شبهات تغول واستغلال تحوم حول النقابات الأمنية التونسية

الرئيس التونسي يعتبر دعوات النقابات الأمنية لعدم تأمين التظاهرات إضرابا مقنعا ويذكّر بأن الإضراب ممنوع على الأمنيين بمقتضى الدستور.
سعيّد يدعو لتوحيد النقابات الأمنية
القانون التونسي يكفل الحق النقابي للأمنيين ويستثني حق الإضراب
هكذا تم تطويع النقابات الأمنية لخدمة أجندات سياسية
تونس

عاد الحديث في تونس عن النقابات الأمنية والأدوار التي لعبتها والتي يمكن أن تلعبها مستقبلا في ظل التحولات السياسية التي مرت بها تونس منذ سنة 2011.
وتتباين الآراء بين من يرى في جود النقابات الأمنية تعبيرا عن سير البلاد نحو الديمقراطية الحقيقية من خلال الأدوار التي يمكن أن تلعبها تلك الهياكل في إرساء أمني جمهوري منفصل عن أوامر السلطة السياسية، وبين من يعتبر أن النقابات الأمنية لعبت دور العصا الغليظة في يد البوليس ليفرض بها إرادته على باقي أطياف المجتمع السياسي والمدني.
وأكد الرئيس التونسي قيس سعيّد، خلال استقباله بقصر قرطاج، وزير الداخلية توفيق شرف الدين الأربعاء، على أن الحق النقابي بالنسبة للأمنيين حق معترف به دستوريا، مستدركا أن الدستور يستثني حق الإضراب من النشاط النقابي للأمنيين.
وقال سعيد إن "عدم تأمين أي تظاهرة تحت أي ذريعة كانت هو إضراب مقنع وإخلال بالواجب المهني".
ودعت النقابة الجهوية لقوات الأمن الداخلي بصفاقس (جنوب) لعدم تأمين عروض الممثل المسرحي لطفي العبدلي احتجاجا على "حركة غير أخلاقية" توجه بها العبدلي للأمنيين الحاضرين بمسرح صفاقس لتأمين عرضه المسرحي. وهو ما نفاه العبدلي الذي اتهم أمنيين بقطع المسرحية بالقوة ومنعه من مواصلة العرض. وهو ما نفته وزارة الداخلية في بيان رسمي.
ونشأت عشرات النقابات الأمنية في الأشهر الأولى بعد الثورة بدون أي إطار قانوني ينظمها، قبل أن تتحصّل في أيار/ مايو 2011 على اعتراف رسمي، عبر إصدار المرسوم عدد 42 المنقّح للنظام الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي الذي أجاز العمل النقابي لأعوان الأمن لكن دون الحق في الإضراب. 

سعيّد يقترح توحيد النقابات الأمنية تحت مسمى الاتحاد العام التونسي لقوات الأمن الداخلي

وتم تأكيد هذا المبدأ لاحقا في الفصل 36 من دستور 2014 المنتهية صلاحيته.
وجدد الرئيس التونسي في لقاء الأربعاء مع وزير الداخلية دعوته لتوحيد نقابات الأمن الداخلي في هيكل واحد يقوم على أساس الانتخاب ويقتصر على الجوانب الاجتماعية دون سواها. 
وذكّر سعيّد بأنه كان قد تقدم بهذا المقترح منذ سنة 2012 لإنشاء هيكل نقابي موحد اقترح له اسم الاتحاد العام التونسي لقوات الأمن الداخلي.
ويرى متابعون أن النقابات الأمنية برزت في مناخ من الفوضى التي عمت البلاد على جميع المستويات غداة احداث 2011. ولعل هذا ما يفسر الطفرة النقابية في تلك الفترة حيث برزت خلال بضعة أشهر أكثر من 100 نقابة أساسية.
ثم برزت بعض الهياكل النقابية في محاولة للتجميع لكن تلك النقابات القاعدية ظلت محافظة على قدر كبير من الاستقلالية.
ولعل ما يعزز هذه الاستقلاليّة هو المنافسة بين الهياكل الكبرى على تمثيل جميع قوات الأمن، خاصة نقابة موظّفي الإدارة العامة لوحدات التدخل، والاتحاد الوطني لنقابات الأمن التونسي، والنقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي. 
ويقول الصحفي وليد الماجري في مقال نشره بموقع الكتيبة للصحافة الاستقصائية بعنوان "النقابات المسلحة .. شوكة في خاصرة الديمقراطية"، أن المنافسة بين النقابات الأمنية أفشلت محاولات توحيد النقابات في هيكل جامع، وشجعتها على المزايدة والإقصاء، ودفعت المركزيات النقابية إلى السكوت عن تجاوزات أعضائها وهياكلها خشية انتقالهم إلى الهيكل النقابي المنافس.

الأجندات الحزبية والسياسية وتدخلات رجال الأعمال ساهمت في انحراف عمل النقابات الأمنية

ويلوم النقابي الأمني السابق ورئيس منظمة الأمن والمواطن عصام الدردوري على الحكومات المتعاقبة منذ 2011 "لتقاعسها عن إصلاح الجهاز الأمني وتنظيم العمل النقابي صلبه".
وتعددت محاولات إصلاح المنظومة الأمنية طيلة السنوات الماضية دون أي تفعيل حقيقي. ويتهم البعض النقابات الأمنية نفسها بتعطيل تلك الإصلاحات الرامية لإرساء أمن جمهوري يحمي الحقوق والحريات ويقطع مع ممارسات دولة البوليس.
ووضع الأزهر العكرمي الوزير السابق المكلف بالإصلاح لدى وزير الداخلية في أواخر 2011 خطة إصلاح جذرية للمنظومة الأمنية تحت عنوان "الأمن والتنمية: نحو أمن في خدمة الديمقراطية". لكن دون أن ترى تلك الإصلاحات النور.
ويضيف الدردوري في تصريح خاص لـ"ميدل إيست أونلاين" أن بعض الاتهامات الموجهة للنقابات الأمنية بالتغول والانحراف بالعمل النقابي ساهمت فيها إلى حد كبير السلطة السياسية المرتعشة وتدخل رجال الأعمال وأصحاب النفوذ فضلا عن الأجندات الحزبية بدءا بحركة النهضة التي أرادت منذ البداية استغلال النقابات لخلق فتنة داخل الجهاز الأمني نفسه".
وقدّمت حركة نداء تونس التي أسسها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي دعمها لبعض النقابات الأمنية على حساب نقابات أخرى. وكذلك فعلت أحزاب أخرى شاركت في الحكم على غرار حزبيْ قلب تونس وتحيا تونس اللذين ساندا أجندات بعض النقابات الأمنية بدرجات متفاوتة.

وأسهمت عوامل عديدة في هذه الطفرة النقابية، منها استعمال بعض المديرين العامّين، المهدَّدين بشبح الإبعاد مع كلّ تداول في السلطة، النقابات لتحصين مواقعهم.
وتعددت المناسبات التي تعاملت فيها بعض النقابات الأمنية بانفلات لعل أبرزها عندما حاصرت في فبراير/ شباط 2016، مقر رئاسة الحكومة في القصبة للضغط عليها من أجل تحقيق مطالب مادية. كما أجمعت أكبر النقابات الأمنية في بيان مشترك، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، على تهديد النواب والسياسيين بعدم تأمين حمايتهم إن لم يصادقوا على مشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين في غضون أسبوعين. 
ويبقى التجاوز الأخطر في نظر العديد عندما حاصرت نقابتان أمنيتان، من بين الأكثر تمثيلاً، محكمة بن عروس (الضاحية الجنوبية للعاصمة) في فبراير 2018 خلال نظرها في اتهام بعض أعوان البوليس بجريمة التعذيب. وتكرر الأمر في أكتوبر 2020، للضغط على قاضي التحقيق في قضية أخرى.

عملت النقابات الأمنية لسنوات مع الأمم المتحدة لإرساء مفهوم شرطة القرب

وكشف موقع الكتيبة عن "قيام نقابيين أمنيين بالاتصال خلال الأيام التي تلت مسيرة كبرى في كانون الثاني/ يناير 2021، بعدد من مديري ورؤساء تحرير مؤسسات صحفية لتهديدهم بالتنكيل بصحفييهم ومنعهم من العمل في الميدان والانتقام منهم في حال تعرضوا للأمن والنقابات الأمنية بالانتقاد".
ويرى الدردوري أن بعض النقابات الأمنية تخلط بين العمل النقابي والسلطة التي يمنحها القانون للبوليس كأداة تنفيذية.
وأوضح أن العمل النقابي الأمني هو جزء من نشاط المجتمع المدني المحلي والدولي. واستشهد بعدد من المشاريع التي انخرطت فيها النقابات الأمنية والتي أثرت إيجابيا على تصوراتها للعمل النقابي، من ذلك مشروع "شرطة القرب" الذي يجمع صندوق الأمم المتحدة للتنمية بأكبر نقابتَيْن أمنيتين (نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل والنقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي)، الذي استمر من 2013 إلى 2019 بموازنة تجاوزت 10 ملايين دولار.
ويسود الرأي العام التونسي موقفان من مصير النقابات الأمنية، موقف ينادي بحظر العمل النقابي على جميع القوات الحاملة للسلاح، وموقف يطالب بالتأطير والإصلاح معتبرا أن النقابات لعبت رغم كل الهنات دورا في كشف المسؤوليات السياسية عن تفشي الإرهاب والتهريب وغسل الأموال في تونس. وقاومت بشدة محاولات تسييس وزارة الداخلية وتصدت لخلايا الأمن الموازي التي حاولت حركة النهضة الإسلامية زرعها عقب 2011.