سلمان رشدي سئم التخفي بعد 30 عاما على فتوى الخميني بإهدار دمه

المرشد الأعلى للثورة الإيرانية أصدر فتوى تفيد بأن أي شخص يقتل أثناء محاولته تنفيذ عقوبة الإعدام بحق كاتب "آيات شيطانية" سيعد "شهيدا" ومصيره الجنّة.
فتوى الخميني في حق الكاتب ساهمت في تنامي الإسلام السياسي
كاتب بريطاني من أصل هندي يثير حفيظة الجمهورية الإسلامية
الملكة إليزابيث الثانية منحت لقب "فارس" لسلمان رشدي

باريس -  30 عاما مرت على رواية "آيات شيطانية" التي أصدر مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران فتوى بقتل كاتبها وتلتها مظاهرات حول العالم أدت لتفجير مكتبات وقتل مترجمين.

وفي 14 فبراير 1989، أصدر روح الله الخميني فتوى بإهدار دم الكاتب البريطاني سلمان رشدي بسبب كتابه "آيات شيطانية" الذي اعتبر مرشد الثورة الإيرانية أنه أساء للإسلام.

وفي الفتوى، حض الخميني "مسلمي العالم على المسارعة إلى إعدام المؤلف وناشري الكتاب" حتى "لا يجرؤ أحد بعد ذلك على إهانة مقدسات الإسلام".

وأضاف الخميني، الذي كان يبلغ من العمر 89 عاما آنذاك وتوفي بعد أربعة أشهر فقط من إصداره الفتوى، أن أي شخص يقتل أثناء محاولته تنفيذ عقوبة الإعدام بحق رشدي سيعد "شهيدا" ومصيره الجنّة.

وتم تحديد مكافأة قدرها 2.8 مليون دولار لمن يقتل الكاتب.

منحت الحكومة البريطانية فورا حماية أمنية لرشدي، وهو ملحد ولد في الهند لأبوين مسلمين لا يمارسان فروض الإسلام.

وقال رشدي لوكالة فرانس برس خلال زيارة لباريس "لا أريد أن أعيش متخفّيا".

وقضى رشدي، الذي يعتبره البعض أعظم كاتب أنجبته الهند بعد روبندرونات طاغور، 13 عاما يعيش باسم مستعار وتحت حماية دائمة من الشرطة.

وقال في سبتمبر "كنت أبلغ من العمر 41 عاما آنذاك، والآن أصبحت 71. لا بأس بالوضع الآن". وأضاف "نعيش في عالم تتغير المواضيع فيه بشكل سريع للغاية. وهذا موضوع قديم جدا. هناك أمور عديدة أخرى ينبغي الخوف منها وأشخاص آخرون يجب قتلهم".

وعلى مدى نحو 13 عاما، تنقّل بين مساكن سريّة متعددة تحت اسم مستعار هو جوزف أنطون، بحيث غيّر مكان إقامته 56 مرة خلال الأشهر الستة الأولى.

وكتب في مذكراته في 2012 تحت عنوان "جوزف أنطون" "أنا مكمم ومسجون (...) لا يمكنني حتى الحديث. أريد أن أركل كرة في حديقة مع ابني. حياة عادية مملة: هذا هو حلمي المستحيل".

نشرت دار "فايكنغ بنغوين" كتاب "آيات شيطانية" في سبتمبر 1988 وسط إشادة من النقّاد.

وتدور أحداث الرواية بين لندن في عهد رئيسة الوزراء السابقة المحافظة مارغريت تاتشر ومكة. وتروي قصة الهنديين جبريل وصلاح الدين اللذين انفجرت طائرتهما المخطوفة فوق بحر المانش.

ويظهر بطلا الرواية مجددا على شاطئ في بريطانيا حيث يخالطان المهاجرين في لندن فيما تتوالى فصول الأحداث بتسلسل سريالي يعكس أسلوب رشدي في الفانتازيا.

واعتبر كثير من المسلمين أن الكتاب يتضمن تجديفا وتطاولا على المقدسات في أجزاء كثيرة منه بينها استخدامه لآيات يشير البعض إلى أنها وردت في نسخة قديمة من القرآن وحذفت لاحقا. وتسمح هذه الآيات بالصلاة لثلاثة آلهة وثنية، وهو ما يتناقض مع فكر التوحيد الذي يشكل جوهر الإسلام.

وبشكل مثير للجدل، يكتب رشدي عن دور نبي يشبه محمد. وفي الرواية، يخدع هذا النبي لإبرام صفقة مع الشيطان يتخلى عبرها عن التمسك بعقيدته القائمة على التوحيد من أجل الآلهة الثلاثة قبل أن يكتشف خطأه.

وأصر الخميني وغيره على أن رشدي كان يصور النبي محمد بشكل غير لائق في روايته.

رواية
كاتب الرواية بين فتوى إهدار الدم والدفاع عن حرية التعبير

في أكتوبر 1988، حظر رئيس الوزراء الهندي آنذاك راجيف غاندي استيراد الكتاب على أمل الفوز بدعم المسلمين قبيل الانتخابات. ومنعته كذلك نحو 20 دولة.

وفي يناير 1989، أحرق مسلمون في مدينة برادفورد البريطانية علنا نسخا منه.

وبعد شهر، هاجم آلاف الباكستانيين مركز معلومات أميركيا في إسلام أباد هاتفين "كلاب أميركيون" و"اشنقوا سلمان رشدي". وردت الشرطة بإطلاق النار ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص.

وأثارت فتوى الخميني الذعر في أنحاء الغرب. وخرجت تظاهرات في أوروبا بينما قطعت لندن وطهران العلاقات الدبلوماسية لنحو عامين.

وفي الولايات المتحدة، نظم مؤلفون على غرار سوزان سونتاغ وتيم وولف محاضرات عامة لدعم رشدي.

أما الكاتب فحاول تفسير موقفه عام 1990 في مقال تحت عنوان "بنيّة حسنة" لكنه لم ينجح في استرضاء كثير من المسلمين.

بدأ رشدي بالخروج تدريجيا من حياة التخفي في 1991 لكن مترجمه الياباني قتل في يوليو من العام ذاته.

وبعد أيام، تعرض مترجمه الإيطالي للطعن قبل أن يتعرض ناشره النرويجي لإطلاق نار بعد عامين، رغم أنه لم يتضح إن كانت الهجمات استجابة لفتوى الخميني.

وعام 1993، أحرق متظاهرون إسلاميون فندقا في سيواس بوسط تركيا حيث كان الكاتب عزيز نيسين، الذي سعى لترجمة الرواية إلى اللغة التركية، موجودا. ونجا الكاتب لكن 37 شخصا لقوا حتفهم.

وفي 1998، طمأنت حكومة الرئيس الإيراني الإصلاحي آنذاك محمد خاتمي بريطانيا إلى أن الجمهورية الإسلامية لن تطبق الفتوى.

لكن خليفة الخميني، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، أعلن في 2005 أنه لا يزال يعتقد أن رشدي مرتد يتيح الإسلام قتله.

وأعرب كثير من المسلمين عن غضبهم إثر منح الملكة إليزابيث الثانية في 2007 لقب "فارس" لرشدي للخدمات التي قدمها في مجال الأدب.

واتهمت إيران بريطانيا بـ"كراهية الإسلام"، مؤكدة أن الفتوى لا تزال قائمة بينما خرجت تظاهرات واسعة خصوصا في باكستان.

وبحلول تلك الفترة، كان رشدي يعيش بشكل منفتح نسبيا في نيويورك التي انتقل إليها في أواخر التسعينات وحيث تدور أحداث رواياته الأخيرة.

وبعدما عاش لسنوات في الظل، تحوّل إلى شخصية بارزة بينما يراه كثيرون في الغرب بطلا مدافعا عن حرية التعبير.

وفي وقت سابق، أكد رشدي الذي حضر معرضا للكتب في شرق فرنسا أنه يعيش "حياة طبيعية للغاية" في نيويورك، حيث أقام لنحو عقدين مضيفا "أركب قطار الأنفاق".

وكان "آيات شيطانية" خامس كتاب يؤلفه رشدي. وفي كتابه الأخير، وهو الـ18، تحت عنوان "البيت الذهبي"، يروي رشدي حكاية رجل من بومباي أعاد اكتشاف نفسه في نيويورك في محاولة للتخلص من ماضيه.

وقال إن سنوات الاحتجاجات المظلمة التي شهدت مخططات تفجير وقتل أحد مترجمي الكتاب وتعرض اثنين آخرين لعمليتي طعن وإطلاق نار "تبدو الآن كأنها أحداث وقعت منذ زمن طويل جدا".

وأكد أنه في الفترة التي تم فيها تأليف "آيات شيطانية" لم يكن الإسلام يشكل موضوع نقاش. وأضاف "من بين الأمور التي حدثت أن الناس في الغرب باتوا يعرفون أكثر (عن الإسلام) من السابق".

ومع ذلك، أسيء فهم الكتاب بشكل كبير برأي رشدي الذي أصر على أنه "في الحقيقة، رواية عن مهاجرين في لندن يتحدرون من جنوب آسيا".

إيران
ظل سلمان رشدي مجبرا على التخفّي لسنوات باستخدام اسم مستعار

ويؤكد صديق رشدي، الكاتب البريطاني من أصل باكستاني حنيف قريشي، أن أي شخص "لن يملك الجرأة اليوم لكتابة 'آيات شيطانية' فما بالكم بنشره".

لكن حتى قريشي، الذي ألف كتاب "الألبوم الأسود" الذي يروي كيف يدفع الشباب البريطانيون المسلمون أنفسهم إلى التطرف، أقر بأنه لم يكن يتوقع أن يثير كتاب رشدي الجدل عندما قرأ مسودته.

وقال "لم أنتبه لشيء فيه يمكنه إثارة حفيظة الأصوليين. رأيته ككتاب عن الاضطراب العقلي والتجديد والتغيير".

لكن الغضب الذي أثاره شكل خطوة باتجاه تنامي الإسلام السياسي.

بدوره، أعرب المؤلف والصحافي الهندي سليل تريباثي من "نادي القلم الدولي" المدافع عن حقوق الكتّاب عن أمله بأن تملك دور النشر الرئيسية اليوم الشجاعة الكافية لنشر "آيات شيطانية" من جديد.

وقال "لم أفقد الأمل تماما، لكن لا شك في أن قضية رشدي أوجدت رقابة ذاتية. بات ينظر إلى العديد من المواضيع الآن على أنها محرمات".

وأضاف "في الهند حيث النزعة القومية الهندوسية، يتحدث الناس بحذر كبير عن الآلهة الهندوس إذ لا يمكن معرفة ما قد يحدث لك. تنامى تهديد العصابات بدرجة بات يشكل ظاهرة".

وأشار إلى أن وكلاء يمارسون الترهيب اليوم بدلا من قيام الحكومات بهذه المهمة، مشيرا إلى أن كل ما يحتاج إليه رجال الدين لإثارة غضب الحشود هو التعبير عن عدم إعجابهم بمنشور ما.

وحذر من أن "هذا واقع مخيف بالنسبة إلى الكتاب. ما يجري هو منافسة على التعصّب" وفق قاعدة مفادها "إن كان بإمكان المسلمين منع نشر رسوم كاريكاتورية في الدنمارك، فلماذا لا يكون بإمكاننا في الهند وباكستان منع هذا الكاتب المسيحي أو الهندوسي من قول هذا وذاك؟".

ويؤكد شون غالاغر من منظمة "مؤشر الرقابة" في لندن أن العالم لم يتقدم كثيرا منذ قضية رشدي.

وقال إن "المسائل التي نتعامل معها اليوم هي ذاتها. النقاش بشأن قوانين التجديف هو جزء من حديث دوري ضروري للغاية. من المهم أن نحافظ على يقظتنا بشأن حرية التعبير وأن نجري هذه الحوارات الثقافية".

أما رشدي، فرد بحدة على سؤال عما إذا كان نادما على تأليف الكتاب "لست نادما على شيء".

كل ما يحتاج إليه رجال الدين لإثارة غضب الحشود هو التعبير عن عدم إعجابهم بمنشور ما
كل ما يحتاج إليه رجال الدين لإثارة غضب الحشود هو التعبير عن عدم إعجابهم بمنشور ما