سليم نزال ورؤية العالم بعد كورونا

المفكر النرويجي الفلسطيني الأصل يرى أن العالم القديم انهار، وأننا إزاء تشكل عالم جديد مختلف عن عالم ما قبل الكورونا.
فيروس صغير أصغر بكثير من رأس الإبرة أنتج تداعيات كونية قد لا تكون مسبوقة في التاريخ
تراجع كبير في منظومة القيم الغربية بكل جوانبها، وليس فقط الجانب النيو ليبرالي الأكثر وحشية
الحضارة المادية الغربية القائدة للعالم أصيب بضربة تكاد تكون قاصمة

الحوار شيق مع الدكتور سليم نزال المفكر النرويجي الفلسطيني الأصل، في هذه المرحلة  الخطيرة من تاريخ البشرية. وللدكتور نزال العديد من المؤلفات من أبرزها الفكر والثقافة والأيديولوجيا وحصاد مر نظرات في الاجتماع السياسي، وكتابه الأخير على هامش الأيام. هذا عدا العديد من المؤلفات في الدراسات الاجتماعيه والثقافة والمسرح والشعر. 
في هذا  الحوار نسعى إلى محاولة فهم طبيعية التطورات الخطيرة التي يمر بها العالم في الوقت الحاضر.
يرى الدكتور سليم نزال أن العالم القديم انهار، وأننا إزاء تشكل عالم جديد مختلف عن عالم ما قبل الكورونا.
يقول: إننا الآن في أوج حرب عالمية ثالثة، حتى وان كان العدو لا يرى بالعين المجردة.
إن فيروسا صغيرا أصغر بكثير من رأس الإبرة أنتج تداعيات كونية قد لا تكون مسبوقة في التاريخ. 
ويضيف قائلا: يبدو الأمر وكأنه ينتمى لمسرح اللامعقول! فيروس واحد أحدث كل هذ الرعب لسكان الأرض، تخيل  ماذا لو نزلت إلى كوكبنا بنية عدوانية مخلوقات فضائية بلغت من التطور ما يجعل أكثر تقنياتنا تطورا أمامها مجرد لعب أطفال!
ماذا  كانت الدول العظمى التى تتبجح ليل نهار أنها تملك أسلحة تدمر الأرض عشرات المرات ان تفعل؟
من وجهة نظر نزال لقد انهار تحت ضربات الكورونا مجمل النظام الدولى إذا صح التعبير وميزان  القوى الذى  حكم العلاقات الدولية الذي ترسخ منذ القرن الثامن عشر، واستمر فى التصاعد محققا انتصارا باهرا لمنظومة القيم الغربية. وهو يعتبر أنه منذ ذلك الحين خفت صوت الشرق وسادت منظومة القيم الغربية من مأكل ومشرب ولباس وفنون الخ. ولم يحصل سوى اختراق ياباني لكن هذا الاختراق بقي في اعتقادي محدودا لأن اليابان تغربت إلى حد كبير.

التماسك الاجتماعي خاصة في الارياف يلعب دورا مهما في الدعم النفسي، الأمر الذي يساهم في التصدي للفيروس

وينتقد نزال وجهة النظر التي سادت سابقا في المنطقة العربية التي ربطت بين فكرة والتقدم والغرب بطريقة أوتوماتيكية. وقد انتقد في كتابه الأخير "الفكر والأيديولوجيا" فكرة ربط التقدم بنموذج واحد. وذكر أن الصين نجحت في إنتاج نموذجها  الخاص بها. وبذلك  شطبت فكرة تلازم التقدم بنموذج حصري. الذي حصل في السابق أنه تم نفي الشرق بكل ما يحمله من منظومات قيم وتراكم حضاري لصالح  الغرب، والذي يقول نزال إنه بات أمرا مقبولا، وكأنه حقيقة تنتمي إلى عالم الطبيعة. وحسب رأيه جاء الفيروس ليعري الكثير من الأوهام حول تفوق الحضارة الغربية، مما يفتح الطريق نحو تشكل عالم جديد لا تعد فيه الحضارة الغربية قائدة كما في السابق بل حضارة إلى جانب حضارات أخرى.
يرى نزال أن التغيرات الطبيعية والأوبئة يكون لها أحداث كبرى كهذه لا تمر عادة، بدون نتائج سياسية واقتصادية وثقافية .. الخ. ويعطي أمثلة من انهيار سد مأرب القديم الذي أدى إلى الانتشار العربي من اليمن نحو الشمال، وأيضا مثال من الطاعون الذي ضرب أوروبا في القرون الوسطى الذي أدى إلى اضطرابات مجتمعية كبيرة وثورات على أنظمة الحكم التي اختبأت ولم تقم بواجبها في حماية السكان.
ويفسر نزال تاريخ الحضارات بقدرتها على الاستجابة للتحديات وفق نظرية تومبي. وانطلاقا من هذه النظرية يرى نزال أن الكورونا كان امتحانا للغرب وقد فشل الغرب فى هذا الامتحان فشلا ذريعا إلى درجة صادمة. 
وهو يعتقد أن الحضارة المادية الغربية القائدة للعالم أصيب بضربة تكاد تكون قاصمة. ولذا علينا أن نتطلع لعالم أكثر عدلا وأكثر إنسانية.
ويرى نزال أنه عندما انتشر الوباء ليعم بلد مثل إيطاليا، وهي عاشر دولة صناعية في العالم وعضو في الناتو وفي الاتحاد الأوروبي الذي يملك ناتو عسكريا، ولا يملك (ناتو صحي) لمواجهة الوباء. والمحزن في الأمر في رأيه أنه لدى انتشار الوباء في الصين  لم يهتم أحد، وكان الأمر مقتصرا على الصين بل حصلت ممارسات عنصرية ضد أبناء العرق الأصفر، وكان المشكلة تنحصر في هذه الفئة. نسي الكثيرون أننا في عصر العولمة، وان الوباء قد ينتشر ليعم بلادا أبعد من الصين.

كورونا
سليم نزال

ويضيف نزال أن الفشل على كل المستويات؛ الأول فشل الدولة خاصة، إيطاليا في  تقدير خطورة الوباء، وثانيا فشلها في مواجهته بعدما فقدت السيطرة عليه إلى حد كبير، وثالثا عدم مد الاتحاد الأوروبي يد المساعدة لإيطاليا. وللمفارقه جاءت مساعدات من الصين وكوبا البعيدتين، وليس من أوروبا. وكل هذا له دلالات خطيرة على مستوى العلاقات الأوروبية الأوروبية والعلاقات  الدولية. 
ويرى المفكر النرويجي من أصل فلسطيني أن الاتحاد الأوروبي أصيب بضربة قاصمة قد تؤدي إلى التفكك، وأن الولايات المتحدة فقدت الكثير من مصداقيتها أمام العالم الأمر الذي له تداعيات في قدرتها أن تلعب دور القائد كما كان في الماضي.
من وجهة نظره ينبغى عدم اقتصار الأمر على مشكلة طبية بل لها أبعاد أكثر خطورة، فهي ليست أزمة تنحصر فقط في فقر العقل الإستراتيجى الغربي في مواجهة الوباء وليس فقط في غياب التضامن الحقيقي. إنه مؤشر أن العولمة كانت تفتقر إلى بعد إنساني ولم تكن سوى عولمة ماكينات تضاف إلى ماكينات أو شيء يشبه ذلك.
ولهذا يعتقد نزال أننا في مرحلة حاسمة من التاريخ ستكون أبرز ملامحها تراجع كبير في منظومة القيم الغربية بكل جوانبها، وليس فقط الجانب النيو ليبرالى الأكثر وحشية.
ويتابع: أن هذا لا يعني نهاية التاريخ، لأن التاريخ لا يتوقف بل يمضي قدما. فالتاريخ حسب رأيه لا ينتهي، إنه في حركة دائمة بغض النظر حتى عن شكل الحركة. السبب  أن التاريخ هو البشر والبشر في حركة دائمة. ولذا ينتقد نزال أطروحة هيغل الذي اعتبر أن التاريخ قد انتهى مع صعود نابليون بونابرت، أو فوكوياما الذي اعتبر أن انتصار الديموقراطيات الغربية هو نهاية التاريخ. 

corona
مرحلة جديد من تاريخ البشرية على وشك التشكل

يرى نزال أن النظم الديموقراطيه فشلت في التصدى لأزمة كورونا في خطوات استباقية. بل ويعتبر أن النظم الديموقراطية ذات آليات القرارات المعقدة لم تتمكن من اتخاذ إجراءات حازمة كما فعلت الصين التي نجحت في رأيه لسبين الأول طبيعة النظام الحاكم حيث سهولة اتخاذ القرار، وثانيا القدرة التكنولوجيه الهائلة التي وظفتها في الحرب مع الفيروس.
ويؤكد أن أوروبا في محنة كبيرة والعالم الغربى. ويعتقد أن الأمر أكبر من تقصير في مواجهة الوباء، بل يتعدى الأمر إلى كل المنظومة القيمية في السياسة والاقتصاد والأخلاق .. الخ. ولذا فهو يعتقد أن منظومة الحضارة الغربية وليس فقط الجانب النيو ليبرالي الأكثر توحشا باتت محط تساؤل .
إن هذه الأزمة هي بمثابة عودة الروح إلى الشرق، حيث يتوقع نزال أن يكون للصين تأثيرأ كبيرا على العلاقات الدولية أكبر مما كان عليه الأمر. ويدعو العرب أن يغادروا المرحلة السابقة، وأن يفكروا بخلق أطر أقوى للتعاونـ لأن دولة واحدة لا تستطيع وحدها مواجة كوارث من هذا النوع .
يقول نزال إنه قد يكون من المبكر فهم طبيعية التغيرات القادمة لكن من المؤكد أن مرحلة جديد من تاريخ البشرية على وشك التشكل.
أما من ناحية قدرة عالمنا العربي في التصدي لفيروس الكورونا فهو يعبر عن مخاوفه من الجانب الاقتصادي، خاصة لناحية البلاد الفقيرة، لكنه يعتقد أن التماسك الاجتماعي خاصة في الارياف يلعب دورا مهما في الدعم النفسي، الأمر الذي يساهم في التصدي للفيروس. لأن نزال يعتبر أن المجتمعات الفردية يسودها طابع الفردية والاعتماد الكامل على الدولة التي إن قصرت أو فشلت، كان له نتائج خطيرة. في حين أن منظومة العلاقات الاجتماعية مثل العادات والتقاليد تلعب دورا في حماية المجتمع.