ظريف في الدوحة: زيارة لدراسة احتجاجات لبنان والعراق

وزير الخارجية الإيراني يستنجد بالدوحة لإيجاد سبل تمكن طهران من إيقاف الاحتجاجات في بلدان عربية للمحافظة على نفوذ وكلائها.

الدوحة - وصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف اليوم الاثنين، إلى العاصمة القطرية الدوحة، في زيارة أعلن عنها في الساعات الأخيرة، وتأتي تزامنا مع انسداد الأفق أمام وكلاء طهران في عدد من البلدان العربية مثل لبنان والعراق التي تشهد توترات واحتجاجات مناهضة لها.

ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء (شبه رسمية) عن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سيد عباس موسوي، قوله إن ظريف "سيزور الدوحة للمشاركة في اجتماع لجنة الشرق الأوسط لمؤتمر ميونيخ الأمني".

وأضاف موسوي قبيل سفر الوزير الإيراني إلى قطر إن الأخير "سيلقي كلمات لشرح مواقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشأن القضايا الإقليمية والتطورات الحالية في الخليج الفارسي".

وبعد تأييدها العلني والرسمي لاستباحة الأراضي السورية من قبل الجيش التركي رغم التنديد العربي والدولي لذلك، يرى مراقبون في زيارة ظريف رسالة أخرى واضحة من الدوحة لاختيارها مواصلة ممارسة سياسة الهروب إلى الأمام مع جيرانها الخليجيين الذين يقاطعونها منذ 2017 بسبب دعمها للجماعات الإرهابية.

يذكر أن السفير القطري لدى تركيا سالم مبارك آل شافي، تفاخر الأحد خلال مقابلة صحفية، بتأييد بلاده للعدوان التركي على الأراضي السورية، رغم الإدانات الخليجية والعربية والإقليمية والدولية الواسعة لتجاوزات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وقال آل شافي إن العملية العسكرية التي نفذها أردوغان شمال سوريا وامتنعت بلاده عن إدانتها، هي "انتصار للدبلوماسية التركية واعتراف بحكمتها"، في موقف عربي صادم.

وتعد زيارة ظريف إلى الدوحة الثانية في ظرف شهرين، حيث التقى في شهر أغسطس/آب بأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وسلمه رسالة من الرئيس الإيراني حسن روحاني "تتعلق بالعلاقات الثنائية وسبل دعمها، وعدد من القضايا الإقليمية والدولية".

ومن المنتظر أن يلقي ظريف كلمة خلال مؤتمر الدوحة، حول عدد من القضايا في المنطقة، حيث سيسعى إلى التسويق لخطة "للأمن في مضيق هرمز" التي فشلت طهران في الترويج لها خلال الاجتماع الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

لكن في المقابل ستبقى الخطط الإيرانية والأجندات خلف الأبواب المغلقة التي تحرص الدوحة أيضا على اخفائها أمام الرأي العام والمجتمع الدولي، خصوصا أن الزيارة تأتي تزامنا مع إعلان واشنطن زيادة الضغوط الاقتصادية على إيران بسبب برنامجها النووي.

واليوم الاثنين، قال وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين الذي يقوم بزيارة إلى الشرق الأوسط، إن بلاده "نفذت حملة ضغوط قصوى لفرض عقوبات على إيران. وقد نجحت، إنها تنجح، وتقطع تدفق الأموال".

وأضاف منوتشين الذي من المنتظر أن يزور السعودية هذا الأسبوع "سنستمر في تكثيف ذلك أكثر وأكثر".

وتحاول واشنطن، منذ انسحابها من الاتفاق النووي العام الماضي، وقف صادرات إيران النفطية شريان الحياة لاقتصادها. وتدرس واشنطن مع دول المنطقة سبل فرض عقوبات جديدة وآلية تمنع إيران من مواصلة تهديداتها لامدادات النفط العالمية عبر استهداف ناقلات النفط في مضيق هرمز.

الشعوب تنتفض ضد سياسات إيران في بلدانهم وفي مقدمتهم العراقيون
الشعوب تنتفض ضد سياسات إيران في بلدانهم وفي مقدمتهم العراقيون

وسعت الدوحة وراء الكواليس للتوسط بين الولايات المتحدة وإيران، لحل أزمة إلغاء الاتفاق النووي وتهدئة الأوضاع لاخراج طهران من مأزقها بعد اعتداءات متواترة على ناقلات النفط ومنشآت نفطية في الخليج.

كما حرصت قطر منذ مقاطعة رباعي الإمارات والسعودية ومصر والبحرين لها، على تكثيف علاقات الدبلوماسية والتجارية مع إيران، حيث اتجهت لاستيراد السلع الغذائية منها في محاولة لفك عزلتها في محيطها الخليجي.

ويقول مراقبون للشأن الخليجي إن تكثيف تعاون النظام القطري مؤخرا مع نظيره الإيراني، الذي نددت دول المنطقة وحلفائها بسياساته التخريبية، يمثل دعما جديدا وواضحا للخطر الذي يهدد استقرار الشرق الأوسط.

ومثل استقبال ظريف لوفد من الحوثيين السبت الماضي في طهران، أول المحاولات الإيرانية للسيطرة على خطر جديد قد ينطلق من اليمن لتصبح صنعاء رابع عاصمة عربية تنتفض شعبيًا ضد تدخلاتها في اليمن.

يأتي ذلك بعد نجاح السعودية في رعاية اتفاق توصلت بموجبه الحكومة والمجلس الجنوبي لتقاسم السلطة في جنوب اليمن، وهو ما قوض انتظارات النظام الإيراني الذي يسعى لخلق الفتنة في اليمن حتى يتسنى للحوثيين السيطرة على السلطة الشرعية في البلاد.

وتتزايد مخاوف طهران في ظل الأوضاع التي تشهدها العراق ولبنان من احتجاجات شعبية عارمة ضد الحكومات، واتهام المتظاهرين فيها وكلاء طهران مثل حزب الله والحشد الشعبي وميليشيات أخرى، بالعمالة وتنفيذ أجندات إقليمية على حساب بلدانهم.

وكان رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني من أول المدعوين إلى الدوحة الذين اتقاهم ظريف مساء الاثنين.

وأفادت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) أن ظريف وبارزاني "استعرضا آخر التطورات بالمنطقة ولاسيما الظروف الراهنة في العراق وشمالي سوريا وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الجانبين".

وتأتي زيارة ظريف إلى الدوحة بعد يوم من إعلان الولايات المتحدة مقتل زعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي في محافظة إدلب السورية، التي تتحكم أنقرة فيها من خلال دعمها للجماعات المتشددة المسيطرة عليها.

ويفسر مراقبون ارتماء السلطات القطرية في أحضان إيران وتركيا، بسعيها للهروب من تداعيات المقاطعة العربية عبر عرقلة الجهود الداعية لوقف التدخلات الإيرانية والتركية في شؤون الدول العربية، وهو امتدادا لورقة الابتزاز التي استخدمتها بمساندتها للجماعات الإسلامية المتشددة وجماعة الإخوان في السابق.
ورفع المحتجون العراقيون واللبنانيون في سابقة لم تنتظرها الحكومات ولا طهران، شعارات تطالب بالتصدي للنفوذ الإيراني المتزايد في بلدانهم إضافة إلى تورط سياسيين مقربين من طهران في ملفات فساد.

ولم تستطع ميليشيات إيران في العراق والأحزاب الموالية لها في الحكم ولا حزب الله في لبنان هذه المرة  السيطرة على الاحتجاجات التي ولدت عبر شبكات التواصل الاجتماعي تلبية لدعوات لم يتبناها أي حزب سياسي أو زعيم ديني بعيدا عن الطائفية التي تعرف إيران اللعب على وترها بشكل بارع.

وأدى تدخل الميليشيات لبث الفوضى بين المحتجين وقمعهم في لبنان والعراق في الأيام الماضية، إلى توجيه التهم مباشرة إلى إيران بالتدخل في شؤون الدول والسعي لتنفيذ أجندات تخريبية ضد شعوب المنطقة وهي نفس الأساليب التي انتهجها النظام القطري في السابق خلال انتفاضات ما يسمى بالربيع العربي في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن.