'صنعاء الصغيرة.. صنعاء الكبيرة' فانتازيا تستند للواقع

حميد عقبي في روايته الجديدة يتنبأ بانهيار صنعاء عبر فوضى الفئران والزومبي.

القاهرة - تصدر في القاهرة عن دار "دان" للنشر والتوزيع رواية "صنعاء الصغيرة.. صنعاء الكبيرة" للكاتب اليمني حميد عقبي ـ المقيم في فرنسا ـ وهي من نوع "النوفيلا القصيرة"، تتكون من ستة فصول، تبدأ أحداثها في حي "تاج محل"، وهو مكان متخيّل، لكن الكاتب أشار إلى أنه يقع بالقرب من حي "هايل" التجاري المعروف في وسط صنعاء.

أبطال الرواية هم: سام، أروى، أبو شمة، وشايو، لكن البطلة الحقيقية ربما تكون صنعاء الصغيرة، وهي طفلة يتيمة وفقيرة تتبناها أروى وزوجها سام، من خلال أحداث تبدأ صغيرة ثم تكبر عبر تقنية أقرب للسرد السينمائي، تقودنا "صنعاء الصغيرة" لاكتشاف ألم صنعاء الكبيرة وما تعانيه من تسلط واستبداد، وما يعانيه سكانها من خوف.

وفي تقديمه لهذه الرواية، يكتب الناقد اليمني د. عبده منصور المحمودي: ينتمي هذا العمل الروائي للكاتب اليمني حميد عقبي "صنعاء الصغيرة.. صنعاء الكبيرة" إلى رواية "النوفيلا". ومن أهم الخصائص الفنية لهذا النسق من الكتابة الروائية: التكثيف والاختزال، واللقطة السردية الموحية، والأحداث المتسارعة المتداخلة. تزخر الرواية بعدد كبير من الأحداث المتشابكة المتسارعة، بما هي عليه من سياقات سردية متنوعة، استوعبت الحرب وتداعيات الصراع، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية في الحياة العامة والنسيج الاجتماعي، لاسيما ما يتعرض له هذا النسيج من تمزق وشتات.

تسريد الواقع والفانتازيا

عن هذه النقطة، يضيف الناقد المحمودي: لقد اتّخذ العمل من تقنية الرمزية ــ وما يرتبط بها من إمكانات فنية ــ آليةً لاشتغاله السردي، فاستطاع من خلالها إثراء مضامينه وتخصيبها. كما تمكّن ــ في الآن نفسه ــ من فتح البنية السردية الدلالية والإحالية على فضاءات متعددة، منها ما استمد مضامينه من الحياة الواقعية، ومنها ما قام على نسقٍ من السردية الفانتازية. وبمزيج من تسريد الواقع والفانتازيا، تعاطى العمل مع مدينة "صنعاء"، في نسقيها: (صنعاء الكبيرة/ صنعاء الصغيرة).

يحيل اسم صنعاء الصغيرة إلى إحدى الفتيات الصغيرات اللواتي قذفت بهن أتون الصراع إلى التشرد. ومن خلال أحوال هذه الفتاة، تجلّت مأساة صنعاء واليمن بوجه عام، بما هي عليه من تفاصيل كارثية، تشكّلت أبعادها بالحرب والصراع والتمزق المستشري في البنية الاجتماعية.

وبحسب رأي المحمودي، فإن الرواية تتميز بالتكثيف وخلق حالة من الرعب، وإعادة أسطورة "الفأر":

يظهر نوع من التكثيف السردي، الذي استوعب العمل ــ من خلاله ــ المشكلات الصحية التي تخلفها الحرب، وتتناسل من بؤر الصراع، إذ تنتشر الأوبئة بشكل مخيف ومرعب، بل يحلّق الخيال السردي والفانتازيا بأجنحة رمزية إلى فضاء من التصوير المرعب للفيروسات والأوبئة، لاسيما ما يتصل من هذا التصوير السردي (الرمزي/الفانتازي) باستحضار التاريخ القديم، من خلال توظيف أسطورة "الفأر"، التي تشير إلى أن انفجار سد مأرب لم يكن المتسبب فيه سوى فأر.

وفي ختام تقديمه للرواية، يذكر المحمودي نقاطًا مهمة، منها:

لقد اتّخذ السياق السردي من "الفأر" ــ بأبعاده الأسطورية ــ نسقًا رمزيًّا لكل ما يتسبب في دمار الوطن والنيل من مقدراته. كما عمل على تسريد نوع من التجانس بين هذا النسق (نسق الفأر) وأنساق رمزية أخرى، تقوم جميعها على توظيف الحشرات والزواحف والقوارض والثعابين، في استيعاب الإحالة على كل ما يفضي إلى كارثة تدميرية متعددة العوامل والتداعيات.

ومن أبرز المضامين السردية في هذا العمل، حال الفقر، التي حظيت بمساحة سردية كبيرة، لاسيما في تضفيرها بفاعلية الحرب والصراع في الوصول إليها، حتى تفضي إلى مأساة الإقدام على التحرر من الحياة، لا التحرر من الفقر وعوامله وأسبابه.

لقد استأنس هذا العمل بالرمزية والفانتازيا في تسريد مضامينه، كما استند إلى واقعٍ معيشٍ منهك بالحروب والصراعات، فاستوعبت السياقات السردية كثيرًا من تفاصيل الحياة اليمنية المعاصرة، التي تجلّت ــ في هذا العمل ــ واقعًا مثخنًا بالبؤس والمعاناة والفقر والمرض".

ويعلّق الكاتب حميد عقبي على نهاية الرواية قائلًا:

"المتأمل للنهاية يجدها أشبه بما يحدث حاليًا من رعب يفوق الخيال. في الفصل الأخير، صوّرتُ قمة هذا الرعب بما تسببه الفئران من جنون، حيث يظهر فيروس خطير، لكن السلطات ترفض الاعتراف بأي فيروس أو فوضى، وتؤكد أنها تسيطر على كل شيء، حتى البحار والمحيطات.

في المشهد الختامي، تفيق صنعاء الصغيرة من غيبوبتها وتبدو عادية، بلا آثار الزومبي. تقدّم حبها وضحكتها لعائلتها بالتبني: أروى وسام.

ينتظرون فجرًا جديدًا، وتظهر فراشة نحاسية تمنحهم القليل من الضوء والأمل.

لقد كانت هناك شخصيات عديدة وأحداث صغيرة متفرقة، لكنها حاولت أن تصوغ صورة مركبة لما نعانيه من تشظٍ وفساد وصراعات خرقاء ومغامرات عبثية.

نأمل السلامة لليمن، وأن تعود إلينا صنعاء الكبيرة، ونعود نحن إليها.