صفقة القرن.. ثرثرة عربية وتمدد إيراني

لن يُقدم الصهاينة في فلسطين على ارتكاب ما هو أعظم مما فعلته إيران في ديار العرب.

منذ النكبة الكبرى عام 1948 ابتلينا بطائفة تهوى الثرثرة حول قضية فلسطين، ظنوا أن كل شيء مرتبط بها يتمحور حولها، وكل شيء يُفسر على أساسها، فكل حدث يجب أن يقرأ في ضوء الصراع بين الصهاينة والعرب، وكل خيانة وفساد وشر ينبغي ربطه بهذا الصراع. ووفقاً لهذا التصور الفاسد سمعنا وقرأنا ألوانا من الأكاذيب والخرافات.

ربما كان هذا النوع من الهراء مقبولاً حتى 11 أيلول عام 2001، فالتطورات التي أعقبت هذا الحدث لم تعد تسمح باستمرار هذا المنطق الأعوج في التعاطي مع قضية فلسطين. وأهم هذه التطورات: تفجر الخلاف السني – الشيعي على امتداد المنطقة العربية من البحر المتوسط وحتى خليج العرب. وهي قضية يحكم الشرع والعقل والمنطق والعاطفة بأن لها الأولوية على غيرها من القضايا العربية، وفي مقدمتها قضية فلسطين، والأسباب التي تحتم هذه الأولوية كثيرة، من أهمها أن العرب لن يتمكنوا من الاهتمام بقضية فلسطين والتشيع -بقيادة ايران- يجتاح بلادهم يقتل أولادهم ويخرجهم من ديارهم ويسعى لتغيير أديانهم، ففاقد الشيء لا يعطيه، والعرب يفتقدون مقومات كثيرة لابد من وجودها للتفكير الجاد بقضية فلسطين، وليس مجرد الثرثرة الفارغة.

في ضوء هذه التطورات لاسيما بعد أن أصبحت بلاد الشام والعراق أطلالاً وخرائب لا صوت فيها يعلو فوق صوت "يا حسين" كان من المفترض أن يخبو صوت الثرثرة حول فلسطين، فالحال الجديد لم يعد مناسباً لمثل هذا الهراء، لكن يبدو أن هناك إصراراً على المنطق القديم حول ربط قضايا العرب كلها بقضية فلسطين، وهذا الإصرار يتضمن التجاهل لقضايا الشعوب السنية التي تسحق بيد ايران وأشياعها، وانحيازاً واضحاً للحلف الشيعي والمتصالحين مع مشروعه.

القضية التي تستهوي حزب الثرثرة هذه الأيام ما يُعرف بقضية القرن، بالرغم أنه لم يثبت فيها أي شيء من مصادر يمكن الاعتماد عليها، والأمر محض توقعات ومخططات وتسريبات صحفية.

يتزامن الحديث عن صفقة القرن وورشة البحرين مع حرب فعلية على بقايا الوجود السني في شمال سوريا (إدلب وريف حماة الشمالي)، وحرائق متعمدة للمحاصيل الزراعية في المناطق السنية العراقية، واستيلاء على كثير من الأوقاف السنية في مدينة الموصل، وغيرها من فصول المأساة السنية التي نعيشها كل يوم.

لا يمكنني بعقلي وعاطفتي أن أفكر مجرد تفكير بتفاصيل صفقة القرن وعواقبها، في الوقت الذي فعلت فيه إيران أضعاف الشر المتوقع حصوله إن تمت هذه الصفقة، فليس في الإمكان أسوأ مما فعلته إيران، ولن يُقدم الصهاينة في فلسطين على ارتكاب ما هو أعظم مما فعلته إيران في ديار العرب، فالإثم كل الإثم فيما تفعله إيران، وكل إثم فهو دونه مهما عظُم أو عظّموا من شأنه.

الحديث عن الواقع الذي يسعى إليه الصهاينة، وتجاهل الحديث عمّا تحقق –وما زال يتحقق- للإيرانيين على أرض للواقع من مكاسب يحلم بها الصهاينة هما خيانة واضحة حتى وإن تذرع أصحابها بالدفاع عن المقدسات في فلسطين، فالأماكن الأكثر قداسة عند المسلمين في مكة والمدينة يسعى الإيرانيون للسيطرة عليها وبعث معالم الوثنية فيها، وهذا بحد ذاته أخطر من زوال فلسطين بمن فيها.

الثرثرة حول قضية فلسطين باتت مقرونة بالهجوم على الدول السنية التي تسعى إيران لإسقاطها والسيطرة عليها من جهة، والسكوت عن إجرام إيران في بلاد السنة من جهة ثانية فهي قضية مشبوهة رضي أصحابها أن يتجحفلوا في خندق إيران، وعليه فهي قضية مؤجلة حتى يسترد السنة سيادتهم على بلادهم ويرتد الايرانيون نحو بلادهم ويكفوا عن التفكير بنشر مذهبهم وتصدير ثورتهم البائسة.