طالبان تسيطر على كابول والرئيس الأفغاني يفر للخارج

مطار كابول الدولي يتحول إلى مركز الاهتمام كونه المنفذ الجوي الوحيد للمغادرة بعد أن سيطرت طالبان تقريبا على كل المنافذ البرية واستحال بذلك المغادرة برا على أي مسؤول محلي أو غربي.
دول غربية تسرّع عملية إجلاء رعاياها وموظفيها من كابول
طالبان تتعهد بعدم الانتقام من العسكريين الأفغان
قوات الجيش والشرطة تبخرت فجأة في انهيار لم يكن متوقعا بالنسبة لواشنطن
ازدحام على البنوك واختناق مروري مع بدء تدفق مقاتلي طالبان على كابول

كابول/واشنطن - دخل مقاتلو حركة طالبان مساء اليوم الأحد إلى العاصمة كابول بعد أن كانوا على مشارفها في وقت سابق، وسط انهيار سريع ومفاجئ لقوات الأمن والجيش بينما ذكر مصدر أفغاني أن الرئيس أشرف غني غادر البلاد إلى طاجاكستان المجاورة، فيما توالت ردود الفعل الدولية بين محذر من فوضى عارمة وعودة للإرهاب وبين من دعا إلى انتقال سلسل للسلطة، في حين عبرت روسيا عن استعدادها للتعامل مع الحكومة الأفغانية الانتقالية، إلا أن الحركة المتشددة التي أعلنت سيطرتها على عدة مراكز ومؤسسات في العاصمة أكدت أنه لن توجد حكومة انتقالية.

وأعلن غني أنّه فرّ من بلاده لتفادي "إراقة الدماء"، مع إقراره بأنّ "طالبان انتصرت"، مبديا ثقته في أنّ "عددا كبيرا من المواطنين كانوا سيُقتلون وأنّ كابول كانت ستُدمّر" لو بقي في أفغانستان، مضيفا في رسالة عبر فيسبوك "انتصرت طالبان وهي مسؤولة الآن عن شرف الحفاظ على بلادها".

وتابع "إنّهم يواجهون حاليا تحدّيا تاريخيّا جديدا إمّا أن يُحافظوا على اسم أفغانستان وشرفها وإمّا أن يُعطوا الأولويّة لأمكنة أخرى وشبكات أخرى".

وأظهرت مشاهد متلفزة عشرات من مقاتلي حركة طالبان يسيطرون على القصر الرئاسي في كابول ويحتفلون بانتصارهم على الحكومة الأفغانية. وقال متمرد لقناة الجزيرة القطرية إن "بلادنا تحررت والمجاهدون انتصروا في أفغانستان".

وأكد عبدالله عبدالله نائب الرئيس الأفغاني ورئيس هيئة المصالحة الوطنية، أن الرئيس (أشرف غني) غادر البلاد في الساعات الماضية التي سبقت دخول مقاتلي الحركة للعاصمة، بينما ذكرت مصادر محلية أن غني غادر إلى طاجاكستان المجاورة، بينما خلت العاصمة من أي تواجد أمني أو عسكري لقوات الجيش والشرطة.

وفي خضم هذه التطورات بات مطار كابول الدولي مركز الاهتمام كونه المنفذ الجوي الوحيد للمغادرة بعد أن سيطرت طالبان تقريبا على كل المنافذ البرية واستحال بذلك المغادرة برا على أي مسؤول محلي أو غربي، فيما أرسلت دول غربية بينها الولايات المتحدة قوات لتأمين سحب رعاياها وممثليها الدبلوماسيين وتأمين مطار العاصمة الذي كان يفترض أن تتولى حمايته القوات التركية.

وكانت واشنطن قد طلبت من الحركة التريث قبل اقتحام العاصمة حتى تجلي رعاياها وموظفيها، لكن طالبان أعلنت أن قوات الشرطة والجيش الأفغانية تخلت عن مواقعها ما قد يتسبب في فوضى أمنية وسرّعت على ضوء ذلك دخولها كابول.

وذكرت مصادر أن المئات من الجنود الأفغان في عدة مناطق يجرون اتصالات مع قيادات محلية وقبيلة للتوسط لدى طالبان للأمان.

وأعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ الأحد أن الحلف يساهم في تأمين مطار كابول للسماح بإجلاء مواطنين غربيين في موازاة تقدم طالبان.

أشرف غني يطلب من القوات الأفغانية حماية الناس بينما يفر هو للخارج
أشرف غني يطلب من القوات الأفغانية حماية الناس بينما يفر هو للخارج

وكتب ستولتنبرغ في تغريدة "تحدثت إلى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ووزراء خارجية حلفائنا الكنديين والدنماركيين والهولنديين عن الوضع في أفغانستان. الحلف يساعد في إبقاء مطار كابول مفتوحا لتسهيل وتنسيق عمليات الإجلاء".  

وأكد المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين لهيئة "بي بي سي" الأحد، أن المتمردين يريدون انتقالا سلميا للسلطة "في الأيام المقبلة". وقال "نريد حكومة إسلامية جامعة، ما يعني أن جميع الأفغان سيكونون ممثلين في هذه الحكومة".

ودعا حلف شمال الأطلسي الذي يسحب قواته من أفغانستان أيضا إلى "حل سياسي للنزاع الذي بات ملحا أكثر من أي وقت مضى" على ما قال ناطق باسمه.

وتمكنت طالبان التي بدأت هجومها في مايو/ايار مع بدء الانسحاب النهائي للقوات الأميركية والأجنبية، من السيطرة خلال عشرة أيام فقط على غالبية مناطق البلاد.

وطلب الرئيس الأفغاني أشرف غني من قوات الأمن ضمان "سلامة جميع المواطنين". وقال في مقطع فيديو بث قبل مغادرته البلاد "إنها مسؤوليتنا وسنفعل ذلك بأفضل طريقة ممكنة. سيتمّ التعامل بالقوة مع أي جهة تفكر في إثارة الفوضى أو النهب".

وقبيل ذلك سيطرت طالبان على سجنين قريبين من العاصمة وحرّرت آلاف السجناء، وتخشى السلطات أن يخلّ المجرمون بالنظام العام.

وقالت السفارة الأميركية في العاصمة الأفغانية في تحذير أمني اليوم الأحد إن الوضع الأمني في كابول يتغير بسرعة بما في ذلك عند المطار الذي ترد منه تقارير عن دوي أعيرة نارية في وقت تقوم فيه القوات الأميركية بإجلاء الأميركيين من هناك.

وأضافت السفارة "هناك تقارير تفيد بأن المطار يتعرض لإطلاق نار ولذلك نحن نأمر المواطنين الأميركيين بالاختباء في أماكنهم".

وفي وقت سابق اليوم الأحد قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إن العاملين في السفارة الأميركية بكابول يغادرون المجمع الدبلوماسي ويتجهون إلى المطار بعد أن دخل مقاتلو طالبان العاصمة الأفغانية.

ويجري نقل دبلوماسيي الولايات المتحدة بطائرات هليكوبتر إلى مطار المدينة حيث توفر قوات أميركية الأمن وسط نزوح الأميركيين وحلفائهم المحليين وأجانب آخرين.

وأصر بلينكن على أن الموقف في العاصمة الأفغانية "ليس سايغون بكل وضوح". وقال مسؤول كبير في وزارة الداخلية إن مقاتلي طالبان وصلوا إلى كابول "من جميع الاتجاهات" وإن هناك تقارير عن إطلاق نار متقطع حول المدينة.

وقالت مصادر إن معظم العاملين الأميركيين سيتم إجلاؤهم من كابول غدا أو خلال اليومين المقبلين.

مقاتلو طالبان يستعرضون غنائم الحرب
مقاتلو طالبان يستعرضون غنائم الحرب

وقال بلينكن لقناة إيه.بي.سي التلفزيونية الإخبارية "نعمل على ضمان أمن وسلامة أفرادنا. ننقل الرجال والنساء العاملين في السفارة إلى مكان في المطار".

وقالت فرنسا وألمانيا وهولندا، وكلها دول في الحلف، اليوم الأحد إنها تنقل دبلوماسييها من سفاراتها.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن رفع إلى خمسة آلاف عدد الجنود الأميركيين في مطار كابول لضمان عملية الإجلاء هذه التي تشمل 30 ألف شخص.

وواصلت المروحيات الأميركية كما حصل السبت، رحلات ذهابا وإيابا بين السفارة الأميركية الواقعة في المنطقة الخضراء" المحصنة في وسط العاصمة والمطار الذي بات المخرج الوحيد من البلاد.

وهدد بايدن حركة طالبان برد "سريع وقوي" في حال شنت هجوما يعرض للخطر حياة مواطنين أميركيين. ودافعت إدارته عن قرارها وضع حد لهذه الحرب المستمرة منذ 20 عاما وهي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة.

وأعلنت الخارجية الفرنسية الأحد أنها أرسلت تعزيزات عسكرية إلى الإمارات لتسهيل إجلاء الرعايا الفرنسيين من أفغانستان بعدما نقلت سفارتها إلى مطار كابول في ظل هجوم طالبان.

وقالت في بيان إن "وزارة الجيوش سترسل في الساعات المقبلة تعزيزات عسكرية ووسائل جوية إلى الإمارات العربية المتحدة لبدء أولى عمليات الإجلاء نحو أبوظبي"، مضيفة أنها قررت أيضا "نقل السفارة إلى موقع مطار كابول للبدء خصوصا بإجلاء جميع مواطنينا الذين لا يزالون في البلاد".

وقالت باريس إنّ "السفارة ومركز الأزمات والمساندة" في وزارة الشؤون الأوروبية والخارجية "على اتصال بالفرنسيين الذين أبلغوا عن أنفسهم".

وأوضحت أن "عمليات الإجلاء المنهجية لمواطنينا جارية منذ أسابيع"، مضيفة أنه تم استئجار رحلة خاصة في 16 يوليو/تموز.

سيطرة طالبان على أفغانستان تثير حالة من الهلع ومخاوف من الانتقام
سيطرة طالبان على أفغانستان تثير حالة من الهلع ومخاوف من الانتقام

كما أعادت فرنسا التشديد على رغبتها في "الاستمرار بتوفير الحماية لشخصيات المجتمع المدني الأفغاني وللمدافعين عن حقوق الإنسان والفنانين والصحافيين الذين يتعرضون للتهديد بشكل خاص بسبب التزامهم".

وقال البيان "يجري حاليا القيام بكل شيء للحفاظ، قدر الإمكان، على القدرة على إصدار تأشيرات من مطار كابول".

وأعلنت السلطات الدنماركية والألمانية الأحد أن كل رعاياهما نقلوا إلى مطار كابول، فيما أكدت كندا أن كل مواطنيها غادروا البلاد. أما السويد فستجلي موظفي سفارتها قريبا "بما يشمل الموظفين الأفغان المحليين" على ما أوضحت وزيرة الخارجية آن لينده.

في المقابل أكدت روسيا الأحد أنها لا تعتزم إخلاء سفارتها مشيرة أيضا إلى أنها تعمل من أجل عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن حول أفغانستان، بينما النرويج الني تدير ملف أفغانستان في مجلس الأمن مع إستونيا فقد دعت إلى "اجتماع عاجل في أقرب وقت ممكن".

وطوال النهار، سادت حالة من الهلع في العاصمة حيث أغلقت المحلات أبوابها وباتت زحمة السير خانقة وشوهد شرطيون يستبدلون بزّاتهم بملابس مدنية.

وشهدت غالبية المصارف ازدحاما، وسط تهافت الناس على سحب أموالهم قبل فوات الأوان. وكانت الشوارع أيضا مكتظة بالسيارات المحمّلة بالأغراض محاولة مغادرة المدينة أو اللجوء إلى حيّ يعتبره السكان أكثر أمانا.

وفي حي التيماني وسط العاصمة، بدت مشاعر الخوف والارتباك على وجوه الناس. وقال التاجر طارق نظامي (30 عاما) "نحن نقدر عودة طالبان إلى أفغانستان، لكننا نأمل أن يفضي وصولهم إلى السلام وليس إلى حمام دم. أتذكر الفظائع التي ارتكبتها طالبان، عندما كنت طفلا صغيرا".

وفي مؤشر على أن الناس بدؤوا يرضخون للأمر الواقع شوهد عامل يغطي بالطلاء لوحة إعلانية لصالون تجميل تظهر عروسا متبرجة.

ويخشى كثير من الأفغان المعتادين على الحرية التي تمتعوا بها في السنوات العشرين الماضية، وخصوصا النساء، عودة طالبان إلى السلطة، فعندما حكمت البلاد بين 1996 و2001 قبل أن يطردها تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة من الحكم، فرضت الحركة رؤيتها المتطرفة للشريعة الإسلامية فمنعت النساء من الخروج بدون محرم ومن العمل. كما منعت تعليم البنات وكانت النساء اللواتي يتّهمن بالزنا يتعرضن للجلد والرجم.

غير أن طالبان الحريصة اليوم على إظهار صورة أكثر اعتدالا، تعهدت مرارا إذا عادت إلى السلطة احترام حقوق الإنسان، خصوصا حقوق المرأة، بما يتوافق مع "القيم الإسلامية".

لكن في المناطق التي سيطر عليها مقاتلوها في الفترة الأخيرة، اتهم عناصر طالبان بارتكاب الكثير من الفظائع، من قتل مدنيين وقطع رؤوس وخطف مراهقات لتزويجهنّ بالقوة.