صناعة احتجاز الرهائن، إيرانية التنفيذ قطرية الدفع

إيران تحتجز العشرات من مزدوجي الجنسية لاستخدامهم كورقة ضغط كلما ضاق عليها الحال ولتمويل ميزانية الحرس الثوري من أموال الفدية.
الثوري الإيراني يمول ميزانيته من احتجاز الرهائن على طريقة داعش والقاعدة
الحرس الثوري يهدد بملاحقة أحد قادته السابقين لكشفه مصادر التمويل

طهران - سارع الحرس الثوري الإيراني لنفي تصريحات قائد سابق فيه كشف فيها واحدة من أساليب حصول التشكيل العسكري الأقوى في البلاد على تمويلات لأنشطته وميزانيته بما فيها تمويلات قطرية بشكل يشير إلى الطابع الإجرامي على طريقة أساليب تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية (داعش).

وأربكت تصريحات حسن عباسي القائد السابق في الحرس الثوري كان قد أوردها مؤخرا في مقطع فيديو انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي، قيادة التشكيل العسكري شبه النظامي والذي يعتبر من أقوى فروع القوات المسلحة الإيرانية ويدها الطولى في المنطقة.

وقال عباسي إن الحرس الثوري يوفر ميزانيته من احتجاز واعتقال شخصيات أجنبية، مشيرا إلى اعتقال جيسون رضائيان الصحافي الأميركي من أصل إيراني الذي يعمل في صحيفة واشنطن بوست.

 وتابع "انظروا كيف يوفر الحرس الثوري ميزانيته؟ قام باعتقال جاسوس وتسلمت إيران مقابل الإفراج عنه مليارا و700 مليون دولار (1.7 مليون دولار) من أميركا. كما وصل صافي دخل إيران 3 مليارات دولار من قطر مقابل دية قاسم سليماني".

وأفرج عن رضائيان أثناء توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية ودفعت أميركا آنذاك مبلغا من المال لإيران.

وتحتجز إيران العشرات من الأجانب من حاملي الجنسية المزدوجة بينهم الأكاديمية الأسترالية كيلي مورغيلبرت ونازنين زاغري الصحفية والناشطة البريطانية من أصل إيراني التي تعمل في مؤسسة رويترز والباحثة الجامعيّة الفرنسيّة الإيرانية فريبا عدلخاه، بتهم تتعلق في غالبها بالتجسس أو بالتآمر على أمن البلاد.

وتقول تقارير غربية إن عددا كبيرا من الإيرانيين من مزدوجي الجنسية يقبعون حاليا في السجون الإيرانية التي لا تعترف بالجنسية الثانية.

ايران لم تتوقف عن سياسة احتجاز الرهائن منذ حادثة السفارة الأميركية قبل 40 عاما
ايران لم تتوقف عن سياسة احتجاز الرهائن منذ حادثة السفارة الأميركية قبل 40 عاما

وسبق أن كشف علي رضا نادر مدير المركز الفكري 'نيو إيران' الذي يتخذ من واشنطن مقرا له أن احتجاز الإيرانيين من مزدوجي الجنسية يتم "من أجل فدية"، مضيفا "في كل مرة تريد تعزيز وسائل ضغطها ضد الدول الغربية، تقوم إيران باللجوء إلى احتجاز رهائن للتفاوض".

وبرز اسم قطر في الفترة الأخيرة في خضم هذه التطورات بعد أن تعهدت بتقديم دية قدرها 3 مليارات دولار لطهران بعد تصفية واشنطن لقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في الثالث من يناير/كانون الثاني في بغداد.

وسبق للدوحة أيضا أن أدخلت مبالغ ضخمة بمئات ملايين الدولارات للعراق بشكل غير قانوني لافتداء 26 من صياديها احتجزتهم جماعة شيعية مسلحة مقربة من إيران يعتقد أنها كتائب حزب الله.

وأعادت قضية افتداء الرهائن إلى الأذهان الأساليب التي يتم بها ضخ أموال هائلة لتنظيمات إرهابية مثل القاعدة وداعش وأفرعهما المتناثرة في أكثر من منطقة من الشرق الأوسط إلى اسيا وصولا إلى إفريقيا.

واختارت جماعات متطرفة مسلحة الدوحة وسيطا حصريا للتفاوض حول الإفراج عن العديد ممن يتم أسرهم ومعظمهم من الأجانب، مقابل فدية بمئات ملايين الدولارات، ما شكل شريانا ماليا حيويا لتلك الجماعات تحت غطاء الوساطة.  

ويبدو أن الحرس الثوري الإيراني استفاد بدوره من الدور القطري لتمويل أنشطته التي تؤكد واشنطن ودول الخليج أنها مزعزعة للاستقرار في المنطقة.

وحاول الحرس الثوري احتواء تبعات تصريحات أحد قادته السابقين خاصة وأنها جاءت في خضم توترات شديدة وفي الوقت الذي يواجه فيه التشكيل العسكري ضغوطا لكبح أنشطته.

وفرضت الولايات المتحدة قبل أيام حزمة جديدة من العقوبات تشمل 6 أشخاص وشركات بترولية وبتروكيمياوية مرتبطة بالحرس الثوري قالت إنها ضخت له من إيرادات النفط مئات ملايين الدولارات لتمويل أنشطته الارهابية.

لكن المتحدث باسم الحرس الثوري رمضان شريف قال اليوم الأحد إن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها حسن عباسي حول طريقة توفير ميزانية الحرس، هي تصريحات شخصية مبنية على استنتاجات ورؤية غير دقيقة، مضيفا أنها "تفتقر إلى مصداقية قانونية".

ايران تحتجز العشرات من مزدوجي الجنسية بمزاعم التجسس
ايران تحتجز العشرات من مزدوجي الجنسية بمزاعم التجسس

وتابع "منطق منظمة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري للتعامل مع العناصر المتسللة وجواسيس أجهزة استخبارات العدو، يأتي في إطار وظائفها القانونية المنصوص عليها وتُعدّ إحدى أكثر عمليات الحرس الثوري تأثيرا".

وتركز إيران عادة على عبارة الأعداء والجواسيس لتبرير الاعتقالات التي كان لافتا أنها تتم كلما تعرضت لجرعات ضغط دولي إضافية على خلفية الدفع الدولي لكبح أنشطتها المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط.

ولا يرد الحرس الثوري في العادة على التصريحات التي يصنفها ضمن الإشاعات والدعاية المعادية، إلا أن صدور تصريحات عن قائد سابق فيه لم تدع مجالا للشك في صدقية الرواية حتى إن صنفها الثوري الإيراني من قبل الرؤية والاستنتاجات الخاطئة.

وسلط نفي المتحدث باسم الحرس الثوري الضوء على تخبط في التعامل مع تصريحات عباسي إذ قال إنها تعود(أي تصريحات عباسي) للعام 2016 بينما كان مقطع الفيديو يظهر تطورات حديثة.

وقال رمضان شريف إن تصريحات عباسي قديمة والآن "أصبحت ذريعة بيد الأعداء وتسببت في استخدامها كحربة للطعن في الحرس الثوري".

وذكّر بموقف المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي حين قال إن انتقام وديّة سليماني هي "خروج المحتلين الإرهابيين الأميركيين من المنطقة"، في تصريح طغى على حدث الدية التي قدمتها قطر.

وكان وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني قد زار طهران في الرابع من يناير/كانون الثاني أي بعد يوم واحد من مقتل سليماني، في زيارة قالت مصادر إنها تأتي للاطلاع على الموقف الإيراني ولاستيضاح ما اذا كانت طهران ستضرب قاعدة العديد التي تضم القوات الأميركية.

وقد تردد حينها أن طائرة الاستطلاع الأميركية التي استخدمت في قتل قائد فيلق القدس ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي في بغداد فجر الثالث من يناير/كانون الثاني على طريق مطار بغداد الدولي قد انطلقت من قاعدة العديد.

وترتبط الدوحة وطهران بعلاقات وثيقة تعززت بعد قرار المقاطعة العربية والخليجية في الخامس من يونيو/حزيران 2017 على خلفية تورط قطر في دعم وتمويل الإرهاب والتآمر على أمن المنطقة.

وهدد المتحدث باسم الحرس الثوري حسن عباسي، مؤكدا أن الأجهزة المعنية "ستقوم بمتابعة تصريحاته وطريقة خطابه الخارج عن إطار المنطق".

والتعرض بالنقد للحرس الثوري أو للمرشد الأعلى في إيران كان ولايزال من الخطوط الحمراء ضمن هالة من القداسة صنعها النظام بالترهيب والتخويف فالأول يعتبر حامي الثورة الإسلامية والثاني هو امتداد منصبا ونفوذا وروحية لقائد الثورة الإسلامية الخميني.

لكن هذه القداسة بدأت تتفكك على وقع احتجاجات شهدتها إيران في 2018 و2019 وفي المدة الأخيرة بعد إسقاط القوات المسلحة الإيرانية طائرة ركاب أوكرانية بصاروخ "بالخطأ". ورفعت في تلك الاحتجاجات شعارات ضد المؤسسة الدينية والعسكرية وهتافات ضد خامنئي.

ويأتي نفي الحرس الثوري لتصريحات عباسي بعيد أيام من مطالبة أسر مدوجي الجنسية المحتجزين في السجون الإيرانية وسجناء سابقين، واشنطن بممارسة ضغوط على النظام الإيراني للإفراج عن ذويهم وإنهاء "صناعة احتجاز الرهائن" التي لا تختلف عن الإرهاب وأساليب الجماعات المتطرفة.

وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قد قال تزامنا مع إحياء إيران لذكرى احتجاز العاملين في السفارة الأميركية قبل 40 عاما، إن طهران مازلت تواصل عمليات احتجاز الرهائن على الرغم من مرور أربعة عقود على تلك الحادثة.