سقوط الرهان الايراني على سقوط ترامب

لولا ان العراقيين ادركوا ان ايران نمر من ورق، لما كانت هناك أحزاب عراقية تتجرّأ على تسمية مصطفى الكاظمي رئيسا للوزراء.

بقي دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة ام لم يبق، لم تعد تلك هي المسألة، اقلّه بالنسبة الى ايران ومستقبل النظام فيها. لم يعد الرهان على فشل ترامب في الحصول على ولاية ثانية في تشرين الثاني – نوفمبر المقبل "الجمهورية الإسلامية"، التي اسّسسها آيه الله الخميني في العام 1979، صالحا في شيء. لم يعد هذا الرهان رهانا ايرانيا يمكن خوضه من اجل الوصول الى تغيير على الصعيد الاميركي يؤدي الى عودة شهر العسل بين واشنطن وطهران، على غرار ما كانت عليه الحال في عهد باراك أوباما.

تغيّر ترامب ام لم يتغيّر ادّت العقوبات الاميركية مفعولها. ما قد يكون اهمّ من العقوبات هبوط سعر برميل النفط والغاز بالنسبة الى بلد فشل فشلا ذريعا تنويع اقتصاده. في عهد "الجمهورية الإسلامية"، صارت ايران تعتمد على الدخل من الغاز والنفط اكثر مما كانت تعتمد على ذلك في عهد الشاه.

جاء الخطأ الذي تمثّل في اطلاق السفينة الحربية "جمران" صاروخا في اتجاه سفينة ايرانية أخرى في اثناء مناورات في بحر عُمان ليؤكّد الإفلاس الايراني على كلّ صعيد. دمّر الصاروخ الايراني البارجة الايرانية. قتل من قتل من البحارة والعسكريين وجرح من جرح. الرقم الرسمي 19 قتيلا و15 جريحا. يصعب التأكد من مثل هذه المعلومات الصادرة عن جهات رسمية اشتهرت بالابتعاد قدر الإمكان عن الحقيقة.

سيظهر الإفلاس عاجلا ام آجلا، خصوصا ان اطلاق "جمران" التابعة لـ"الحرس الثوري"، بالخطأ، صاروخا من نوع "كروز" على بارجة تستخدم كسفينة اسناد لوجستي تابعة للجيش الايراني ليس حدثا معزولا بمقدار ما انّه يمكن وضعه في سياق حوادث أخرى وتطورات سياسية وقعت في السنوات القليلة الماضية، او لنقل في الأشهر الاخيرة. انّها حوادث وتطورات لا يمكن الاستخفاف بخطورتها نظرا الى انّها تكشف ان ايران ليست سوى نمر من ورق على حد تعبير الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ في وصفه لـ"الامبريالية الاميركية". تبيّن مع الوقت انّه خلافا لما كان يقوله ماو، لم تكن اميركا "نمرا من ورق". كانت الصين نمرا من ورق ولم تصبح قوّة امبريالية حقيقية الّا بعد الإصلاحات الجذرية التي قام بها النظام وجعل منها ثاني اكبر اقتصاد في العالم.

ليس مطلوبا الذهاب الى ابعد من بداية العام الجاري للتأكد من ان ايران لم تستطع الردّ على تصفية الإدارة الاميركية لقاسم سليماني قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" بعيد وصوله الى مطار بغداد من دمشق. تبيّن ان ايران لا تستطيع الردّ وانّ كل تهديداتها بقيت كلاما بكلام، بما في ذلك تهديدات الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله عن الانتهاء من الوجود العسكري الاميركي في المنطقة.

كشف اغتيال سليماني وابومهدي المهندس نائب قائد "الحشد الشعبي" في العراق انّ ايران ليست نمرا من ورق فحسب، بل ان عليها أيضا إعادة النظر بكلّ حساباتها، خصوصا انّ "الحرس الثوري" اسقط طائرة ركاب اوكرانية كان عليها 176 راكبا، معظمهم من الايرانيين او من أصول إيرانية بعيد إقلاعها من طهران. حسب "الحرس الثوري" طائرة الركّاب من طراز "بوينغ 737- 800" طائرة معادية!

في النهاية، لولا ان العراقيين ادركوا ان ايران نمر من ورق، وادركوا خصوصا مدى انكشافها، لما كانت هناك أحزاب عراقية تتجرّأ على تسمية مصطفى الكاظمي رئيسا للوزراء ولما تمكن الكاظمي من تشكيل حكومة تضم وزيرين للداخلية والدفاع ينتميان الى مؤسسة الجيش العراقي التي عمرها 99 عاما. بقي الجيش العراقي، على الرغم من كلّ ما تعرّض له من هزّات وعلى الرغم من القرار الاميركي بحلّه، محافظا على حدّ ادنى من المهنيّة طوال قرن كامل. ليس سهلا قبول ايران بعودته الى الواجهة، خصوصا انّه خاض معها حربا استمرّت ثماني سنوات.

الأكيد انّه لو كانت ايران قويّة في العراق، لما كان رئيس الوزراء الجديد تجرأ على إعادة الاعتبار الى الفريق عبدالوهاب الساعدي وترقيته الى رئيس لجهاز مكافحة الإرهاب بعدما وصفه بـ"البطل والصديق".

مرّة أخرى، لا يمكن اعتبار الكاظمي عدوّا لإيران، لكنّه ليس خيارها بمقدار ما انّه خيار مقبول اميركيا وعربيا. يعطي وصوله الى موقع رئيس الوزراء في العراق فكرة عن حال التراجع الايرانية التي كان اطلاق مدمّرة ايرانية لصاروخ في اتجاه بارجة إيرانية أخرى بمثابة تأكيد لها.

هناك عبرة واحدة يمكن استخلاصها من كلّ ما حصل منذ اغتيال قاسم سليماني. اسم هذه العبرة كلمة واحدة ايضا هي الشجاعة. هل يملك النظام الايراني ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بان "الجمهورية الإسلامية" التي قامت في العام 1979 ليست سوى دولة من دول العالم الثالث وان لا خيار آخر امامها سوى القيام بعملية نقد للذات. لم تستطع الصين تحقيق أي تقدّم لو لم يأت دينغ هسياو بينغ وانقلب على كلّ ما نادى به ماو وكلّ ما قام به من اعمال غير إنسانية مثل "الثورة الحمراء" على سبيل المثال وليس الحصر.

تكمن مشكلة ايران بكلّ بساطة في انّها تصدّق الشعارات التي تطلقها في حين لم يعد يوجد من يصدّق هذه الشعارات التي تستهدف التغطية على الفشل ولا شيء غير ذلك. هل من فشل اكبر من الفشل الايراني في مواجهة وباء كورونا الذي جعل منها بؤرة تصدير لهذا الوباء الى دول الجوار.

لم يعد لدى "الجمهورية الإسلامية" ما يكفي من الدولارات لتسويق شعاراتها وميليشياتها. ليس الصاروخ الايراني الذي أصاب هدفا إيرانيا سوى دليل آخر وربّما اخير على الفارق بين الوهم والحقيقة. أصبحت ايران كمن اطلق النار على رجله. اليس ذلك كافيا للتفكير في التصالح مع الواقع... انطلاقا من التجربة الصينية والانتقال من عهد ماو الى عهد دينغ. هذا يعني في طبيعة الحال التفكير جدّيا في خطورة المشروع النووي الايراني على ايران نفسها وعلى المنطقة كلّها. هل في ايران من يمتلك شجاعة الاعتراف بالخطأ والعودة عنه انطلاقا من ان المشروع التوسّعي الذي زرع الخراب لبنان وسوريا والعراق واليمن وكاد ان يخرب البحرين اقرب الى الوهم... فالصاروخ الايراني لم يصب سوى ايران!