طالبان بثوب جديد من السلاح الناري إلى السلاح البصري

الحركة المتشددة تنتج فيلما وثائقيا عن مؤسس شبكة حقاني المتهم بتنفيذ اكبر الهجمات دموية وتصوره في ثوب "المصلح والفاتح الكبير"، بمضمون يحتوي على الكثير من المديح لـ"إغواء" المشاهد الغربي.
عند طالبان.. تحت كل جلباب سلاح وتحت كل عمامة فكر متشدد
طالبان بدّلت ثوبها دعائيا ولم تخرج من جلباب حقاني ولم تتخلى عن فكرها المتطرف
حملة دعائية نشطة لطالبان بالتزامن مع محادثات السلام
طالبان حسنت مهاراتها في المنتجات السمعية البصرية لتسويق خطابها

إسلام أباد/كابول - يظهر الفيلم الوثائقي جلال الدين حقاني "المصلح الكبير والفاتح الكبير" لأفغانستان، المخصص لمؤسس الشبكة التي تحمل اسمه والمتهم بارتكاب أبشع الفظائع، مدى تطور دعاية طالبان وقدرتها على إعطاء صورة عن مسؤولين أكفاء فيما يتفاوضون على مستقبل البلاد في الدوحة.

وتأتي هذه الدعاية بينما لم تخفض طالبان من هجماتها الدموية على القوات الأفغانية ولم توقف واشنطن غاراتها على الحركة المتطرفة على الرغم من توصلهما لاتفاق يمهد لانسحاب القوات الأميركية ويؤسس لمفاوضات أفغانية - أفغانية لإنهاء الصراع الدموي.

والفيلم ومدته ساعة وعشر دقائق وقد صدر في سبتمبر/أيلول بمناسبة الذكرى الثانية لوفاة "حامل راية الجهاد المقدس"، بما يحويه من صور من الأرشيف تمتد لعدة عقود ومؤثرات خاصة يحتوي على الكثير من المديح لإغواء المشاهد الغربي.

طالبان سرعان ما استخدمت السلاح البصري في استعراض للقوة ولتحفيز قواتها من مقاطع فيديو تظهر انتحاريين مقبلين يبتسمون مباشرة قبل تنفيذ عملياتهم وانفجار مركبات العدو بالألغام ومعارك

ويؤكد كذلك أن طالبان "حسنت مهاراتها" في المنتجات السمعية البصرية، بحسب أندرو واتكينز المحلل في مجموعة الأزمات الدولية.

وبعد أن طردهم من السلطة تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة في عام 2001 وقبل رواج الهواتف الذكية، لجأ المتمردون للمساجد للدعوى لقضيتهم في البداية. كما استخدمت للغرض نفسه الأناشيد بلغة البشتون وهي مجموعة عرقية يتحدر منها الكثير منهم.

وسرعان ما استخدمت طالبان السلاح البصري لتحفيز قواتها، من مقاطع فيديو تظهر انتحاريين مقبلين يبتسمون مباشرة قبل القيام بعملياتهم وانفجار مركبات العدو بالألغام ومعارك.

ويرى جيل دورونسورو المتخصص الفرنسي في الشؤون الأفغانية أن هذه المحتويات التي تم تصويرها مثل "أفلام الحركة" القصيرة "ساهمت في تكوين صورة عن حركة قوية قادرة على شن هجمات عسكرية حقيقية ضد الأميركيين". ثم توالى ظهور المزيد من الصور الممنتجة التي صُورت أحيانا بواسطة طائرات مسيرة.

ويضيف دورونسورو أن حركة طالبان "لم ترق أبدا إلى مستوى الدولة الإسلامية" في دعايتها التي أغوت آلاف الجهاديين من جميع أنحاء العالم.

وذكر عدد من المحللين أنه تم تجاوز مرحلة جديدة عندما وقّعت طالبان في فبراير/شباط اتفاقا مع واشنطن ينصّ على انسحاب القوات الأجنبية من البلاد.

وبينما كان الطرفان يتفاوضان على هذا النص، نشرت "الإمارة"، أبرز وسائل طالبان الدعائية: 319 مقطع فيديو في عام 2019، أي بزيادة 60 بالمئة عن العام السابق وما يقرب من ثلاثة أضعاف العدد الإجمالي لعام 2016، وفقا لدراسة أجراها مركز "انترسنتر"، وهي شركة أميركية للمعلومات عن الإرهاب.

وصدر الفيلم الوثائقي عن جلال الدين حقاني بالتزامن مع بدء طالبان مفاوضات سلام في قطر في سبتمبر/أيلول مع السلطات الأفغانية.

ويرى المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد أنها مجرد "صدفة"، موضحا أن الفيلم استغرق إعداده "أربعة أشهر".

وعايش جلال الدين حقاني ذو اللحية الطويلة والعمامة، أربعة عقود من الحرب عمل خلالها من خلال خطاباته على إضفاء الشرعية على الكفاح من أجل الإسلام. والرجل الذي أصيب في مواجهة مع القوات السوفييتية (سابقا) يظهر خلال الفيلم وهو يحض قواته على مقاومة "الاحتلال" الغربي.

ولكن الفيلم الوثائقي يقدمه بشكل خاص، على أنه حاكم صالح في معقله في ولاية خوست (شرق)، حيث فتح "عشرات مدارس" تعليم القرآن و"اهتم بالأعمال الخيرية" وكافح من أجل الخدمات العامة وضد الفساد.

جلال الدين حقاني عايش أربعة عقود من الحرب
جلال الدين حقاني عايش أربعة عقود من الحرب

وتعد هذه رسالة مفاجئة وبخاصة مع تحميل شبكة حقاني التي أنشأها المسؤولية عن أكثر الهجمات دموية في العقدين الماضيين ومنها الهجوم بشاحنة مفخخة في كابول في مايو/ايار 2017 والذي أودى بحياة أكثر من 150 شخصا.

ويقول أندرو واتكينز إن إصرار طالبان على الإشادة بإدارتها وتأكيد صلاحها أمر "جديد تماما" و"مرتبط حقا بمدى التقدم في محادثات السلام".

وفي الأسابيع الأخيرة روجت طالبان، بالإضافة إلى الإخراج المنظم لتدريب مقاتليها، لقيامها بتشييد البنية التحتية من طرق وقنوات الري.

وعلى تويتر، يُظهرون أنهم يسيطرون على أفغانستان مع قوافل من سيارات الدفع الرباعي ترفرف من نوافذها رايتهم البيضاء والسوداء "على أبواب العاصمة"، حيث يتعهدون بـ"حماية الناس" و"زيادة الدوريات" ضد "اللصوص والفاسدين".

ولا يتبقى سوى معرفة ما إذا كانت الدعاية حققت غايتها، بينما يخشى العديد من الأفغان، وخاصة في المدن من عودة المتمردين إلى السلطة في ختام هذه المفاوضات، حيث سادت فترة حكمهم القصيرة عدة انتهاكات. كما ضاعفوا في الأشهر الأخيرة الهجمات على القوات الحكومية.

ويؤكد صادق صديقي المتحدث باسم الرئيس أشرف غني على "التناقض الواضح بين رواياتهم وأفعالهم" مع قدرتهم على إقناع السكان وغالبيتهم من الأميين والشباب. ويقول "من جهة، يتحدثون عن الأخوة والرحمة ومن جهة أخرى، يقتلون ويصيبون المدنيين الأبرياء".

فيلم طالبان عن مسيرة جلال الدين حقاني تعد رسالة مفاجئة خاصة مع تحميل شبكة حقاني التي أنشأها المسؤولية عن أكثر الهجمات دموية في العقدين الماضيين ومنها هجوم في كابول في 2017 أودى بحياة أكثر من 150 شخصا

ويشير المحلل عمر شريفي إلى "أنهم يستخفون حقا بذكاء الأفغان"، مستذكرا "الجثث المعلقة وقطع الرؤوس" في كابول خلال حكم طالبان.

وأضاف أن "طالبان كانت فاسدة مثل الحكومة"، التي ينتقدها السكان بسبب سوء حكمها، ويرفض "تقديس طالبان باعتبارهم أنقياء واتقياء" وهي "صورة مزيفة" عنهم.

وقال متحدث باسم القوات الأميركية في أفغانستان إن ضربة جوية شنتها واشنطن لدعم قوات أمن أفغانية أسفرت عن مقتل خمسة مقاتلين من حركة طالبان في وسط أفغانستان مساء الأحد.

وتصاعدت حدة العنف خلال الأسابيع الأخيرة في اشتباكات تقع بين المتشددين وقوات حكومية في أنحاء البلاد، في وقت يجري فيه المفاوضون من الجانبين محادثات في قطر للتوصل إلى اتفاق سلام من شأنه أن يتيح لواشنطن سحب قواتها المتبقية هناك وينهي أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة.

وأضاف الكولونيل سوني ليجيت في تغريدة على تويتر اليوم الاثنين أن الضربة الجوية في إقليم وردك نفذت للدفاع عن جنود تابعين للقوات الحكومية الأفغانية واستهدفت مقاتلي طالبان وأسفرت عن مقتل خمسة منهم.

وتابع أن الضربة لا تتعارض مع اتفاق الانسحاب الذي أبرمته واشنطن والحركة في فبراير/شباط. وقال ليجيت "نرفض الادعاءات بانتهاك الاتفاق وقتل أفغانيين أبرياء"، دون التطرق لتفاصيل.

وأعلن المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد تنديده بالضربة، قائلا إنه لم يكن هناك قتال دائر وقت شنها وإنها خرقت بنود الاتفاقية.

وكانت طالبان قد اتهمت الولايات المتحدة هذا الشهر بانتهاك الاتفاق بشن ضربات جوية في إقليم هلمند بجنوب أفغانستان مع بدء المقاتلين عملية كبيرة لانتزاع السيطرة على عاصمة الإقليم. وتنفي واشنطن هذا الاتهام.