ضحى عبدالرؤوف المل: الأدب يمكن أن يكون أداة قوية للتغيير الاجتماعي
كاتبة عميقة التفكير هي ضحى عبدالرؤوف المل، الروائية اللبنانية ذات الرؤية الأدبية المتماسكة التي ترجمتها فهمًا واسعًا واهتماماً مركّزاً في التفاصيل الدقيقة للأماكن والشخصيات، ما أضاف بُعدًا واقعيًا لكتاباتها تعكس قدرة واضحة على إنتاج نصوص مؤثرة وقوية . تستخدم المُل الأدب كأداة للتعبير عن التغيرات الاجتماعية الحالية قصداً إلى ما يمكن أن يعزّز من تأثير كتاباتها، إذ تتمتع بوعي نفسي عميق قادر على استكشاف المشاعر والتجارب الداخلية لشخصياتها، كما تظهر مرونة في تعاملها مع التفاصيل المعقدة والألم والتحديات تؤكد على استيعاب أبعاد مختلفة من التجربة الإنسانية، عطفاً على دواقعها القوية لإيصال تجارب الناس العاديين وتفاصيل حياتهم إلى جمهور القراء في أوسع شرائحه . ضحى عبدالرؤوف المُل تستخدم الخيال كأداة لتعزيز فهم الواقع، وهذا يعكس قدرة على الدمج بين العناصر الواقعية والتخييلية بطريقة مبتكرة ما ينعكس اهتمامًا كبيرًا بتوثيق الواقع الاجتماعي، ويعزّز مصداقية أعمالها ويعطيها بُعدًا وثائقيًا . معها أجريت هذا الحوار.
- كيف تحددين العلاقة بين الخيال والواقع في رواية "زند الحجر"؟ هل ترين أن الخيال يمكن أن يكون وسيلة لتصوير الواقع بشكل أكثر تعبيرًا وتأثيرًا؟
الخيال في "زند الحجر" ليس مجرد تهرب من الواقع، بل هو أداة تسهم في تقديم الحقيقة الإنسانية بشكل أعمق وأصدق . من خلال استخدام الخيال، يمكنني تصوير التحديات والآمال التي يواجهها الناس في بيئتهم الاجتماعية بشكل يلتقط جوهر التجربة الإنسانية، بعيدًا عن التوصيفات الجافة للواقع، وأنا أرى أن الخيال يساعد على إضاءة الجوانب غير المرئية من الواقع ويكشف عن التعقيدات الداخلية التي قد لا تكون واضحة في السرد الواقعي البحت
- إذن، كيف تتعاملين مع التباين بين الماضي والحاضر في تصويرك لطرابلس؟ هل هناك جوانب معينة من الماضي تظنين أنها أكثر أهمية من الحاضر، أو العكس؟
في "زند الحجر" تحديداً يأتي التباين بين الماضي والحاضر ليعكس التغيرات التي شهدتها طرابلس، ولكنه يسلط الضوء أيضًا على الدروس المستفادة من الماضي. من خلال تصوير الحاضر من خلال عدسة الماضي، أهدف إلى كشف كيف يمكن للأحداث التاريخية أن تؤثر على واقع الناس اليوم. بعض جوانب الماضي تحمل دروسًا ومفاهيم لا تزال حية في الذاكرة الجماعية، وهذه الجوانب تعد ضرورية لفهم كيف تشكل الحاضر. الماضي يقدم السياق والتفسير، بينما الحاضر يعكس التطورات والتغيرات.
- أنت تستخدمين تقنية التبئير في "زند الحجر" من خلال راوية مثل هدى، كيف تسهم هذه التقنية في تقديم وجهات نظر متعددة للأحداث والشخصيات، وكيف تؤثر على فهم القارئ للرواية؟
تقنية التبئير من خلال " هدى " توفّر للقارئ نافذة على الأحداث من منظور شخصي، مما يتيح فهمًا أعمق لشخصيات الرواية وتجاربهم . هدى، بكونها راوية تسرد الأحداث بلغتها الخاصة وتصوراتها، تعكس كيف يمكن أن تكون الرواية متعددة الأبعاد . هذه التقنية تجعل القارئ يتفاعل مع النص بشكل أكثر شخصية ويجعله يستكشف كيف تؤثر الرؤى الفردية على فهم الأحداث، وبالتالي، تصبح الرواية تجربة تفاعلية أكثر، حيث يعيد القارئ تقييم الأحداث والشخصيات بناءً على الانطباعات الشخصية للراوية.
- بالانتقال إلى أعمالك الاخرى، تميلين إلى تصوير الشخصيات الاجتماعية البسيطة. هل ترين أن الأدب يمكن أن يكون أداة للتغيير الاجتماعي؟ وكيف يمكن أن تساهم رواياتك في هذا التغيير؟
أؤمن أن الأدب يمكن أن يكون أداة قوية للتغيير الاجتماعي من خلال تقديم تجارب الناس العاديين وتحدياتهم بطريقة تثير الوعي وتعزز التعاطف . تصوير الشخصيات الاجتماعية البسيطة يساهم في إظهار القضايا الاجتماعية من منظور إنساني عميق، مما يمكن أن يحفز التفكير النقدي ويشجع على التغيير. رواياتي تسعى لفتح حوارات حول قضايا مثل الفقر والتهميش الاجتماعي، وتأمل في كيفية تأثير هذه القضايا على الأفراد والمجتمعات. من خلال نقل هذه التجارب بصدق، أمل أن تساهم رواياتي في تشجيع التغيير الإيجابي وفهم أفضل للمجتمع.
- كيف أثرت تجربتك الشخصية كإبنة حارة "البقار" الطرابلسية في تشكيل رؤيتك للأماكن والشخصيات التي تكتبين عنها؟ هل هناك تجارب معينة تظنين أنها شكلت عمقك الأدبي بشكل خاص؟
تجربتي الشخصية كابنة حارة "البقار" شكلت عمق كتابتي وهذا منحني فهمًا مباشرًا للأماكن والشخصيات التي أكتب عنها. العيش في بيئة فقيرة ومحدودة يجعلني قريبة من معاناة الناس وتطلعاتهم. تجارب الطفولة، مثل تلك التي عشتها بين أزقة الحارة وتفاصيل الحياة اليومية، أضفت مصداقية وعمقًا لكتابتي. هذه التجارب الشخصية تمنحني القدرة على نقل تفاصيل دقيقة ومعبرة عن حياة الناس في ظروف مماثلة.
- في العودة إلى " زند الحجر نجد أنها تجمع بين التوثيق الأدبي والرواية . كيف توازنين بين الجوانب الواقعية والتخييلية في عملك، وما هي التحديات التي تواجهينها في دمج هذين العنصرين؟
أوازن بين التوثيق الأدبي والتخيل من خلال احترام حقيقة الأحداث بينما أستخدم الخيال لإضفاء عمق عاطفي وطبقات إضافية للرواية. التحدي يكمن في الحفاظ على مصداقية التفاصيل التاريخية بينما أسمح للخيال أن ينسج قصصًا تعبر عن التجارب الإنسانية بطريقة غنية. أعتبر أن دمج الواقعية والتخيل يتطلب دقة في تقديم المعلومات التاريخية وحرية في بناء الشخصيات والأحداث بطريقة تعكس التجربة الإنسانية بصدق.
- لقد عشت مراحل من حياتك في ظل ظروف الحرب والتشرد، كيف أثرت هذه التجارب على نمطك الكتابي وتناولك للمواضيع الاجتماعية في رواياتك؟
تجارب الحرب والتشرد أثرت بشكل كبير على نمطي الكتابي وتناولي للمواضيع الاجتماعية. هذه التجارب علمتني الكثير عن الصمود والتغيير، وأثرت على الطريقة التي أروي بها قصص الشخصيات وتجاربهم. الصراعات والآلام التي عشتها تمنحني القدرة على تصوير الأبعاد العاطفية والنفسية للتجارب الإنسانية بعمق أكبر. كما تجعلني أكثر وعيًا بالتفاصيل الصغيرة التي يمكن أن تعكس الواقع بشكل أفضل.
- في بداية مسيرتك الأدبية، استخدمت أسماء مستعارة مثل "وردة الضحى". كيف ساعدك ذلك في تعبيرك عن نفسك بحرية، وما الذي دفعك لاستخدام أسماء مستعارة في ذلك الوقت؟
استخدام أسماء مستعارة مثل "وردة الضحى" أتاح لي حرية التعبير دون خوف من الرقابة أو الأحكام الاجتماعية. في فترة مبكرة من مسيرتي الأدبية، كان من الضروري حماية هويتي الشخصية لتفادي الضغوطات والتحديات التي قد تطرأ بسبب قضايا ثقافية أو اجتماعية. الأسماء المستعارة سمحت لي بالتركيز على الكتابة بحرية، واستكشاف موضوعات قد تكون حساسة أو غير مقبولة بشكل علني.
- أنت أيضًا مهتمة بالنقد الأدبي والفني. كيف تؤثر قراءتك ونقدك للأعمال الأدبية والفنية على كتابتك السردية ؟ هل هناك عناصر نقدية معينة تلهمك أثناء الكتابة؟
قراءتي ونقدي للأعمال الأدبية والفنية تمنحني فهمًا أعمق للأدب وتساعدني في تحسين أسلوبي الكتابي . من خلال تحليل الأعمال الأخرى، أتمكن من اكتساب رؤى جديدة حول تقنيات السرد وبناء الشخصيات والأساليب التعبيرية. النقد يساعدني أيضًا في التعرف على نقاط القوة والضعف في النصوص وكيفية تعزيز جوانب معينة في كتابتي. العناصر النقدية مثل استخدام اللغة وتطوير الشخصيات تلهمني لاستكشاف أساليب جديدة وتحسين قدرتي على التعبير.
- كيف تتعاملين مع مسألة التحيز في السرد، خصوصًا عند تقديم وجهات نظر مختلفة للأحداث والشخصيات؟ هل تواجهين تحديات معينة في تقديم سرد متوازن وغير متحيز؟
التعامل مع التحيّز في السرد يتطلب وعيًا دقيقًا ومحاولة لتقديم وجهات نظر متنوعة بطريقة موضوعية. أحرص على تقديم الأحداث والشخصيات من زوايا متعددة لتعكس تعقيدات التجربة الإنسانية. التحديات تكمن في الحفاظ على توازن بين تقديم وجهات نظر مختلفة دون التحيز لأي منها. أسعى لتقديم السرد بشكل يعكس التنوع والتعددية في التجارب الإنسانية، مما يساعد على تقديم صورة أكثر شمولية وواقعية للأحداث.
- ما هي القضايا الاجتماعية أو التاريخية التي تأملين في استكشافها في أعمالك المستقبلية؟ هل هناك موضوعات معينة تظنين أنها تحتاج إلى تسليط الضوء عليها أكثر؟
آمل في استكشاف المزيد من القضايا الاجتماعية مثل الفجوة الاقتصادية، قضايا حقوق المرأة، وتأثير الحروب على الأجيال الشابة. هناك أيضًا موضوعات تتعلق بالتحولات الثقافية والاجتماعية التي تحدث في المجتمعات المعاصرة، فتسليط الضوء على هذه القضايا يساعد في تعزيز الوعي وتقديم رؤى جديدة حول التحديات التي تواجهها المجتمعات.
- كيف ترين دور الأدب ومستقبله في بناء الوعي الاجتماعي وتغيير المفاهيم الثقافية في المجتمع العربي؟ وهل لديك أمثلة على كيفية تأثير الأدب على القضايا الاجتماعية؟
الأدب يلعب دورًا حيويًا في بناء الوعي الاجتماعي من خلال تقديم قصص تعكس القضايا الاجتماعية والثقافية. يمكن أن يساهم الأدب في تغيير المفاهيم الثقافية من خلال تحفيز التفكير النقدي وتعزيز التعاطف. على سبيل المثال، الأدب يمكن أن يساعد في تسليط الضوء على قضايا مثل حقوق المرأة والعدالة الاجتماعية، مما يعزز الوعي ويشجع على الحوار والتغيير. الأدب العربي سيظل قوة مؤثرة في تقديم رؤى جديدة حول التغيرات الاجتماعية والسياسية. الأدب يمكن أن يعكس تطورات المجتمع ويشجع على التفكير النقدي والتحليل، وأرى أعتقد أنه سيتطور ليشمل قضايا معاصرة ويقدم أصواتًا متنوعة تعكس الواقع المتغير. قد يتضمن ذلك استخدام تقنيات سردية جديدة وموضوعات تواكب التحديات الحديثة.
- ما هي النصائح التي تقدمينها للكتّاب الشباب الذين يتطلعون إلى استكشاف تجاربهم الشخصية في نصوصهم وفي سياقات اجتماعية وتاريخية معقدة؟
أوصي الكتاب الشباب بأن يكونوا صادقين في التعبير عن تجاربهم وتجارب الآخرين. من المهم أن يستندوا إلى الأبحاث والتجارب الشخصية لتقديم صور دقيقة وواقعية. كما أن الانفتاح على التعلم من الأدب والنقد يمكن أن يساعد في تحسين الكتابة وتوسيع الأفق. أنصحهم بالبحث عن الأصوات الفريدة والقصص غير المروية التي يمكن أن تضيف قيمة للأدب.
- هل هناك مشاريع أدبية قادمة تودين الحديث عنها؟ كيف تعتزمين تطوير أسلوبك أو مواضيعك في هذه المشاريع؟
أعمل على مشاريع أدبية تركز على موضوعات تتعلق بتأثير التكنولوجيا على حياة الناس والتغيرات الاجتماعية التي ترافقها. أعتزم تطوير أسلوبي من خلال استكشاف أساليب سردية جديدة والتعمق في الموضوعات التي تعكس التحديات والفرص في العصر الحديث. أبحث عن طرق لإبراز تعقيدات الحياة اليومية والتغيرات التي تؤثر على الأفراد والمجتمعات.