شرق السودان أزمة كامنة حيّرها اتفاق السلام

قبائل شرق السودان تحتج على مسار الشرق المضمن في اتفاق السلام الموقع في جوبا، بين الخرطوم وحركات مسلحة متمردة، وتطالب بمسار جديد لا يهمّش سكان المنطقة ويساهم في تنمية الإقليم.
إقليم إستراتيجي يضم موانئ البحر الأحمر وغني بالموارد الطبيعية
الحركات الاحتجاجية مستمرة بالتزامن مع خلافات شركاء الفترة الانتقالية
كيانات قبلية ترفض اتفاق "مسار الشرق" لتمثيله غير العادل لسكان الإقليم

الخرطوم - تشهد أزمة شرق السودان تصعيدا له تداعيات أمنية وسياسية واقتصادية كبيرة على البلاد في وقت مازالت فيه الأوضاع الأمنية في البلاد هشة خاصة مع في خضم خلافات متصاعدة بين المكونين العسكري والمدني في الائتلاف الانتقالي الذي يحكم السودان منذ 2019.

ويرى محللون وسياسيون أن الأزمة في شرق السودان التي تمثلت بإغلاق الموانئ والطريق الذي يربطها بالبلاد تعكس ما يعانيه الإقليم من تهميش منذ أكثر من ستين عاما، وقد أعاده اتفاق السلام الموقّع في جوبا إلى الأضواء.

ويضم إقليم شرق السودان ثلاث ولايات هي البحر الحمر وكسلا والقضارف. ويعتبر استراتيجيا كونه يحدّ إريتريا ومصر وإثيوبيا. ويمتد فيه ساحل على البحر الحمر طوله 714 كيلومترا توجد عليه مرافئ نفطية.

ويضم الإقليم خمسة أنهر وأكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون هكتار من الأراضي الزراعية. وتشكّل هذه الموارد عناصر مهمة لبلاد تعاني من اقتصاد متداع نتيجة سنوات الحكم الطويلة وسوء الإدارة والعقوبات في عهد الرئيس السابق عمر حسن البشير الذي أطيح به في 2019.

ويقول الكاتب المتخصص في قضايا الإقليم أمير بابكر "الأزمة قديمة جدا (...). منذ استقلال السودان، عانت المنطقة من تهميش اقتصادي وسياسي، لكن توقيع اتفاق جوبا فجّرها".

 ونُظّمت احتجاجات في ميناء بورتسودان منذ 17 سبتمبر ضدّ اتّفاق سلام تاريخي وقّعته الحكومة الانتقاليّة السودانيّة في أكتوبر عام 2020 في مدينة جوبا مع عدد من الحركات والقبائل التي حملت السلاح في عهد البشير ضد القوات الحكومية احتجاجا على التهميش الاقتصادي والسياسي لمناطقها. وبين هذه الأطراف المتمردة، مجموعات من شرق السودان. ويقول المحتجون إن اتفاق السلام لا يضمن تمثيلا عادلا لشرق السودان.

وأبرز منظمي الاحتجاجات والمشاركين فيها أفراد من قبائل البجه، وهم من السكان الأصليين للمنطقة، وموجودون فيها منذ أكثر من سبعة آلاف عام، وينقسمون إلى مجموعات، بحسب اللغة التي يتكلمونها: الهدندوة والبشاريون والعبابدة والأمرار والحلنقة والأرتيقة والشاياب والجميلاب والبداويت، وهي لغة قديمة. بالإضافة إلى مجموعات البني عامر والحباب والماريا ومجوعات أخرى أصغر بينها من يتحدث لغة التغري القديمة.

ويقول سيد علي أبو آمنه، وهو من القياديين النافذين في المنطقة، "الأزمة مركّبة، بمعنى أن قضية إقليم شرق السودان في التهميش قديمة والمطالب بالحقوق لدى سكان الإقليم متواصل منذ الاستقلال. والآن، مسار جوبا خلق أزمة جديدة".

في سنة 1958، أسّس البجه حزبا باسم مؤتمر البجه لإزالة التهميش عن الإقليم. وحملت المجموعة السلاح ضد حكومة البشير في عام 1994 وظلّت تقاتله بدعوى تهميش الإقليم حتى وقّعت معه اتفاق سلام عام 2006 بالعاصمة الإريترية أسمرا.

ويقول أسامة سعيد، رئيس وفد التفاوض عن شرق السودان الذي وقع على مسار جوبا، بدوره إن الإقليم "زاخر بموارد طبيعية". ويضيف "مع ذلك، هو مهمّش. على سبيل المثال، يخرج منه ستون في المئة من إجمالي إنتاج البلاد من الذهب إضافة إلى إيرادات الموانئ".

وتعتبر ولاية القضارف أكبر ولاية زراعية في السودان، ووفقا لإحصاءات وزارة الزراعة السودانية، تزرع فيها سنويا ثمانية مليون فدان.

ويعتبر الإقليم من أفقر مناطق السودان، وفقا لإحصاءات حكومية رسمية. ففي مسح أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الحكومي عام 2017، بلغ معدل الفقر في الولايات الثلاث 54 بالمئة، بينما يبلغ 36 بالمئة على المستوى الوطني.

وفي مسح لوزارة الصحة السودانية عن معدلات وفيات الأمهات أثناء الولادة من عام 1990 إلى 2009، جاءت نسبة ولاية كسلا أعلى من كل ولايات البلاد.

ووصف رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان الاحتجاجات في شرق السودان بـ"الأمر السياسي". وقال في تصريحات الأحد خلال افتتاح مستشفى عسكري بالخرطوم، "ما يحدث من إغلاق في الشرق.. أمر سياسيّ، ويجب أن يتمّ التعامل معه سياسيا".

ويقول أبوآمنه إن ما أشعل فتيل غضب البجه هو توقيع الحكومة الانتقالية على اتفاق مسار الشرق. وقال "البجه يمكنهم أن يعيشوا في ظل التهميش، لكن اتفاق المسار مسّ سيادتهم على الإقليم وأتى بأناس لا علاقة لهم بالمنطقة وقّعت الحكومة معهم اتفاقا".

أما سعيد فيقول من جهته "انتزاع مسار باسم الشرق لم يكن أمرا سهلا. الحكومة كانت تعتقد أن ليس هناك نزاع في الشرق ولا حاجة للتفاوض. مع ذلك أتينا بمكاسب لإنسان الشرق باعتراف الحكومة بتهميشه وتخصيص 30 بالمئة من الموارد التي تخرج من الإقليم لصالحه".

ويقول أمير بابكر إن المسار فيه مشكلات يجب الاعتراف بها، مضيفا أنه تمّ "مع مجموعة محددة تنتمي إلى مكوّن اجتماعي واحد من الإقليم وتجاهل بقية المكونات وهذا أرسل رسالة سلبية إلى هذه المكونات".

لكن سعيد يرد بأن مجموعات أهلية من الإقليم كانت موجودة خلال التوقيع. فيقول أبوآمنه إن "أغلب الإدارات الأهلية ضد الاتفاق"، مؤكدا أن "الاتفاق مفتوح لمن يريد إضافة مكاسب لأهل شرق السودان".