صك براءة للسيسي

يكفي أن يسب الرئيس الأميركي ترامب أحدا حتى يكتسب المستهدف مصداقية إضافية.

لم يتقبل أحد قيام مصر بالإطاحة بحكم الدكتور محمد مرسي واعتقال قادة الإخوان المسلمين، لأن حكومة مرسي كانت منتخبة، ولا يجوز الانقلاب على الديمقراطية، هذا بالإضافة إلى أن شخص الدكتور محمد مرسي محترم ويتمتع بمصداقية وحس وطني صادق. ولكن تهزيء الرئيس الأميركي للسيسي وشتمه بطريقة ردح الراقصات في الأفلام المصرية القديمة أعطاه صك براءة من كل ما نسب إليه من أبشع الصفات والإشاعات التي قذفه بها الإسلاميون.

متى كانت الولايات المتحدة تناصر الشخصيات الوطنية الصادقة في العالم العربي؟ هل ناصرت جمال عبدالناصر؟ فلا عجب أن يردح ترامب للسيسي بهذه الطريقة بل لقد قدم له خدمة كبيرة، لأن الإشاعات تلاحقه كثيرة والقارئ قد يصدق بعضها، ولكن بكل هذه الشتائم، فأغلب الظن أنه ليس عميلا لأحد، وأنه حريص على مصر، وولاؤه لها وليس لأي جهة خارجها.

لقد فرح الإسلاميون من أبطال اليوتيوب فرحا غامرا بهذه الشتائم، وضحكوا عليه واستهزئوا به، وصاروا يسردون كيف تجاهله أوباما ويصفون وقوفه بين الرؤساء بأنه كالذليل، ويستهزئون بملابس زوجته، ثم فرحوا بقيام ترامب بسبه، غير مدركين أنها زادت من شعبيته. فيكفي أن يسب ترامب أي زعيم لكي يفهم السامعون أنه ليس تابعا له ولا يأتمر بأمره، وأنه خارج عن طاعته. وهذا هو المطلوب، فكل سياسات الولايات المتحدة لا تصب في المصلحة العربية، وهذا الرئيس، أي ترامب، هو الأصدق بين كل الرؤساء، فهو لا يخفي نواياه، ويجهر بها أمام الجميع، وافهموا يا قوم، لن تنجدكم أميركا لو وقعتم في الجحيم.

من جانب آخر، إن هذه الشتائم وهذا الانتصار للإسلاميين من قبل الولايات المتحدة يشير بدون شك إلى أن الإدارة الأميركية تحبهم لأن لهم أهدافا محددة سيقومون بتحقيقها وهذا يخدم مصالحها، إنهم العصا السحرية التي تضرب بها فيكون لها ما تشاء. ألم تخرج الجماعات المتطرفة من رحم حركة الإخوان المسلمين؟ ألم ينقسم السودان عندما حكم الإخوان؟ ألم تنقسم فلسطين عندما فازت حماس؟ ألم ينتشر الدمار بسبب الجماعات المتخلفة التي عاثت في الأرض فسادا؟

السيسي لا يريد أن يحدث لمصر ما حدث لغيرها، ولا يريد حربا دينية ولا طائفية لأن مصر لا يناسبها ذلك، فهي علمانية بالفطرة، وفيها شعب متعلم ومتحضر، لا يطيق أن يملي عليه أحد ماذا يلبس وكيف يمشي وكيف يتحدث، وهذا ليس دفاعا عن السيسي، بل قد تفشل جهوده كلها ولا يتمكن من انتشال مصر من الفقر. ولكنه دفاع عن النهج، فلا أحد يريد حكما إسلاميا يقسم البلاد ويدخل الشعب في تفجيرات وخراب ودمار، وكراهية، لذلك فإن الولايات المتحدة غاضبة على مصر، وبودها أن تعين حكما إسلاميا في كل دولة عربية، فهي وسيلة سريعة لضرب الناس ببعض وتخريب البلاد ومساعدة ايران وإسرائيل على التوسع وتحقيق طموحاتهما، وهما دولتان قويتان ويمكنهما الاتفاق على حسن الجوار.