سهير الشربيني ترصد 'تحولات العلاقات الدولية للتغير المناخي'

الباحثة في العلوم السياسية متخصصة في الشؤون الإقليمية وقضايا الاقتصاد السياسي: مكافحة التغير المناخي يتطلب ربط الأفراد على نحو أوسع واشراكهم كفاعلين رئيسين.

يقف العالم اليوم بصدد ظاهرة خطيرة لها تداعيات هائلة على كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية على مستوى العالم، وهي ظاهرة التغير المناخي، وما يرتبط بها من ظواهر أخرى، وعلى رأسها معضلة ندرة المياه الناجمة في الأساس عن تغير المناخ. وفي هذا الإطار تناقش الباحثة سهير الشربيني تداعيات التغير المناخي الواسعة النطاق، ودور الحكومات والمنظمات الدولية، وبالتحديد الأمم المتحدة والشركات الخاصة والمجتمع المدني والأفراد في مكافحة التغير المناخي والتصدي لآثاره وتداعياته السلبية على كافة الأصعدة، والوقوف على مستقبل التغير المناخي ومسارات وتكاليف مكافحته، ومصادر الطاقة البديلة التي تشهد اهتماما عالميا واسعا مع التركيز على الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، وأخيرا مناقشة آفاق االستثمار في تلك المصادر عالميا، من أجل خلق اقتصاد أخضر قادر على مواكبة التوجه العالمي الرامي إلى خفض الانبعاثات الكربونية، وتنشيط الاستثمارات الخضراء على مستوى العالم.

تؤكد الشربيني في كتابها "الانهيار البيئي: تحولات العلاقات الدولية للتغير المناخي" الصادر عن مركز إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية بأبوظبي، أن دول العالم تحاول التفكير في حلول أكثر ديمومة من أجل الحفاظ على أمنها المائي والغذائي الذي أضحى في خطر بالغ نتيجة الظواهر المناخية المتطرفة؛ وذلك بتحييد الآثار السلبية لتغير المناخ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية؛ وذلك من خلال اتخاذ قرارات سياسية أكثر فاعلية تقيها شر التداعيات الواسعة للتغيرات المناخية الآخذة في الصعود؛ من أجل حماية أمنها القومي وحياة مواطنيها ومستوى نموها الاقتصادي، وفي الوقت ذاته العمل على تعزيز الأمن الغذائي والمائي، بما يخفف المخاطر والأضرار الناشئة عن تغير المناخ.

وترى أن الحكومات ليست وحدها الفاعل الرئيسي في مكافحة التغير المناخي، بل تتشارك المسؤولية معها المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة عبر مؤتمرات الأطراف بشأن المناخ، وكذلك الشركات الخاصة باعتبارها واحدة من أبرز المسؤولين عن تفاقم الظاهرة، وكذلك منظمات المجتمع المدني من خلال دورها التوعوي والرقابي ذات التأثير الكبير في تحفيز الجهود نحو مكافحة التغير المناخي، وعدم التراخي عن تحقيق الهدف العالمي الرامي إلى بلوغ صافي صفر انبعاثات. ويظل من الأهمية بمكان الإقرار بأن توجهات البشر وسياساتهم المتنوعة في مجال مكافحة التغير المناخي مستقبلا هي ما ستصنع مستقبل التغير المناخي، على اعتبار أن البشر هم في الأساس المتسببون فيه، ومن ثم فهم وحدهم من يملكون الحل والمستقبل. وهو ما يفرض على الأفراد أن يبرزوا بصفتهم فاعلا مهما ولا غنى عنه في مسيرة مكافحة التغير المناخي؛ إذ تظل هناك حاجة ماسة إلى تكييف أنماط حياة البشرية للتغلب على التحديات المتزايدة التي يجلبها تغير المناخ. ولكي يحدث ذلك، يجب العمل على خلق ثقافة عالمية للتنمية المستدامة، تكون الحكمة منها استخدام الطاقة بكفاءة ورشد؛ حيث يكون الاقتصاد الدائري رهانا قويا، فضلا عن الاعتماد على المنتجات الصديقة للبيئة، وهو ما يتطلب تحمل مسؤولية جماعية، تدفع جديا نحو تحقيق ذلك الهدف.

وتبير الشربيني أنه في حين أن حلول تغير المناخ قد تبدو كأنها خارجة عن سيطرة الفرد، فإن التغيير الحقيقي يحدث عندما تندمج المسؤولية الشخصية مع الجهود الجماعية؛ إذ يمكن للبشر معا أن يختاروا إجراء تغييرات في الحياة اليومية من شأنها أن تساعد في تقليل مستويات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي. وانطلاقا من النمو التكنولوجي المتسارع وتوسع تطبيقات التكنولوجيا في مكافحة التغير المناخي، فإنه يجب المزيد من توظيف التقنيات الحديثة في مكافحة تلك الظاهرة الخطيرة، وهو الأمر الذي يوجب ابتداء تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ولعل الخطوة الأولى من أجل تحقيق ذلك تتمثل في تبني الطاقات المتجددة التي يتم تجديدها بشكل طبيعي على مقياس زمني للإنسان، كالطاقة الشمسية والرياح والأمطار والمد والجزر والأمواج والحرارة الجوفية.

وتؤكد على أن ثمة حاجة ملحة لتعزيز التكنولوجيا وتقنياتها وتطبيقاتها المختلفة في تطوير تقنيات مكافحة التغير المناخي، باعتبار ذلك إحدى الطرق التي يمكن من خلالها العمل على مكافحة التغير المناخي، كالاعتماد الشامل لأنظمة الخاليا الكهروضوئيةPV لتلبية احتياج البشر من الكهرباء؛ إذ يعد التحول إلى الألواح الشمسية والطاقة الشمسية طريقة رائعة لتقليل كمية التلوث وغازات الاحتباس الحراري، كما أن لها فائدة إضافية تتمثل في المساعدة في خفض فواتير الطاقة الشهرية. ويبقى من المهم الإشارة إلى أن مكافحة التغير المناخي تتطلب النهوض بثورة في الطاقة النظيفة، التي من شأنها أن تسرع مسار العالم نحو إزالة الكربون وبلوغ الهدف العالمي الرامي إلى بلوغ صافي صفر انبعاثات، وهو التحول الذي سيدعم بدوره فرص الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر.

وتوضح أن ثمة تحديات تقف في وجه العمل المناخي قد تعيق آثاره وجدواه. ويتمثل التحدي الأول في بقاء غازات الدفيئة في الغلاف الجوي لفترات طويلة، وحتى إذا توقفت الانبعاثات عن الزيادة، فإن تركيزات غازات االحتباس الحراري في الغلاف الجوي ستظل مستمرة في الزيادة والارتفاع لمئات السنين، وإذا استقرت التركيزات وظل تكوين الغلاف الجوي ثابتا –وهو السيناريو الذي يفرض حدوث انخفاض كبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الحالية – فإن من المرجح أن تستمر درجات حرارة الهواء السطحي في الارتفاع؛ ذلك لأن المحيطات التي تلعب دورا كبيرا في تخزين الحرارة، تستغرق عدة عقود كي تتمكن من الاستجابة بالكامل لتركيزات غازات الاحتباس الحراري المرتفعة، وهو ما يعني استمرار استجابة المحيطات لتركيزات غازات الاحتباس الحراري المرتفعة ودرجات الحرارة المرتفعة في التأثير على المناخ خلال العقود العديدة القادمة، وربما إلى مئات السنين.ويتمثل التحدي الثاني في كون ثاني أكسيد الكربون ملوثاعالميا لا يمكن احتواؤه محليا ومن ثم، فإن إدارة ثاني أكسيد الكربون وتنظيمه أصعب بكثير؛ فحتى إذا التزمت دولة ما بتدابير خفض الانبعاثات الكربونية وآليات مكافحة التغير المناخي، فإن ذلك ينعدم تأثيره إذا لم تتبع بقية دول العالم النهج ذاته، وأظهرت الالتزام الكافي بمكافحة الظاهرة العالمية التأثير. وعلى صعيد آخر، فإن ثمة تحديا شديد الأهمية والخطورة في الوقت ذاته؛ إذ أنه في التوقيت الذي تتصاعد فيه الاتجاهات العالمية ذات الاهتمام الواسع بظاهرة التغير المناخي، لا يزال هناك مشككون في الظاهرة، وينظرون إلى آليات مكافحة التغير المناخي بأنها مكبلة للنمو الاقتصادي العالمي، وهو ما يعني أنه لا يزال هناك عدم إجماع على القدر نفسه من كافة الدول والشركات والمنظمات والأفراد بشأن خطورة قضية التغير المناخي، وسبل التعاطي معها ومكافحتها.

وتلفت الشربيني إلى أنه في ضوء ذلك تحتاج المكافحة الفعالة لظاهرة التغير المناخي، وخفض تبعاته الاجتماعية والأمنية والسياسية والاقتصادية، إلى تكاتف عالمي من أجل تحقيق الرؤى والأهداف الخاصة بتعزيز آليات مكافحة الظاهرة، كما يتطلب كذلك تعزيز مفهوم العدالة المناخية، وهو مفهوم أخلاقي وسياسي مفاده أن لكل شخص وأمة على وجه الأرض حقوقا متساوية في الأمن المناخي وفوائد اقتصادية قوية ومستدامة، وهو ما يربط بين حقوق الإنسان والتنمية لتحقيق نهج محوره الإنسان، وحماية حقوق أكثر الناس ضعفا، وتقاسم أعباء وفوائد تغير المناخ وآثاره بشكل عادل ومنصف. وانطلاقا مما يثيره تغير المناخ من قلق بيئي وكذلك اجتماعي، فإن العدالة الاجتماعية وانطالقا يجب أن تكون محورية في تحقيق هدف العدالة المناخية، بحيث تضم التوزيع العادل للموارد ومسؤوليات الاستجابة لتحدي تغير المناخ.

وتخلص إلى أن من الأهمية بمكان، البحث في سبل احتواء الهجرة المناخية؛ فوفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن أكبر عشر حالات نزوح في عام 2016 كانت مرتبطة بصورة رئيسية بالمناخ، وقد حدث أغلبها في جنوب شرق آسيا، وهو الأمر الذي يستوجب تعزيز التعاون الدولي من أجل إيجاد حلول لاحتواء المهاجرين من تبعات التغير المناخي القاسية، وفي الوقت ذاته مراعاة عدم تأثير ذلك سلبا على البنية الاجتماعية للبلدان المستضيفة. إذ من شأن السير في اتجاهات متوازية بين إيجاد حلول وآليات لمكافحة التغير المناخي، بجانب القيام بإصلاحات في مسألة العدالة الاجتماعية والمناخية، أن يربط الأفراد على نحو أوسع بمكافحة التغير المناخي، ويشركهم في العمل المناخي مع الفاعلين الرئيسين، وهو الأمر الذي يكون له تأثير إيجابي في احتواء الظاهرة.