دمنة بونعيلات تفضح النجومية الزائفة في 'البوز'

المخرجة المغربية تكشف كواليس صناعة فيلمها السينمائي وتتحدث عن أهمية المبادئ المهنية في خلق شخصيات مثقفة وفنية واعية.

احتضنت سينما باتي بالدرا البيضاء، مساء الثلاثاء عرض الفيلم السينمائي الجديد "البوز"، بعد عرض اول قبل أسبوع  بسينما ميغاراما، بحضور نخبة من الفنانين والإعلاميين.

وفيلم "البوز" يدور حول قضية اجتماعية تتناول زيف النجومية الافتراضية وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي على حياة الأفراد. يركز على قصة فتاة موهوبة تمتلك صوتًا جميلًا لكنها تواجه صعوبات في تحقيق النجاح بسبب افتقارها للإمكانيات المالية وطغيان أشخاص يفتقرون للموهبة لكنهم يحظون بالشهرة، والفيلم يطرح قضية استغلال المواهب الحقيقية، مقدمًا رسائل هادفة حول القيم الأصيلة وضرورة الثبات والاجتهاد، ويهدف إلى إثارة نقاش جاد حول التهافت على الشهرة عبر سينمائية جريئة ومباشرة.

العمل من سيناريو كليلة بونعيلات والمخرجة دمنة بونعيلات، بوطولة كل من  دنيا بطمة، ابتسام بطمة، نعيمة بوحمالة ومراد العشابي.

حدثينا عن تجربتك السينمائية الجديدة من خلال فيلم "البوز"؟

فيلم "البوز" ليس تجربتي السينمائية الأولى كمخرجة، فقد سبق لي إخراج أفلام قصيرة وطويلة، لكن يتميز "البوز" بكونه تجربة عصرية وشعبية تتناول قضية معاصرة وملحة، وهي ظاهرة الشهرة الفارغة التي أصبحت منتشرة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه الشهرة التي غالبًا ما تكون مبنية على محتوى تافه أو سطحي، تساهم في تهميش المواهب الحقيقية والأشخاص المتميزين الذين يقدمون إسهامات ذات قيمة، ف من خلال الفيلم أردت التركيز على هذا التناقض الاجتماعي  كونه يمس شريحة واسعة من الجمهور، فالتجربة كانت ممتعة ومليئة بالتحديات.

الفيلم من إنتاج خاص، وهو أمر ليس بالسهل في المغرب، كيف كانت تجربتك مع هذا النوع من الإنتاج؟

تجربة الإنتاج الخاص لفيلم "البوز" كانت عادية من حيث التحديات التي تواجه أي مشروع سينمائي مستقل في المغرب، لكنها كانت مميزة بفضل التعاون البناء مع شركتي الإنتاج، فالأولى هي شركة "السوسية"، التي يديرها زملائي من مدينة أكادير، وقد قدمت دعمًا لوجستيًا وفنيًا كبيرًا، أما الثانية فهي شركتي الخاصة "رمال بيكتشر"، التي أسستها لتكون منصة لتحقيق رؤيتي الفنية بشكل مستقل، فالإنتاج الخاص في المغرب يتطلب جهدًا كبيرًا، سواء من حيث جمع التمويل، إدارة الموارد، أو التعامل مع القيود اللوجستية، لكنني وجدت أن هذا النوع من الإنتاج يمنحني حرية إبداعية أكبر، إذ أستطيع التحكم في كل تفاصيل العمل دون ضغوط خارجية، فالتجربة علّمتني أهمية التخطيط الدقيق والعمل الجماعي، كما أنها عززت إيماني بقدرة السينما المغربية المستقلة على تقديم أعمال ذات جودة عالية.

لماذا اخترت عنوان "البوز" للفيلم؟ وهل كان الدافع تجاريًا أم أنه يعبر عن مضمون الفيلم بشكل مباشر؟ 

عنوان "البوز" اختارته أختي كليلة بونعيلات، وهي كاتبة السيناريو، وكان اختيارًا موفقًا يعكس جوهر الفيلم بدقة، فكلمة "البوز"، التي أصبحت شائعة في العامية المغربية وفي وسائل التواصل الاجتماعي، تُستخدم للإشارة إلى الضجيج الإعلامي أو الشهرة الزائفة التي تفتقر إلى مضمون حقيقي، وهذا العنوان لم يكن مدفوعًا بأهداف تجارية، إذ يعتبر نقد لهذه الظاهرة التي تسيطر على اهتمامات الجمهور في عصرنا الحالي، كما أن اختيار العنوان كان أيضًا محاولة لربط الفيلم بالواقع اليومي للجمهور، لأن الكلمة مألوفة ومستخدمة بكثرة.

رغم محدودية الموارد قمت باختيار كاستينغ يضم أسماء بارزة في الساحة الفنية، ما الذي دفعك لهذا الاختيار؟

اختياري لكاستينغ يضم فنانين محترفين وبارزين في الساحة الفنية المغربية لم يكن صدفة، إذ أؤمن أن نجاح أي عمل سينمائي يعتمد بشكل كبير على جودة الأداء التمثيلي، ولهذا أفضّل دائمًا العمل مع ممثلين يمتلكون الخبرة والموهبة اللازمة لتجسيد الشخصيات بصدق وإقناع، فهؤلاء الفنانين يساهمون أيضًا في إثراء العمل من خلال خبراتهم وأفكارهم أثناء التصوير، ورغم محدودية الموارد كنت حريصة على توفير بيئة عمل احترافية تمكّن هؤلاء الممثلين من تقديم أفضل ما لديهم، لأنني أعتبر أن الاستثمار في المواهب الفنية هو استثمار في جودة العمل نفسه.

كيف تعاملت كمخرجة مع تنوع الشخصيات والخلفيات الفنية للممثلين المشاركين في الفيلم؟ 

أعتبره جزء طبيعي وأساسي من العملية الإبداعية، فكل ممثل يأتي بخبرته الخاصة وطريقته في التفكير والأداء، وهذا التنوع يمكن أن يكون مصدر إثراء كبير للفيلم إذا تم إدارته بشكل جيد، فخلال إخراج "البوز"، حرصت على خلق بيئة عمل تعاونية تشجع الممثلين على التعبير عن أنفسهم بحرية، مع توجيههم نحو تحقيق الرؤية الفنية للفيلم، كنت أعمل مع كل ممثل بشكل فردي لفهم دوافعه وطريقته في تجسيد الشخصية، مع الحفاظ على انسجام الأداء الجماعي، فهذا النهج يتطلب مرونة وصبرًا، لكنه يضمن تقديم عمل متناغم يعكس تنوع الشخصيات على الشاشة بشكل طبيعي ومقنع.

ما الرسالة الأساسية التي حاولت إيصالها من خلال الفيلم؟ 

هي تحذير الجمهور من المخاطر المرتبطة بالتأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، خاصة ظاهرة السعي وراء الشهرة الزائفة التي تفتقر إلى مضمون حقيقي، وأردت من خلال الفيلم أن أوجه رسالة واضحة مفادها أن القيم الحقيقية مثل العمل الجاد، الموهبة، والمثابرة هي التي تؤدي إلى النجاح الحقيقي، بينما الشهرة المبنية على التفاهة هي زائلة ولا تترك أثرًا إيجابيًا، وعبر القصة والشخصيات وحاولت إبراز هذا التناقض بين السطحية والجوهر، مع تشجيع الجمهور على التفكير النقدي فيما يستهلكونه من محتوى، كما أردت تذكير الجميع بمقولة "من جد وجد"، أي أن النجاح الحقيقي يأتي من الجهد الصادق وليس من الضجيج الإعلامي.

 ما الذي يمكن أن يتوقعه الجمهور من ديمنة بونعيلات في مشاريعها المقبلة؟

في الوقت الحالي، أعمل على مشروع سينمائي جديد يندرج ضمن النوع الدرامي، وهو مستوحى من قصة حقيقية تحمل الكثير من العمق الإنساني، وهذا الفيلم سيكون مختلفًا عن "البوز" من حيث الأسلوب والموضوع، لكنه سيحافظ على التزامي بتقديم أعمال ذات مضمون قوي تتناول قضايا اجتماعية وإنسانية، وأطمح إلى استكشاف المزيد من القصص التي تعكس الواقع المغربي والإنساني.

ودمنة بونعيلات هي ممثلة ومخرجة مغربية، تدربت في مجال المسرح في باريس مع شركتي نيزا ونوت، وفي كاولاك بالسنغال. عملت كممثلة ومساعدة مخرج في عدة أفلام وأفلام تلفزيونية مغربية. أخرجت بونايلات خمسة أفلام: ثلاثة أفلام روائية طويلة هي "الروح"، "البرجوازيون"، وفيلم قصير بعنوان "لا"، وآخر أعمالها الإخراجية هو فيلم " البوز" و فيلم "المزاليط".