صحيفة العرب اللندنية: ما هكذا تورد الابل

الأكراد مع المطالب المشروعة للمتظاهرين ومع اي حل يؤدي الى تلبية مطالب المتظاهرين.

نشرت صحيفة العرب اللندنية قبل ايام تقريرا حاولت من خلاله شيطنة المواقف الكردية والتشكيك بها حسب مزاج وتوجهات القائمين على الصحيفة. فقد تناول التقرير ملتقى "اربيل - النجف" الذي اقيم في اربيل مؤخرا، وحاول كاتبه تسويق فكرة ان الملتقى هدف الى اعادة "احياء" التحالف الكردي الشيعي للوقوف بوجه تظاهرات الشارع العراقي ومنع انهيار العملية السياسية التي حقق فيها الكرد مكتسبات كثيرة حسب رأي التقرير.

وقد وقع التقرير في مغالطات واخطاء كثيرة دلت على فقر كاتبه المدقع لابجديات المعلومة السياسية، فكيف يمكن الوثوق بمعلومات تقرير يتصور ان السيد مسعود بازراني هو زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني؟

بغض النظر عن المعلومة السياسية، دعونا نتناول بعض المغالطات التي وقع فيها التقرير والتي نتمنى ان تكون عن جهل سياسي وليس عن سابق اصرار وترصد:

1- اكد التقرير في بدايته ان الكرد يحاولون اعادة تحالفهم مع القادة الشيعة واستغلال موقفهم الضعيف بسبب التظاهرات للحصول على المزيد من التنازلات منهم، حيث ذكر: بان الكرد "يريدون مسك القيادات الشيعية من المنطقة التي توجعهم وهي مصيرهم المظلم" بعد التظاهرات، ثم يسترسل التقرير ليقول "بان الذي حصل هو استطلاع وجهات نظر شيعية من الخط الثاني من بين رجال فقه واكاديميين شيعة تمت دعوتهم الى اربيل."

ان كانت كردستان تريد احياء التحالف الكردي الشيعي للحصول على مكتسبات منهم، فلماذا يتم دعوة اكاديميين ورجال فقه من الخط الثاني، خاصة وان القرار الشيعي السياسي هو بيد قادة الصف الاول الذين يستطيع قادة الاقليم التواصل والاتفاق معهم دون ملتقيات.

ان الهدف الحقيقي من دعوة اكاديميين ورجال فقه من الدرجة الثانية هو رغبة اربيل في الوقوف عن كثب على حقيقة توجهات الشارع الشيعي واسباب التظاهرات التي تعمه، والشخصيات المدعوة هذه (شخصيات الخط الثاني) هم اكثر قربا للشارع المنتفض من ساسة الصف الاول.

2- يقول التقرير ان "الكثير من المثقفين والساسة الذين حضروا الملتقى فاجأوا الكرد من خلال انتقادهم للموقف الكردي من ’الانتفاضة‘ ونظرة القيادات الكردية المنغلقة المصلحية وعدم تجاوبها مع تطلعات عموم العراقيين."

ويبدو ان كاتب التقرير غير مطلع على الموقف الكردي من تظاهرات الشارع العراقي والذي اعلن عنه الساسة الكرد في اكثر من مناسبة دون خجل او مواربة. فالكرد مع المطالب المشروعة للمتظاهرين ومع اي حل يؤدي الى تلبية مطالب المتظاهرين. وما يؤكد عليه الاقليم دائما هو تحذير الطرفين فقط من انفلات الوضع والدخول في فوضى عارمة يفقد فيها العراق مقومات الدولة، وهذا التخوف نابع من قراءة نتائج ثورات الربيع العربي التي لا زالت اغلب دولها تعيش حالة فوضى وعدم استقرار.

3- يقول التقرير "ان رئيس (الاتحاد الوطني الكردستاني) مسعود بارزاني ابدى ومنذ الايام الاولى للتظاهرات مخاوفه من نجاحها في تحقيق مطالبها وفي مقدمتها تعديل الدستور واقالة الحكومة والذهاب الى تعديل قانون الانتخابات وتشكيل مفوضية عليا للانتخابات مستقلة بشكل حقيقي."

وهنا اراهن كاتب التقرير الهمام الذي لا يعرف الى الان ان السيد مسعود بارزاني هو رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني وليس الاتحاد الوطني الكردستاني، اذا يستطيع ان يذكر لنا اين ومتى ابدى السيد مسعود بارزاني مخاوفه من نجاح التظاهرات؟

اما بالنسبة لتغيير الدستور او تعديله او تغير قانون الانتخابات او المفوضية، فان موقف الاقليم منها واضح وجلي، فهذه نقاط سياسية دقيقة تخص جميع مكونات العراق، واي تغير فيها يجب ان يحوز على تأييد جميع تلك المكونات حسب الدستور الذي استفتي عليه كل الشعب العراقي، وخاصة المكون الشيعي منه. ولا يجوز ان تتخذ شريحة صغيرة من مكون واحد دور الوصي على الاخرين بمختلف قومياتهم واديانهم ومذاهبهم، ويدعو لتغيرات سياسية جوهرية نيابة عن الاخرين.

ان مواقف القادة الكرد واضحة، وهم اصدق من بقية الساسة العراقيين امام الشعب العراقي، ودفاعهم عن الشعب الكردي لا يعني بالضرورة معاداتهم لمطالب المكونات الاخرى، ولا ادري من اين استقى كاتب التقرير ابجدياته السياسية تلك.

4- اوقع التقرير نفسه في خطأ يقع فيه اغلب الساسة العراقيين (وهو خطا مقصود وليس عفويا) وهو استخدام كلمة الطائفية ليشمل التنوع القومي ايضا.بينما تعني كلمة "الطائفية" انتماءات اقل مساحة من الانتماء القومي كأن يكون انتماءا مذهبيا على سبيل المثال.

ان الدعوة الى نبذ الطائفية بهذه الشمولية المطلقة لاي انتماء، لها ابعاد عنصرية تصب في صالح الاغلبية القومية في العراق، فهي تنبذ الطائفية المذهبية (الشيعية السنية) لتصب في صالح وحدة الانتماء القومي العربي، كذلك تنبذ الطائفية القومية (حسب معناها الشمولي عندهم) لذوبان القوميات الاقل عددا في القومية الاكثر عددا وهي القومية العربية. وفي الحالتين فان نبذ الطائفية حسب معناها المزدوج تصب في صالح توجهاتهم القومية الضيقة.

والحقيقية ان الكرد لا يرون في الاختلاف القومي (العربي - الكردي - التركماني - الاشوري - الكلداني - السرياني) ضعفا للعراق، بل مبعث قوة له، ان استخدم بشكله الصحيح، وهي خصوصية لا يمكن التخلي عنها. بيد ان المشكلة تكمن في تحويل الانتماء القومي او المذهبي الى سبب تمحو من خلاله الاخر المختلف. عليه فالمشكلة تكمن في العقلية التي تتبنى هذا الاختلاف وليس في الاحتلاف نفسه، لذلك فمن الواجب تغير تلك العقلية لا التضحية بالانتماء المذهبي او القومي في سبيل تلك العقلية.

5- لا ندري لماذا يتناول التقرير الموقف الكردي بالنقد والتهجم، ويغض نظره عن الموقف السني (ساسة وشارعا) وهو موقف مطابق الموقف الكردي تماما، خاصة وان اكثر الاخوة العاملين في صحيفة العرب اللندنية هم من المكون السني العراقي.

يبدو ان كاتب التقرير يتغافل عن حقيقة ان هناك شارعا شيعيا منتفضا على احزاب شيعية فاسدة، واي تأييد سني او كردي كامل للتظاهرات سيكون هدية جاهزة لتلك الاحزاب الشيعية لاتهام التظاهرات بالعمالة لجهات اجنبية اقليمية ودولية من خلال التأييد الكردي والسني لها.

لذلك فان الموقفين الكردي والسني من التظاهرات هما موقفان حكيمان للحفاظ على سلامة المتظاهرين وديمومة مطالبتهم بحقوقهم.

6- لو اعلن الكرد تأييدهم الكامل للتظاهرات واداروا ظهرهم للعملية السياسية، لخرج علينا الاعلام المشيطن لاي توجه كردي متهما اياه بانه يدفع البلاد نحو التقسيم والدمار بتأييدهم للتظاهرات، وكانت ستخرج علينا نفس الصحيفة بتقرير اخر مشابه تماما لهذا التقرير لكن بأدوات اخرى واتهامات اخرى جاهزة.

7- ان حرص الملتقى على استضافة شخصيات شيعية دون السنية يرجع اسبابه لامرين:

الاول، ان الشارع الشيعي هو المنتفض وليس السني، اذا السياسي الشيعي هو المعني بالموضوع وليس السني.

والثاني، ان الضيوف الذين حضروا من الشيعة كانوا من الخط الثاني (باعتراف التقرير)، اما بالنسبة للسنة فالساسة الموجودون على الساحة اما معارضون بشكل كامل للعملية السياسية يفتقرون لنقاط مشتركة معهم، او انهم موجودين في العملية السياسية يتبركون ببركاتها ولا يعنيهم امر التظاهرات.لذلك فنوعية الضيوف لم يكن فيها مقاصد معينة مثلما اشار اليها التقرير.

اخيرا... هناك سؤال بريء يراودني اريد توجيهه للصحيفة...

ترى هل كانت الصحيفة ستتوجه بهذا النقد غير الموضوعي لكردستان لو ان الملتقى كان تحت مسمى "اربيل - الانبار" او "اربيل - صلاح الدين"، ام ان وراء الاكمة ما وراءها؟