سوريا ساحة عنف متصاعد من جميع الأطراف

الانقسام على مستوى التحالفات العسكرية في المنطقة وارتفاع حدة الاقتتال الداخلي بين “قسد” ومقاتلي العشائر في دير الزور، أدى إلى شن هجمات غير مشروعة.

نيويورك – أفاد تقرير لجنة الأمم المتحدة للتحقيق قدمته إلى مجلس حقوق الإنسان، إن سوريا تواجه موجة من العنف لم تشهدها منذ عام 2020، وتصاعدت حدة القتال على مستوى الجبهات المتعددة، ضد المدنيين والمرافق الأساسية بأشكال من المُحتمل أن ترقى إلى جرائم حرب، منذ الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ما يجعلها الأشد خلال أربع سنوات.

وجاء هذا التصعيد عقب تفجير حفل تخريج طلاب الكلية الحربية في مدينة حمص الخاضعة لسيطرة النظام، ما أدى إلى مقتل 63 شخصًا على الأقل، من بينهم 37 مدنيًا، وإصابة العشرات، إذ قصفت قوات النظام والقوات الروسية، خلال ثلاث أسابيع فقط، 2300 موقع على الأقل في مناطق سيطرة المعارضة.

وبحسب رئيس لجنة التحقيق باولو بينهيرو، استهدفت الهجمات “العشوائية”، المستمرة حتى الآن، المشافي والمدارس والأسواق ومخيمات النازحين “المعروفة والبادية للعيان”، ما تسبب بقتل وإصابة المئات من المدنيين.

هيئة تحرير الشام تواصل التعذيب وسوء المعاملة والحرمان القانوني من الحرية، مع وجود تقارير تفيد بحالات إعدام بناء على أحكام موجزة، مقترنة بتهم تشمل الشعوذة والزنى والقتل

وبلغ عدد السوريين طالبي اللجوء في أوروبا، أعلى مستوى خلال السنوات السبع، إذ باتت سوريا مصدرا لأكبر أزمة نزوح على الصعيد العالمي، وتسببت في جعل 13 مليون سوري عاجزين عن العودة إلى بيوتهم.

ومنذ بداية الهجوم على غزة، اشتدت التوترات بين القوات الإسرائيلية والإيرانية والأميركية، إذ ضربت إسرائيل 35 مرة على الأقل، مواقع وقوات يزعم ارتباطها بإيران، كما استهدفت مطاري حلب ودمشق، بشكل أدى إلى وقف مؤقت للخدمات الجوية الإنسانية والحيوية للأمم المتحدة.

واستهدفت الميليشيات الموالية لإيران، أكثر من 100 مرة قواعد عسكرية أمريكية شمال شرقي سوريا، وردَّت الثانية من خلال ضربات جوية موجهة ضد المليشيات المتواجدة شرقي سوريا.

وذكر التقرير مقتل مدنيين وحرمان مليون شخص من الماء والكهرباء طيلة أسابيع، جراء هجمات الطيران المسير التركي ضد محطات الطاقة في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ردًا على هجوم أنقرة في أكتوبر/ تشرين الأول، الذي تبناه “حزب العمال الكردستاني” آنذاك.

وإضافة إلى أن الانقسام على مستوى التحالفات العسكرية في المنطقة، وارتفاع حدة الاقتتال الداخلي بين “قسد” ومقاتلي العشائر في دير الزور، أدى إلى شن العديد من الهجمات غير المشروعة، تسببت بوقوع ضحايا من المدنيين.

وحمل التقرير، استمرار الأعمال العدائية في شمال شرقي سوريا، إلى “فشل الإدارة الذاتية” في تقديم الخدمات الحيوية، بشكل يضمن الحقوق الأساسية.

ووثقت اللجنة عدد من الوفيات أثناء الاعتقال في السجون السورية، بما في ذلك “سجن صيدنايا سيء السمعة”، في حين يواصل النظام ممارسة الاخفاء والتعذيب وسوء المعاملة بحق المعتقلين وإعاقة جهود الأهالي للتأكد من مصير ذويهم المعتقلين، من خلال اللجوء إلى الابتزاز، عقب مرور أربعة أشهر على قرار محكمة العدل الدولي، يطالب النظام بمنع التعذيب وتدمير الأدلة.

بدورها، تواصل هيئة “تحرير الشام”، التعذيب وسوء المعاملة والحرمان القانوني من الحرية، مع وجود تقارير تفيد بحالات إعدام بناء على أحكام موجزة، مقترنة بتهم تشمل الشعوذة والزنى والقتل، إضافة منع أو تأخير إصدار تراخيص للمنظمات النسائية وتهديدها، مما تسبب في تعليق نشاطها في المنطقة.

وفي المناطق الخاضعة لسيطرة ما يسمى بـ “الجيش الوطني السوري” المعارض، استمرت أعمال التعذيب وسوء المعاملة في العديد من مرافق الاحتجاز، إضافة إلى مصادرة بعض فصائل “الجيش الوطني”، الأراضي ومحاصيل الزيتون التي تعود ملكيتها إلى المُتغيبين، بحسب التقرير.

وذكرت لين ولشمان، إحدى أعضاء اللجنة، أنه بعد مضي خمس سنوات على سقوط الباغوز من سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، لا يزال حوالي 30 ألف طفل محتجزين في معسكرات الاعتقال، أو السجون، أو مراكز إعادة التأهيل في شمال شرقي سوريا، مشيرة إلى كون الأطفال ضحايا حكم التنظيم، ولا ينبغي معاقبة أي طفل بسبب أفعال أو معتقدات والديه.

وخلصت اللجنة إلى أن ظروف العيش في مخيمي “الهول” و”روج”، ترقى إلى “المعاملة القاسية واللاإنسانية والاعتداء على الكرامة الشخصية”، حاثة الدول على السماح للأطفال، بما فيهم السوريين، بالعودة الفورية إلى أوطانهم، مع التكفل بإعادة دمجهم بالمجتمع والمساءلة بشأن الجرائم التي تعرضوا لها.

ونوه التقرير إلى مصاعب غير مسبوقة يواجها السوريين، إذ هناك 16.7 مليون شخص داخل سوريا، بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، وهو بحسب التقرير، الرقم “الأعلى من نوعه” منذ 2011.

وستقوم اللجنة بتقديم تقريرها الأخير المُعد بموجب ولايتها إلى مجلس حقوق الإنسان يوم 18 من مارس/ آذار. وافتتح مجلس حقوق الإنسان دورته الـ55، في 26 من فبراير/شباط الماضي، في جنيف، برئاسة المغرب، ومن المخطط أن تستمر أشغالها لغاية 5 من أبريل/ نيسان المقبل.