طرد بنغازي لوفد أوروبي يعكس أزمة علاقات بين شرق ليبيا وقوى غربية
بنغازي - تعكس حادثة طرد حكومة شرق ليبيا وفدا وزاريا أوروبيا يقوده مفوض التكتل للهجرة ماغنوس برونر أزمة علاقات بين الحكومة المكلفة من قبل البرلمان والقوى الغربية، فيما تنذر الحادثة بوقف التعاون بين الجانبين في عدة قضايا يتصدرها ملف مكافحة الهجرة غير الشرعية.
وبعث هذا الموقف برسالة واضحة للداخل الليبي والخارج بأن حكومة حماد تفرض سيطرتها ومواقفها، وأنها لن تتهاون في ما تراه مساسًا بسيادتها.
وأثارت الحادثة ردود فعل دولية متناقضة، فبينما نددت بعض الدول الغربية بالواقعة، أرجع تقرير أميركي القرار الذي اتخذه رئيس الوزراء أسامة حماد إلى عدم اعتراف الاتحاد الأوروبي بالحكومة المكلفة من قبل البرلمان.
ووصفت بعض الجهات الأوروبية ما حدث بأنه "خرق مؤسف للبروتوكول" و"سوء تفاهم كبير"، ما يشير إلى ضعف آليات التواصل والتنسيق الدبلوماسي، فيما تنذر الواقعة بتوتر بين سلطات الشرق الليبي والاتحاد الأوروبي.
وأشارت صحيفة ''بوليتيكو'' الأميركية إلى أن الوفد الأوروبي كان ينوي الاقتصار على إجراء مباحثات مع قائد قوات الشرق المشير خليفة حفتر دون إشراك كبار المسؤولين والوزراء من حكومة حماد، بمن في ذلك رئيس الوزراء ووزير خارجيته عبدالهادي الحويج.
وضم الوفد مفوض الشؤون الداخلية والهجرة في الاتحاد الأوروبي ماغنوس برونر ووزير الهجرة واللجوء اليوناني ثانوس بليفريس ووزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوسي ووزير الداخلية المالطي بايرون كاميليري.
وكان الدبلوماسيون الأوروبيون قد وصلوا إلى مطار بنغازي لحضور اجتماع مع حكومة أسامة حماد المتحالفة مع حفتر الذي يسيطر على الشرق ومساحات شاسعة من جنوب ليبيا، وذلك بعد وقت قصير من اجتماعهم مع الحكومة المعترف بها دوليا التي تسيطر على غرب ليبيا.
وكشف مصدر حكومي إيطالي أن "المهمة انهارت بعد أن أثار سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا نيكولا أورلاندو، مخاوف بشأن المشاركين ضمن الجانب الليبي في المحادثات، وذلك رغبة في تفادي التعامل مع وزيري خارجية وداخلية حكومة حماد، بحسب البروتوكول السياسي الأوروبي".
وقال وزير الداخلية المالطي بايرون كاميليري في منشور على فيسبوك "للأسف جرى إلغاء الاجتماع المقرر في بنغازي، بعد مشكلة بروتوكولية بين السلطات المحلية وسفارة الاتحاد الأوروبي في ليبيا".
بدورها علقت صحيفة "كاثمريني" اليونانية على الواقعة، مشيرة إلى أن "حكومة أثينا بحاجة إلى نهج جديد للتعامل مع ليبيا"، مقترحة "الدعوة إلى اجتماع ثلاثي مع مصر وحكومة أسامة حماد، واجتماع آخر مع الحكومة الإيطالية وحكومة الدبيبة، لمواكبة التطورات، والتدخل عند الضرورة".
ويعكس التباين في وجهات النظر بشأن هذه الحادثة الخلافات بين الدول الأوروبية حول طريقة التعاطي مع الأزمة الليبية، حيث دعمت بعضها مثل إيطاليا حكومة الوفاق السابقة ثم حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبدالحميد الدبيبة، بينما دعمت دول أخرى مثل فرنسا اللواء خليفة حفتر.
ويرى بعض المحللين أن الدور الأوروبي في ليبيا قد تراجع لصالح قوى إقليمية أخرى من بينها روسيا بسبب تباين المواقف داخل التكتل، فيما يتوقع أن تؤدي حادثة الطرد إلى مزيد تراجع النفوذ الغربي في البلد الواقع في شمال أفريقيا.
ويقيم تباين ردود الفعل الدولية على طرد الوفد الأوروبي من قبل حكومة الشرق في ليبيا الدليل على حالة التشرذم السياسي في البلاد وتضارب المصالح الدولية والأهمية المتزايدة لملف الهجرة، مما يجعل من الصعب التوصل إلى موقف دولي موحد أو حل سريع للأزمة.
ويعتبر مراقبون أن مثل هذه الأحداث تزيد من تعقيد الجهود الرامية إلى تحقيق حل سياسي شامل ومستدام للأزمة الليبية بالنظر إلى أن عدم التنسيق بين الأطراف المحلية والدولية يعرقل مسار الحوار والمفاوضات.
وكانت الحكومة التي تتخذ من بنغازي مقرا أعلنت الثلاثاء عن "إلغاء الزيارة المقررة لوزراء داخلية جمهورية إيطاليا واليونان ومالطا ومفوض الاتحاد الأوروبي للهجرة وباقي الفريق المصاحب لهم أثناء تواجدهم عقب وصولهم لمطار بنينا الدولي بمدينة بنغازي، وإبلاغهم بضرورة مغادرة الأراضي الليبية فورا واعتبارهم غير مرغوب فيهم".
وسبق أن دعت الاثنين جميع الزائرين الأجانب والبعثات الدبلوماسية الأجنبية عدم القدوم إلى ليبيا والتنقل داخل البلاد دون إذن مسبق منها.
وفي سياق متصل قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي ماركوس لاميرت اليوم الأربعاء إن مفوض الشؤون الداخلية والهجرة بالمفوضية الأوروبية مُنع من دخول شرق ليبيا بسبب "مشكلة بروتوكولية".
وأضاف "سيُبقي الاتحاد على قنوات اتصال مفتوحة، وسنواصل العمل وفق نهج فريق أوروبا مع جميع الأطراف المعنية"، متابعا أن "مهمة التكتل في البلاد تتمحور حول "الزيادة الأحدث في عدد الوافدين غير الشرعيين من ليبيا".
وتعتبر ليبيا نقطة عبور رئيسية للمهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا. لذلك، فإن أي توتر في العلاقات مع أي من الأطراف الليبية يمكن أن يؤثر على جهود مكافحة الهجرة، وهو ملف حيوي بالنسبة للعديد من الدول الأوروبية، خاصة إيطاليا ومالطا واليونان التي كانت جزءًا من الوفد المطرود.