طالبان أمام اختبار تثبيت سلطتها محليا ودوليا

عودة وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت تنثر الرعب في فترة حكم طالبان في تسعينات القرن الماضي، تؤجج مخاوف كبيرة بين السكان، فيما أثار استثناء النساء وباقي الاثنيات العرقية من الحكومة الجديدة قلقا محليا ودوليا.
حكومة طالبان الجديدة تواجه احتجاجات شعبية
واشنطن والاتحاد الأوروبي يستنكران تفرد طالبان بالحكم على خلاف وعودها
طالبان تعتمد خطابا مرنا في التعاطي مع ردود الفعل الدولية على تركيبة حكومتها

كابول - وجدت حركة طالبان المتشددة نفسها أمام اختبار تثبيت سلطتها محليا ودوليا بعد سيطرتها الأخيرة على العاصمة كابول ومختلف الأقاليم بما في ذلك وادي بنشير المعقل التاريخي للمقاومة الأفغانية التي قادها أحمد شاه مسعود قبل اغتياله في 2001 والتي يقودها حاليا نجله.

وتسعى طالبان التي أبدت مرونة في خطاباتها وتفاعلها مع الانتقادات الغربية والمحلية، إلى إقناع الرأي العام الدولي والأفغان الذين يتظاهرون في المدن الكبرى بنواياها الحسنة، بعد إعلان حكومة مؤقتة مكونة حصرا من أعضاء في الحركة الإسلامية.

وأثارت تشكيلة الحكومة التي أعلنت عنها الحركة والتي ضمت في صفوفها قادتها التاريخيين واستثنت النساء من أي تمثيل سياسي فيها، مواقف متباينة يميل أغلبها لاستنكار تركيبة السلطة الجديدة التي جاءت خلافا للوعود التي أطلقتها وتعهدت فيها بالانفتاح مع سيطرتها على العاصمة كابول.

وتريد الحركة الإسلامية المتشددة تفادي أخطاء الماضي وتجنب العزلة الدولية والقلاقل المحلية وهي مهمة تبدو صعبة في ظل وجود جبهة مقاومة معارضة وغياب التمثيل السياسي لمختلف المكونات السياسية الأفغانية.

وعلى غرار ما حدث في الأيام الماضية، خرجت تظاهرات جديدة مناهضة للنظام الأربعاء غداة مقتل شخصين في هرات (غرب).

وقامت طالبان بتفريق مسيرة صغيرة خاطفة في كابول، فيما ذكرت وسائل إعلام محلية أن الأمر نفسه حدث في فايز آباد (شمال شرق).

وبعد عودتها إلى السلطة منتصف أغسطس/اب، بعد عقدين من فرض حكم قاس وقمعي في أفغانستان بين عامي 1996 و2001، أعلنت حركة طالبان الثلاثاء تشكيل حكومة غير "جامعة" إطلاقا، خلافا لتعهداتها.

وجميع أعضاء هذه الحكومة التي يترأسها محمد حسن أخوند، المستشار السياسي السابق لمؤسس الحركة الملا محمد عمر الذي توفي في 2013، هم من طالبان وينتمون إلى إتنية البشتون مع استثناءات نادرة جدا.

وتضم هذه الحكومة كذلك العديد من الذين كان لبعضهم تأثير كبير في نظام طالبان خلال التسعينات ومدرجين على لوائح عقوبات الأمم المتحدة. وكان أربعة منهم معتقلين في سجن غوانتانامو.

ويعرف رئيس الوزراء محمد حسن أخوند بأنه وافق على تدمير تمثالي بوذا العملاقين في باميان (وسط) الذين يعودان إلى القرن السادس والمنحوتين في موقعين فجّرهما الإسلاميون بالديناميت عام 2001، بحسب بيل روغيو رئيس تحرير "لونغ وور جورنال" وهو موقع أميركي مخصص للحرب على الإرهاب.

طالبان لا تلتفت للانتقادات المحلية والدولية ومستمرة في رسم سياساتها على طريقتها
طالبان لا تلتفت للانتقادات المحلية والدولية ومستمرة في رسم سياساتها على طريقتها

وأصبح عبدالغني برادر المؤسس المشارك للحركة، نائبا لرئيس الوزراء والملا يعقوب، نجل الملا عمر وزيرا للدفاع، بينما أسندت حقيبة الداخلية إلى سراج الدين حقاني زعيم شبكة حقاني التي صنّفتها واشنطن بأنها إرهابية والمقربة تاريخيا من تنظيم القاعدة.

وخلال إعلانه التشكلية الحكومية، أكد الناطق باسم طالبان ذبيح الله مجاهد أنها "ليست كاملة" وأن الحركة ستحاول لاحقا ضم "أشخاص من أجزاء أخرى من البلاد".

وحتى لو كان الأمر كذلك "من الواضح أن السلطة وصنع القرار سيكونان في أيدي قادة طالبان"، بحسب مايكل كوغلمان الخبير في المركز الأميركي للبحوث "ويلسون سنتر".

وأشارت الولايات المتحدة إلى غياب النساء عن التشكيلة الحكومية وأعربت عن "قلقها" بشأن "انتماءات بعض هؤلاء الأفراد وخلفياتهم" لكنها ستحكم عليها بناء على أفعالها.

كما انتقد الاتحاد الأوروبي الأربعاء الحكومة المؤقتة التي شكلتها حركة طالبان في أفغانستان، معتبرا أنها غير "جامعة" ولا ذات صفة "تمثيلية" للتنوع الإتني والديني في البلاد.

وقال ناطق باسم الاتحاد الأوروبي في بيان "بعد تحليل أولي للأسماء المعلنة، لا يبدو أن التشكيلة الحكومية جامعة وذات صفة تمثيلية للتنوع الإتني والديني الغني في أفغانستان الذي كنا نأمل بأن نشهده ووعدت به طالبان خلال الأسابيع الأخيرة".

وأشار إلى أن ذلك كان "أحد الشروط الخمسة الموضوعة" لإقامة علاقات بين التكتل الأوروبي والسلطة الأفغانية الجديدة.

وأعربت وزارة الخارجية الفرنسية عن أسفها الأربعاء من أن "الأفعال غير متطابقة مع الأقوال" تعليقا على تشكيل الحكومة الأفغانية المؤقتة التي تضم حرس طالبان القديم وتغيب عنها النساء خلافا لتعهدات بالانفتاح.

ورأت فرنسا أنه "لم يتم تلبية متطلبات المجتمع الدولي"، وفق ما ذكر المتحدث باسم الوزارة في بيان، وبذلك تشارك المخاوف التي أعرب عنها في وقت سابق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقب الإعلان عن حكومة طالبان الجديدة.

واعتبرت قطر من جهتها أنّ طالبان أظهرت "براغماتية" وينبغي الحكم على أفعالها لأنها الحاكم الأوحد في أفغانستان، من دون أن تذهب إلى حدّ الاعتراف الرسمي بالحركة الإسلامية المتطرفة.

خلال السنوات العشرين الماضية من عمليات التمرد التي شنتها طالبان، تحول المجتمع الأفغاني إلى شعب أصغر سنا بكثير يرغب في المزيد من الحرية

وقالت مساعدة وزير الخارجية لولوة الخاطر في مقابلة حصرية مع وكالة فرانس برس إنّه يعود للشعب الأفغاني وليس المجتمع الدولي أن يقرّر مصيره.

ولعبت الدوحة دور الوسيط الرئيسي بين حركة طالبان التي افتتحت مكتبا سياسيا في قطر عام 2013، والمجتمع الدولي بما في ذلك واشنطن إلى أن استكملت الحركة الإسلامية سيطرتها على البلاد الشهر الماضي.

ورحبت الصين المجاورة لأفغانستان الأربعاء بتشكيل الحكومة في كابول واعتبر المتحدث باسم الخارجية وانغ وين بين في تصريح للصحافيين بأن "هذا يضع حدا لأكثر من ثلاثة أسابيع من الفوضى في أفغانستان ويعد خطوة مهمة لاستعادة النظام في البلاد وإعادة بنائها".

وعندما وصلت إلى السلطة المرة الأولى، انتهكت طالبان حقوق النساء اللواتي استبعدن كليا من المجال العام. وتخشى العديد من النساء الأفغانيات والمجتمع الدولي أن تكون هذه هي الحال مجددا.

وفي نيويورك قالت براميلا باتن رئيسة "هيئة الأمم المتّحدة للمرأة"، الوكالة التي أنشأتها المنظمة الدولية لتعزيز التكافؤ بين الجنسين وتمكين المرأة في كل أنحاء العالم، إنّ عدم تعيين أيّ وزيرة في حكومة طالبان "يلقي بظلال من الشكّ على الالتزام الأخير بحماية واحترام حقوق النساء والفتيات في أفغانستان".

وتعهدت الحركة الإسلامية المتشددة المعروفة بحكمها القاسي والقمعي في فترة حكمها الأولى، تبنّي نمط حكم أكثر "شمولا" فيما كانت القوات الأميركية تستكمل انسحابا فوضويا من أفغانستان، لكن ما زال من الصعب إقناع الأفغان والمجتمع الدولي بذلك.

وتثير عودة وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت تثير الرعب في تلك الحقبة، مخاوف كبيرة بين السكان.

وقال زعيم طالبان هيبة الله أخوند زادة الثلاثاء في أول تعليق له منذ سيطرة الحركة على أفغانستان "سيكون لجميع الأفغان، من دون تمييز أو استثناء، الحق في العيش بكرامة وسلام في بلدهم" من دون أي ذكر لكلمة نساء.

ودعا الحكومة الجديدة إلى "تطبيق الشريعة الإسلامية" والقيام بكل ما يمكن "للقضاء على الفقر والبطالة". وبعد عقود من الصراع، أصبح الاقتصاد الأفغاني في حالة يرثى لها، محروما من المساعدات الدولية التي يعتمد عليها والتي تم تجميدها إلى حد كبير.

وطالبان التي اعتادت أن تحكم خلال التسعينات من دون منازع، تواجه الآن تحديا جديدا منذ أيام. وفي دليل على أن المجتمع الأفغاني تحرر خلال 20 عاما، خرجت تظاهرات عدة ضد النظام الجديد في المدن الكبيرة.

وللمرة الأولى الثلاثاء، اتخذت الاحتجاجات منعطفا داميا في هرات (غرب) حيث قتل شخصان وأصيب ثمانية بأعيرة نارية خلال مسيرة مناهضة لطالبان بحسب طبيب محلي.

وقال ذبيح الله مجاهد إن "هذه التظاهرات غير شرعية ما دامت المكاتب الحكومية لم تفتح ولم تعلن القوانين بعد"، مطالبا وسائل الإعلام "بعدم تغطيتها".

وذكرت جمعية الصحافيين الأفغان المستقلين التي تتخذ من كابول مقرا أن 14 صحافيا، من أفغان وأجانب، أوقفوا لفترة وجيزة خلال الاحتجاجات قبل إطلاق سراحهم.

ويؤوي وادي بانشير الجبهة الوطنية للمقاومة ويعد معقلا مناهضا لطالبان منذ زمن طويل وقد ساهم القائد أحمد شاه مسعود في جعله معروفا في أواخر التسعينات قبل أن يغتاله تنظيم القاعدة عام 2001.

وأكدت حركة طالبان الاثنين أنها سيطرت بشكل كامل على وادي بانشير وحذرت من أي تمرد ضدها.

لكن الجبهة أكدت احتفاظها "بمواقع إستراتيجية" في الوادي و"مواصلة" القتال. واعتبرت أن حكومة طالبان "غير شرعية" وأكدت أنها ستشكل حكومتها الخاصة بعد إجراء مشاورات مع "شخصيات أفغانية بارزة".

ونددت الأربعاء بالحكومة المؤقتة الجديدة لطالبان واعتبرتها "غير شرعية" ومصيرها أن تكون "منبوذة"، وذلك بعد أن دعا قائد تلك المجموعة أحمد مسعود إلى انتفاضة على مستوى البلاد ضد الحكام الإسلاميين الجدد.

وخلال السنوات العشرين الماضية من عمليات التمرد التي شنتها طالبان، تحول المجتمع الأفغاني إلى شعب أصغر سنا بكثير يرغب في المزيد من الحرية.

نتيجة لذلك سيكون من الصعب على طالبان إجبار الناس على اعتماد تفسيرها المتشدد للشريعة.