صفقة القرن والموقف الفلسطيني

كيف يسمح كاتب لنفسه وهو يدعي الثقافة أن يتهم الفلسطينيين بأنهم عبء عليهم؟

دأبت الشعوب المتحضرة على إجراء استفتاءات عامة بشأن القضايا الخلافية التي تمس الشعب، وهذه هي اللغة التي يفهمها الساسة الذين يقدمون المقترحات من وحي الخيال، وإذا لم يعبر الشعب عن نفسه، يبقى الزعيم المسكين في دائرة الاتهام والرشق بتهمة الخيانة. وهذا ما يجري اليوم بالنسبة لصفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من أن الموقف الرسمي عبر بوضوح عن رفضه، إلا أن الشارع العربي يرمق الفلسطينيين بنظرة الحقد، وكأنه مسؤول عن الخراب الذي لا يزال يتسع في البلدان العربية.

لن يقتنع الشارع العربي بأن الفلسطيني ليس ابن كلب على الرغم من وضوح موقفه، والطريقة المثلى لكوشنير وغيره هي طرح الصفقة على اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، وليس من الصعب إحصاؤهم والوصول إليهم، وتوجيه السؤال لهم دون مواربة، "هل تتنازل عن حق العودة مقابل مليون دولار؟" فإذا أجاب أنه لا يقبل، فلا مجال للحقد على هذا الفلسطيني ورشقه بالنقائص، وإذا قبل، فهذا يعني أنه سيتقاضى مبلغا كبيرا وربما يخرج من دياركم، ولا يزعجكم.  

بالطبع، لا مجال للوعظ الآن لأن الهم اكتسح الجميع، والجميع في دائرة الخطر، ولكن الأصل في هذه المنطقة المسماة بالوطن العربي أن تكون دولة واحدة ويدا واحدة، فإذا أصاب جانبا مكروه، يهب الجميع للذود عنه، ولو كانت يدا واحدة لما أصابها مكروه بالأصل، لأن عوامل القوة تتجمع فيها وتتكامل اقتصاديا وعسكريا، وتجني ثمار ومنافع الوحدة التي لا حصر لها. وهذا شأن الدول الكبيرة مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، فهي لا تخشى أحدا ولا تقلق بنزوح فئة من شعبها من منطقة إلى أخرى وتضيق ذرعا بهم، وتعيب عليهم وتدعو إلى طردهم. بل تذود عنهم وتسترد حقهم الذي هو حقها أيضا.

إنه أمر مؤسف خاصة وأن جميع العرب مرشحون أن يصبحوا لاجئين في أي وقت، فما بال الذين لم يصلهم الطوفان بعد يفجرون هذا الفجور؟ هل هم محصنون من الغرق أو التشرد؟ كيف يسمح كاتب لنفسه وهو يدعي الثقافة أن يتهم الفلسطينيين بأنهم عبء عليهم؟ هذا جهل وليس ثقافة. ألا يرون أن ايران تستغل هذا الضعف وهذا التفرق وتدعي أنها تهدف إلى تحرير فلسطين، وتمكنت من كسب ولاء عدد كبير من العرب الذين صدقوها؟

إن إجراء استفتاء وخروج مظاهرات كبرى لرفض صفقة القرن والمطالبة بالعودة يخفف الضغط عن الحكام، ويمدهم بقوة الموقف وعلو الصوت. فالحاكم إنسان ويضعف أمام الضغوط، وإذا عبرت الشعوب عن موقفها، فإنها تسانده في موقفه ويستمد منهم قوته. كما أن الاستفتاء يوضح للمتشككين الذين يصفون الفلسطيني بالنذل الذي يبيع أرضه أنه ما هو بنذل ولا يبيع أرضه، ولو أعطي الفرصة لدخل إلى أرضه ودافع عنها.