طريق الخلاص والحرية والأحلام الممكنة في 'مصنع السكر'

رواية الصحفي والأديب محمد شعير مزيج فريدة من حلاوة الحب ومرارة الحرب، قسوة الواقع وويلاته وروعة الخيال وشطحاته، مساحات شاسعة بين الحرية والقيد ومسافات عابرة للأزمنة بين الماضي المصري والسوري الراهن والمستقبل الآتي من بعيد من النمسا.

رواية "مصنع السكر" للكاتب الصحفي والأديب محمد شعير، عن دار غراب للنشر والتوزيع، مزيج فريدة من حلاوة الحب ومرارة الحرب، قسوة الواقع وويلاته وروعة الخيال وشطحاته، مساحات شاسعة بين الحرية والقيد، ومسافات عابرة للأزمنة بين الماضي المصري والسوري الراهن والمستقبل الآتي من بعيد من النمسا، بين تعددية الأماكن التي جابها خيال المؤلف في القاهرة والإسكندرية وحمص، وتعددية مستويات السرد اللغوي بين اللهجات المحلية والعامية والفصحى في بيئات الرواية، إضافة إلى المزج الرائع والتوظيف الفني المتفرد لآيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وبعض الأغنيات وعناوين الكتب، وغلبة اللغة الصحفية التقريرية أحيانًا في وصف بعض الأماكن والأحداث المرتبطة بالحرب ومعاناة الشعب السوري والذي تجسده بطلة الرواية، كما تجسد حمص التي تنتمي إليها البطلة مدينة التنوع الطائفي.

الرواية قصة حب ملتهبة عبر الفيسبوك بين مصري هو الفنان "زياد ثابت" مصمم أغلفة الكتب، وسورية هي "ورد عمار" منسقة الأنشطة والندوات الثقافية بمديرية الثقافة بمدينة حمص، بعد أن حولت زوجته (علياء الجمال) حياتهما معًا إلى جحيم، فخرج من مرارة واقعه لحلاوة وحرية خياله وحبه في الواقع الافتراضي العابر للمسافات، الرواية كتبتها "شهد" ابنة الفنان "زياد ثابت" في عام 2050م، أي بعد نحو 30 عامًا من وقوع أحداثها أثناء وجودها بمدينة سالزبورغ النمساوية التي تقيم فيها، ومن أجوائها نقرأ: "كيف حل الجفاء محل الود؟ كيف سكن السكون كل أرجاء البيت؟ كيف بات التربص والحذر عنوان المسار؟ أين اختفت ودفنت لذة الحوار؟ ساد الخلاف حياتنا ففسدت وأفسدتنا وأنبتت أسوأ ما فينا.. ظهر وأزهر وترعرع صراخ وصراع وقلق.. نهش متبادل وجرح مشترك.. فقررنا أخيرًا أن نتوقف.. أن نصمت.. لنعيش.. عشنا في الظاهر معًا.. كل في مسار.".

أجاد الكاتب بناء شخصيات الرواية وتحولاتها وخيباتها وتناقضاتها النفسية وانتصاراتها وأحلامها البسيطة، بل أن الإجادة نفسها انسحبت على العناية الفائقة بانتقاء أسماء شخصيات العمل، ففي الزوجة كل ملامح الغطرسة والعلياء والتكبر الذي أصاب حياتها مع زوجها بالجفاء والجفاف، وفي المقابل تحمل الحبيبة الحمصية ورد، من الورد عطره ورقيه وذوقه وروحه التي تجعل الحياة تطاق حتى تحت ويلات الحرب وقساوتها، ولكل من أبطال العمل مصنع سكر خاص، هو الحلم وهو الأمل وهو الطموح، من الحب الذي حيل جحيم حياة البطل زياد إلى واقع جميل، ومن الحرب التي مزقت ورد والصراع الطائفي العجيب الذي تفجر فجأة في سوريا منذ 2011، بين العلويين الذين تنتمى إليهم عائلة والدها وبين السنة أهل والدتها، والحرية التي ينشدها الجميع، وقد برع المؤلف في نقل المفارقات والتناقضات الاجتماعية والسياسية، عبر قفزات متتالية تصاعدية في تجسيد معاناة الزوج الفنان زياد ثابت، وهروبه من واقعه وتجاوبه مع عالم افتراضي عبر منصة الفيسبوك التي جمعته بحبه المنشود، وتناقضات زوجته علياء الجمال، بل وتناقضات شهد ابنته التي رفضت كل الإغراءات وعروض الحب والزواج وراحت تتأمل الذئاب البشرية التي تتربص بها أينما ذهبت، تناقضات شخصية متحررة هي "سهير السكرى" التي أصبحت شاعرة بقدرات ومهارات لا علاقة لها بالشعر والثقافة، إضافة لتناقضات سياسية حول سبل الخلاص من ويلات الحرب، ونيل الحرية والعيش بسلام.

تمثل "شهد" كاتبة الرواية المستقبل والخلاص وتحقق الحلم، حلم الحب والحرية، حتى ولو بعد ثلاثة عقود في عام 2050 زمن كتابتها الرواية، التي تحمل عدة أوجه وعدة قراءات، أقربها أن مصنع سكرها هي، تحول إلى شهد بوعيها لتناقضات الماضي وتجاوزها لمعاناة والدها مع والدتها، وعشقها لخبير المعلومات والذكاء الاصطناعي طارق العليمي، وهكذا يبدو في النهاية أن لكل منا لحظة خلاصه، وإن تعثرت الخطى وبعدت المسافات وطال الانتظار.