم الحملة، فقام الشيخ بتجهيز قوة محاربة من القبائل وكلف شقيقه الشيخ مبارك قيادتها... لكن القوة الكويتية تباطأت تجنبا للتصادم مع أشقائها في قطر.

الآراء والتفسيرات التي تختلط الحقائق فيها بالمغالطات تنوعت، وهي تطرح وجهات نظر لا سند لها في الوثائق

وتشير الكاتبة إلى أنه قبل وصول القوات الكويتية لقطر، دارت معركة عنيفة بين العثمانيين وقوات الشيخ قاسم آل ثاني أسميت بمعركة الوجبة، وانتهت بانتصار القوات القطرية، فعادت القوات الكويتية دون قتال، وهو ما دل على أن الشيخ محمد لم يرغب قط في قتال الشيخ قاسم، وأنه استجاب للطلب العثماني بدعم الحملة ضد شيخ قطر شكلياً فقط، وأنه لم يقصد المشاركة الفعلية، ويدل على ذلك أن الشيخ مبارك كان يبطئ في سير القوات.
ويورد الكتاب عدداً من الإنجازات التي يذكر فيها الشيخ محمد بن صباح الصباح مثل اهتمامه بالكويت من الناحية العمرانية سواء بالقرب من المدينة أو بعيداً عنها، كالجهراء التي بنى فيها الشيخ محمد في 1895 بيتاً له سمّي "القصر الأحمر"، لأنه بني من الطين المائل إلى الحمرة.
وفي جواب على سؤال في مستهل الدراسة: "لماذا هذا الكتاب؟"، أجابت الكاتبة: "تستمد الشعوب من تاريخها عناصر قوتها وتماسكها الاجتماعي وإرادتها المشتركة في مواجهة الصعاب والشدائد، ولذلك اهتممتُ بالكتابة عن الشخصيات التي أثّرت في تاريخ الكويت، فأصدرتُ ثلاثة كتب؛ أولها عن الشيخ عبدالله مبارك الصباح، والثاني عن والده الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت السابع، والثالث عن الشيخ عبدالله بن صباح الصباح الحاكم الخامس للكويت، ثم هذا الكتاب عن الشيخ محمد بن صباح الصباح حاكم الكويت السادس.. وتوضِّح صفحات هذا الكتاب العلاقة الوثيقة التي جمعت بين أهل الكويت حكّاماً ومحكومين، وأن حُكْم الكويت اتّسم بروح التشاور والتسامح، وهو ما أعطى لتاريخها نكهة خاصة تميّزت بها عن الآخرين". 
وأضافت: "إنني أدعو الله أن يمكّنني من استكمال الكتابة عن حكّام الكويت الذين ثبّتوا أركان الحكم والمجتمع، وأرسوا المبادئ التي تهتدي بها الكويت حتى يومنا هذا".
وبينت الدكتورة سعاد الصباح في مقدمة كتابها أن "الكتب والبحوث التي تناولت تاريخ الكويت لم تركز على هذه المرحلة، وأن التناول جاء عاماً وغير تفصيلي، وأنها تزخر بالبيانات المتناقضة والمتعارضة دون إيراد الأدلة التاريخية عليها، وأنها خلطت ما بين حقائق الأمور والإشاعات التي ترددت في تقارير القناصل الأوروبيين في بغداد والبصرة، والتي لا أساس لها". 
وأضافت: "إن تاريخ أي بلد أو مجتمع هو تاريخ الشعب وعموم الناس، والحاكم وكبار المسؤولين يستمدون مكانتهم في التاريخ بقدر ما يخدمون شعب بلادهم ويحققون لبلدهم الازدهار والأمن والاستقرار، وقد كان ذلك هو نهج حكام الكويت الذين حرصوا على استقلال بلادهم في مواجهة الدولة العثمانية والقوى الأوروبية الساعية لفرض النفوذ والسيطرة في القرن التاسع عشر".
يشار إلى أن الكاتبة اعتمدت على كمٍّ كبير من المصادر والمراجع والوثائق العربية والأجنبية كالإنجليزية والعثمانية، وعلى بعض الدوريات والمواقع الإلكترونية، حيث جاء الكتاب متوسط الحجم، تم تبويبه إلى مقدمة وعدة مباحث، تضمنت سيرة حياة الشيخ محمد بن صباح، وأعماله وسماته الشخصية، ونهجه في الحكم. وكذلك الأوضاع الاجتماعية كالسكان ومظاهر الحياة اليومية والصحة والتعليم والأديان والتسامح الديني والشعر والشعراء. وأما في الأوضاع الاقتصادية فتم الحديث عن الأسواق والأنشطة الاقتصادية والتجارة مع الخارج وتجارة السلاح. 
وانتقلت الكاتبة بعدها للحديث عن العلاقات الإقليمية مع نجد وإمارات الخليج، والحملات العسكرية، وعن استضافة الكويت للإمام عبدالرحمن آل سعود. وأخيراً بحثت د.سعاد الصباح قضية التطلعات الأوروبية تجاه الكويت ولاسيما لدى بريطانيا وألمانيا وروسيا.
ترى د. سعاد الصباح في كتابها الجديد أن الكويت عاشت في القرن التاسع عشر حياة مستقرة، ولم تشهد صراعات أو مشكلات تهدد استقرارها الاقتصادي والاجتماعي، مما أدى إلى أنها أصبحت مقصداً لطالبي الرزق، واجتذبت أعداداً متزايدةً من النشيطين والنابهين الذين أعطوا دفعة لتطور تجارتها وعمرانها. واستمرت تلك الأوضاع في عهود الحكام الخمسة الذين تولوا إمارة الكويت في هذا القرن؛ وهم الشيوخ: عبدالله الأول، وجابر الأول، وصباح الثاني، وعبدالله الثاني، فالشيخ محمد. 

حكام الكويت
ليس هناك تأكيد لما حدث فعلاً

وتؤكد أن الكويت كانت أسرة واحدة كبيرة، سادتها قيم الشورى والتضامن الاجتماعي والرغبة المشتركة في الحفاظ على أمنها واستقرارها، واستقلالها من تدخل الدولة العثمانية أو الدول الأوروبية الأخرى. وانتقل الحكم من حاكم لآخر في يسر وسلاسة، فقد كان الحاكم الجديد من اختيار سلفه، وقام بمساعدته في إدارة أمور الحكم في حياته. وكان هذا الانتقال يتم عادة في نفس يوم وفاة الحاكم، فيسارع الأعيان وكبار التجار إلى مبايعة نائبه.
 وفي خضم حديث الكاتبة عن أهمية الكويت السياسية والاقتصادية في تلك الحقبة، رأت أن هذه الأهمية أدت إلى ازدياد عدد الوافدين إليها من مختلف الجنسيات، وتبلور أهداف العثمانيين والدول الأوروبية في السيطرة ومد نفوذها الفعلي على أرض الكويت.
وقالت: "بدأت المشكلات بالظهور في النصف الثاني من العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وراجت الأقاويل والشائعات حول الاختلافات في داخل الأسرة الحاكمة، وبلغت الأزمة أوجها وتحولت إلى فتنة جارفة انتهت بالأحداث الدامية التي شهدتها الكويت ليلة 25 ذي القعدة 1313ه، الموافق 7 مايو/حزيران 1896. وأدت إلى مصرع كل من الشيخين محمد وجراح، وتم دفنهما في مقبرة "الصالحية" التي كانت قد أنشئت في نفس العام بعد إغلاق المقبرة العتيقة في المدينة. 
 وتؤكد د.الصباح أن الروايات والتفسيرات في التقارير الدبلوماسية، والقصص التي حكاها المعاصرون لتلك الأحداث، تناقضت بشكل يجعل المؤرخ الموضوعي يتشكك في كثير من الوقائع التي تروى بشأنها. قائلة: إن "البعض وجّه سهام الاتهام في إثارة هذه الفتنة إلى السلطات البريطانية، والبعض الآخر وجهها إلى العثمانيين والإدارة الفاسدة في البصرة، والبعض الثالث اتهم ابن رشيد وبعض القبائل الغريبة عن الكويت".
وفي موقف توثيقي تاريخي أوضحت الكاتبة أن "الآراء والتفسيرات التي تختلط الحقائق فيها بالمغالطات تنوعت، وهي تطرح وجهات نظر لا سند لها في الوثائق، ففيها يوجد الشيء ونقيضه، ويعتمد بعضها على روايات وأحداث لم تقع أصلاً بحيث يصبح على الباحث الموضوعي التزام جانب الحذر تجاه أي من هذه الروايات والتفسيرات". 
ونقل الكتاب عن المؤرخ الهولندي ج. ب. سلوت بعد مراجعته كافة المصادر والمراسلات الدبلوماسية، قوله: "لقد تعمدنا هنا وصف الأحداث بأسلوب متحفظ إلى حد ما، فبعض الكتب روت هذه الأحداث بأسلوب مسهب مثير، وهو أمر يجب على المؤرخ أن يبتعد عنه في مثل هذه الأوقات. وهناك عدد كبير من القصص المختلفة حول هذا الموضوع، ولكن ليس هناك تأكيد لما حدث فعلاً، كما لا يمكن للفرد أن يكتب نوعاً من القصص البوليسية، فلا يوجد دليل فعلي يؤيد أياً من هذه الكتابات.. وإن جميع القصص والتفسيرات المختلفة التي تم ذكرها تجعل من المستحيل التوصل إلى استنتاج مقبول عما حدث في الكويت عام 1896".
 واختتمت المؤلفة كتابها بالحديث عن ذرية الشيخ محمد بن صباح الصباح، حيث خلّف خمسة أبناء، هم: صباح، وسعود، وخالد، وعذبي، وعلي، وابنتين هما: سبيكة، ولطيفة. وغادروا جميعهم الكويت إلى البصرة في أعقاب وفاة أبيهم، ورافقهم في هذه الرحلة عبدالوهاب الطبطبائي والشيخ محمد بن رابح المغربي.
 وبالنسبة لصباح فقد أنجب أيضاً خمسة أولاد، هم: عبدالله، وسالم، ومحمد، وجراح، وفاضل، وأربع بنات، هن: شمة، وسبيكة، وهيا، وحصة. وأنجب محمد ثلاثة أبناء، هم: صباح، وسوسن، وسعاد وهي مؤلفة الكتاب وحفيدة الشيخ محمد بن صباح الصباح.