عباس صادق يوضح شروط صحافة الواقع الافتراضي 

كتاب "الإعلام والواقع الافتراضي" يستعرض مجموعة التطورات والخطوات التي حدثت حتى الآن في استخدامات الواقع الافتراضي بأشكاله المختلفة في مجال الإعلام.
وسائل الإعلام الجديدة جاءت بتحديات لا حد لها تجاه المفاهيم والتقاليد والأساليب الموروثة في منظومة إنتاج المحتوى الإعلامي
بفضل استخدام التقنيات الرقمية والذكية المتقدمة تغيرت الطريقة التي يتفاعل بها الناس مع بعضهم البعض
النقلة الهائلة جاءت بمنظومة جديدة في طرق وأساليب السرد ورواية ونقل الأحداث والتجارب وإظهار المشاعر بأدوات التعبير الافتراضية

أدى التطور الهائل في نظم وتكنولوجيا الاتصال والإعلام إلى ظهور أشكال وتطبيقات ونظم إعلامية جديدة تحمل خصائص غير مسبوقة، مع تحول كامل في الطريقة التي يتواصل بها الناس مع بعضهم البعض، فضلًا عن توسع هائل في آفاق المعرفة والمعلومات، فقد أصبح بمقدور الناس في أنحاء العالم المختلفة استخدام أنظمة المعلومات الرقمية المتقدمة وتقتنيات الاتصالات المختلفة التي توفر مساحات واسعة ومفتوحة للتواصل الحي والتفاعلي.
"الإعلام والواقع الافتراضي" كتاب للباحث د. عباس مصطفى صادق يستعرض مجموعة التطورات والخطوات التي حدثت حتى الآن في استخدامات الواقع الافتراضي بأشكاله المختلفة في مجال الإعلام، والتغييرات التي أحدثها وسيحدثها في الإنتاج الإعلامي والتحول في طرق رواية الأحداث، والتعبير عن الموضوعات والأفكار والمشاعر، وما يستتبع ذلك من إعاده النظر الكاملة في الأشكال التقليدية للتعامل مع جميع العناصر المكونة لأي عمل إعلامي يمر من خلال تقنيات الواقع الافتراضي.
يؤكد د. عباس أن هذا التطور التكنولوجي المتسارع، لا يقدم لمنتجي الإعلام ومتلقيه وحدهم الفرص الواسعة لأن يعرفوا أو يفهموا أو حتى يشعروا بما يجري في أماكن بعيدة جدا عنهم، ولا يمكن الوصول إليها، ولكن أيضا يمكنهم من التفاعل مع عناصر الأحداث البعيدة والاندماج فيها، فوسائل الإعلام الجديدة جاءت بتحديات لا حد لها تجاه المفاهيم والتقاليد والأساليب الموروثة في منظومة إنتاج المحتوى الإعلامي، وتوصيله إلى الناس في أي مكان في العالم، وبفضل استخدام التقنيات الرقمية والذكية المتقدمة تغيرت الطريقة التي يتفاعل بها الناس مع بعضهم البعض، والتي ينقلون بها الأفكار والتجارب والأحداث، خاصة في ظل ما يطلق عليها وسائل التواصل التفاعلية الموزعة مثل شبكات التواصل الاجتماعي، والعوالم الافتراضية وشبكات الألعاب المتعددة اللاعبين، والمؤتمرات البعدية التفاعلية وغيرها. 

المشاهد سيصبح قادرا على النظر في جميع الاتجاهات وبمرونة عالية جداً لأعلى وأسفل يمينًا ويسارًا وإلى الخلف والأمام كما لو كان يمارس حياته في العالم الواقعي ليتابع عرضًا مدته ثلاثون دقيقة لأفلام توضح الإمكانات الكامنة في تكنولوجيا الواقع الافتراضي.

وتبعًا لهذه التطورات أصبح المجال مفتوحًا وبلا حدود للتعبير الحر المفتوح عن النفس وعن الآخرين، وتوسعت آفاق نقل التجارب والأحداث والمشاعر والأحاسيس والحاجات إلى الآخرين من أطرها المحدودة مكانيًا وزمانيًا إلى حالة غير مسبوقة للاندماج في المجتمع العالمي ضمن مجال حيوي تفاعلي لا تحده حدود.
ويرى أن التطور أكثر قوة بظهور تقنيات التفاعلية التي باتت تحقق للناس مجالًا اتصاليًا متعدد الاتجاهات إلى حدوث النقلة الرقمية الذكية الجارية في وقتنا الحالي، والتي تجمع بين كل ما تقدم في منصات مفتوحة، بل تضيف إليه نوعًا اتصاليًا جديدًا من خلال تطبيقات الواقع الافتراضي المختلفة. 
هذه النقلة الهائلة جاءت بمنظومة جديدة في طرق وأساليب السرد ورواية ونقل الأحداث والتجارب وإظهار المشاعر بأدوات التعبير الافتراضية، وذلك كشكل جديد من نظم الإعلام التفاعلية التي تحقق حلم الإنسان في أن يكون جزءًا من الرواية التي يتخيلها أو تحكى له، فضلًا عن كونها وسيلة تحقق للإنسان حلم استكشاف أماكن لا يمكن أن يصل إليها وتحقق له حلم الإبحار في مجالات لا يستطيع رؤيتها.
ويضع د. عباس مختصرا لأنواع وأشكال صحافة الواقع الافتراضي كما يلي: أولا صحافة نشأت في العوالم الافتراضية ومارست عملها فيها. ثانيا صحافة استفادت من تكنولوجيا الواقع الافتراضي وغيره. ثالثا صحافة أنتجت موضوعات بتكنولوجيات الواقع الافتراضي المختلفة.
 وينقل عن غيروغري بوريدا وفليبي كوفيت قولهما: "أنه على الرغم من أن الوقع الافتراضي قد ظهر منذ أكثر من خمسين عامًا إلا أن فكرة الصحافة الافتراضية الاستغراقية بدأت للتو في الظهور، فقد تم تطوير تطبيقات الواقع الافتراضي في مجالات مختلفة، مثل الفن والطب والترفيه والعسكرية قبل أن يظهر تطور مماثل في مجال الصحافة. وبالرغم من الاستثمارات الهائلة في تكنولوجيا الوقع الافتراضي فإن استخدامها في الصحافة ظل محدودًا، ولزمن طويل مع استثناءات قليلة فقد تركز ظهور هذا النوع الناشئ من الصحافة داخل بعض المؤسسات الإعلامية التقليدية الكبرى مثل شبكتي سي إن إن وبي بي سي، وبعض الصحف مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز ومؤسسات التكنولوجيا وصنّاع العوالم الافتراضية وعددًا قليلًا من الجهات المستقلة والجهود الفردية".

ويلفت إلى وجود شروط لصحافة الواقع الافتراضي شأنها شأن أي عمل مهني إبداعي متكامل تطلب مجموعة من الشروط التي إذا ما تم الالتزام بها أو أغلبها ستساعد منتجيها في الوصول إلى غايتهم وأهدافهم المرجوة من إنتاج موضوعاتهم الصحفية بالواقع الافتراضي. 
وتشمل شروط متطلبات الصحافة الاستغراقية ما يلي: أولا: يجب أن يشارك الجمهور مكانيًا في القسم أو الحدث أو الموضوع. ثانيا: يجب أن يتوفر المكان الذي جرت أو تجري فيه الأحداث الإخبارية. ثالثا: يجب أن تتسق الصور والأصوات والبيئة مع القصة الصحفية. رابعا: يجب أن تلتقط مواد الصوت والفيديو المستخدمة في الصورة الصحفية من حدث حقيقي أو من مكان يمكن أن تطبق عليه شروط بناء القصة الصحفية الاستغراقية. خامسا: يجب أن تعكس القصة الصحفية الوثائقية الجيدة جهدًا في عملية جمع المواد البحثية المطلوبة لبناء القصة الصحفية الاستغراقية.
ويشير عباس إلى أن صحافة العالم الافتراضي تحمل جوانب من خصائص صحافة الإنترنت بأشكالها المختلفة وبنظم الكتابة ونشر المعلومات وتوزيعها في تطبيات الإعلام الجديد، فضلا عن تمتعها بأفضل ميزات وتكنولوجيات النشر الإلكتروني، بالإضافة إلى ما تحققه من أجواء الاستغراق أو التواجد النفسي والحسي والمحاكاة وثلاثية الأبعاد، وهي تأتي بمفهوم جديد للصحافة في العالم الافتراضي آخذًا في الازدياد يحمل معه مجموعة من التساؤلات التي يمكن طرحها حول أسس الممارسة الصحفية فيها وتعريفها ومدى التزامها من عدمه بالمعايير المهنية والأخلاقية المورثة من أدبيات الصحافة التقليدية.
وفي أمر الإنتاج التلفزيوني للواقع الافتراضي، يؤكد عباس إلى أنه حتى وقت كتابة دراسته فإن أغلب تجارب الواقع الافتراضي هي إما ألعاب أو مواد فيديو غير تفاعلية ما يشبه مرحلة تبني البرامج التليفزيونية القديمة للتقاليد الإذاعية، وقد كانت التجارب السينمائية الأولى تفعل الشيء نفسه مع المسرح، حيث كانت تتبع أساليبه، مع ذلك فإن سينما الواقع الافتراضي قادرة على تطوير لغتها وشكلها. وبرغم التطور النسبي في الإنتاج فإنه لا تزال توجد مجموعة واسعة من الصعوبات التقنية التي تؤخر بث تلفزيون الواقع الافتراضي، فلكي يتم بث مادة تليفزيونية افتراضية يجب ان تحصل كاميرات البث علي التغذية من مجموعة من العدسات المجهزة للتصوير المتزامن لمشاهد متعددة، ليتم بعد ذلك دمجها معاً في تغذية واحدة للبث الحي فائق الوضوح، وهذا ما يجعل تصوير وبث الاحداث الحية صعباً مالم تتوفر المعدات المناسبة والخبراء الذين يجيدون إداراة وتنفيذ هذا النوع من العمل التليفزيوني المعقد.
ويضيف "كذلك لكي يتم نقل الأحداث وفق تصورات الواقع الافتراضي المثالية، فمن المفترض أن تكون الكاميرات الخاصة بالتعامل مع هذا العالم الخيالي مجهزة بميزات تمكنها من التصوير الكروي بزاوية 360 درجة، وذلك لنقل جميع التحركات والتفاصيل المحطية بالعمل عن قرب، وبما يسمح للمشاهد أن يختار نفسه بنفس الزاوية التي يتابعها من المشهد الكلي بدرجاته وزوايها المختلفة لا أن يخضع لما يختاره له المخرج من مشاهد. 
فهذا النوع من الوسائط لا تصلح معه القصص والموضوعات العادية التي يتم تناولها تليفزيونيًا، فلا بد أن يتوفر نوع من التشاركية والتفاعلية داخل الموضوع لكي تتم معالجته بتقنيات الواقع الافتراضي، فموضوعات المغامرات والتجارب الشخصية وقصص الخيال العلمي والوثائقيات والمواد الدرامية وقصص الأطفال فضلًا عن بعض الأحداث الحية هي ما يصلح تناوله بالواقع الافتراضي الذي يمكن أن يمنحها أبعادا إضافية، فبعض هذه الموضوعات تحتمل مشاركة المشاهد في أحداثها وبيئتها ليكون فاعلًا في مسار أحداثها، وبعضها يكتفي ببعض التفاعلية التي تحقق حالة من حالات الواقع الافتراضي. 

لا بد أن يتوفر نوع من التشاركية والتفاعلية
توسع هائل في آفاق المعرفة والمعلومات

أما سينما الواقع الافتراضي التي يتم بناؤها بشكل كامل في بيئة استغراقية فيرى د. عباس أنها لا تقوم على إلغاء حالة عدم التصديق، بل بوضع المشاهد في عالم خيالي يكون فيه واحدًا من شخصيات القصة، كما يصبح موضوع الفيلم وكأنه قصته الخاصة به، حيث يكون مشاركًا فيها وليس متفرجًا، فيتحرك بحرية في بيئة الواقع الافتراضي ليدفع مسار القصة إلى الأمام، لذلك فإن معظم فنيات وخبرات السينما التقليدية لا تنطبق على هذه الحالة ولا تترجم بشكل جيد الأجواء التي يتطلبها بناء سينما الواقع الافتراضي.

ويوضح أن منصات عرض سينما الواقع الافتراضي تحتاج إلى منصات خاصة للمشاهدة على الأجهزة الإلكترونية والهواتف الذكية من خلال تطبيقات أو قاعات متخصصة ونظارات المتابعة المعروفة، مثل سامسونغ غيرفي ار واكيولوس رفيت، واتش في فايف، وغيرها مما قد يتطور ويظهر في الأسواق من مثل هذه الأنواع من تجهيزات متابعة الواقع الافتراضي والاستغراق في عالمه. 
ويتم على الدوام تطوير مجموعة من تطبيقات الهواتف الذكية للتعامل مع هذا النوع من السينما بغرض الحصول على تجربة متابعة استغراقية تقترب من الأجواء الفعلية للواقع الافتراضي، منها تطبيق تم تصميمه لمهرجان هولندا السينمائي لعام 2011 بغرض خلق عالم ثلاثي الأبعاد وفق تطبيقات الواقع المعزز، وذلك بمركز مدينة اوتريخيت، حيث تظهر مجموعة من فقاعات الحوار فوق مواقع معينة في فضاء المركز وهي تحمل الحوار المأخوذ من مشاهد فيلمية. 
وعلى الرغم من بساطة هذا التطبيق في تعامله مع الواقع الافتراضي وحصره في فقاعات الحوار الرقمي لكنه سمح للمستخدمين بمتابعة مسارات مختلفة في قصة الفيلم، وذلك في أنحاء المدينة المختلفة، وفي الوقت الذين يمارسون فيه هوايتهم أثناء تجوالهم مثل تصوير أصدقائهم أو المارة مع الفقاعات فوق رؤوسهم، وبهذه الطريقة يصبحون جزءاً حيًا من قصه الفيلم.
وتركز هذه الفقاعة على تقديم الأفلام بزاوية 360 باستخدام نظارات عرض الواقع الافتراضي من نوع سامسونغ غير في ار وأدوات معالجة الصوت المحيطي، ويتمتع المتابعون بالجلوس على مقاعد خاصة قابلة إلى الدوران والتحرك ليتم نقلهم إلى عالم افتراضي فيصبح المشاهد قادرا على النظر في جميع الاتجاهات وبمرونة عالية جداً لأعلى وأسفل يمينًا ويسارًا وإلى الخلف والأمام كما لو كان يمارس حياته في العالم الواقعي ليتابع عرضًا مدته ثلاثون دقيقة لأفلام توضح الإمكانات الكامنة في تكنولوجيا الواقع الافتراضي.